سناء العاجي: كلكم شركاء في الجريمة…
من المؤكد أنه خطؤها… دائما… أبدا. من المؤكد أنها المسؤولة الوحيدة عما حدث. ملابسها. خروجها للشارع العام. حركاتها. سكناتها. حتى تنفسها… جريمة. حين يكون الجاني مشهورا، سندافع عنه لأنه وسيم …
من المؤكد أنه خطؤها… دائما… أبدا.
من المؤكد أنها المسؤولة الوحيدة عما حدث. ملابسها. خروجها للشارع العام. حركاتها. سكناتها. حتى تنفسها… جريمة.
حين يكون الجاني مشهورا، سندافع عنه لأنه وسيم وجذاب. وسامته وشهرته ستكونان كافيتين لإبعاد التهمة عنه. لابد أنها هي من تحرشت به لأنه وسيم وجذاب.
وحين يكون الجاني\الجناة فقراء، سوف نتهم الفقر والجهل والنظام والتعليم والحكومة والبنك الدولي وعصبة الأبطال والبوكيمون وترامب…. المهم أننا سنبحث عن كل الأسباب الممكنة لتبرير الاغتصاب أو التحرش، حتى لا نضطر لإدانة الجاني الحقيقي.
كون الفتاة غير بكر، كونها تشرب موادا كحولية، كونها تتمتع بحرية لا تعجب الآخرين، كونها ترتدي تنورة قصيرة أو ملابس سباحة… لاشيء من هذا ولا من غيره يعطي الحق لأي كان في اغتصابها.
هي من ذهبت إلى غرفته. هي من ارتدت تنورة قصيرة. هي من استدرجته. هي من ارتدت حجابا وجينزا ضيقا لا يناسب حجابها. هي من خرجت ليلا. هي من تظهر في شريط فيديو مستفز. هي من شربت عصيرا. هي من ابتسمت بطريقة مخلة بالحياء. هي من كانت تلوح بيدها لصديقتها بطريقة مستهترة. هي العاهرة. الفاسدة. المنحلة…
اقرأ أيضا – سناء العاجي: كن رجلا. حقا؟
منذ بضعة أشهر، في قضية التحرش الجماعي ومحاولة الاغتصاب التي تعرضت لها فتاة الحافلة بالدار البيضاء، خرج علينا من يقول بأنها ليست بكرا وبأنها مصابة بداء السيدا، ليتحول الجناة بقدرة قادر إلى ضحايا محتملين لـ “فساد” الفتاة التي ستنقل لهم السيدا. وبما أنها ليست بكرا، فهذا يعني أصلا أنها “خاسْرة” تستحق ما حدث لها. وكأن المشكل الوحيدة يوجد في كونها تحتفظ بغشاء بكارتها أو لا. وكأنها، حين لا تكون بكرا، لا تعتبر ضحية لاغتصاب أو تحرش.
لاحقا، في قضية فتاة مراكش التي كان الجاني يخلع سروالها في الفضاء العام وهي تصرخ بهستيريا موجعة، أرجع الكثيرون المسؤولية للفقر والجهل الذي يعاني منه الشباب.
في الحالتين، لم يجد المدافعون أي حرج في كونهم يبحثون عن الأعذار لمرتكبي محاولات اغتصاب في الفضاء العام. لم يسائل أحدهم مسؤولية المغتصبين الأخلاقية والجنائية. بل لم يسائلوهم حتى من منظور ديني يفترض أن يمنعهم من هكذا سلوكيات. وكأن السلوك الديني لا يصرف إلا بصيغة المؤنث. وكأن الأنثى وحدها من تحاسب على عدم احترامها للمعايير الدينية والأخلاقية. لكن انتهاك نفس المعايير الدينية والأخلاقية من طرف بعض الذكور، إضافة إلى المعايير الحقوقية المعترف بها كونيا، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون موضوع مساءلة.
وكأن المشكل الوحيدة يوجد في كونها تحتفظ بغشاء بكارتها أو لا. وكأنها، حين لا تكون بكرا، لا تعتبر ضحية لاغتصاب أو تحرش.
وها نحن اليوم أمام ثلاث قضايا جديدة، بشعة، خرجت للعلن (وما خفي قد يكون أبشع)، في المغرب وخارجه: القضية الجديدة لسعد لمجرد في فرنسا، قضية ضحية الاسكندرية وقضية خديجة في المغرب.
في الإسكندرية، كانت السيدة تسبح في البحر رفقة زوجها وهي ترتدي البوركيني. كل جسدها وكل شعرها مغطى (وها قد صرنا جميعا نوضح أن لباس المرأة الضحية لم يكن عاريا أو مستفزا، بينما يفترض أن يكون المبدأ هو حرية الملبس! وهذا في حد ذاته أمر كارثي ينبغي أن يحرجنا جميعا). تحرش بها الجاني. طلب منه الزوج أن يبتعد عن زوجته وأن لا يتحرش بها… ماذا فعل المتحرش هنا؟ بكل بساطة، قتل الزوج أمام أعين الشهود.
تعرفون لماذا قتله؟ لقد حركه ذلك الإحساس بالقوة… قوة المتحرش الذي لا يحاسبه القانون ولا يحاسبه المجتمع. قوة المتحرش الذي يعرف ضمنيا أن المحتمع لا يلومه بل سيلوم الزوجة التي “أضاعت زوجها باستهتارها”؛ فلماذا أساسا تنزل البحر؟ حتى البوركيني الشرعي لن يشفع لها. ستحاكمها أعين الجيران والعائلة لأنها تسببت في قتل زوجها.
في إحدى مدن المغرب غير النافع، فتاة قاصر عمرها 17 سنة، تتعرض للاختطاف والاغتصاب الجماعي من طرف 15 شخصا. ولأنهم عبارة عن وحوش آدمية، فلم يكتفوا باغتصابها، بل أنهم وشموا كل أطراف جسدها بعبارات وأسماء ورسوم، وكأنهم يوقعون على جريمتهم.
هروبها المحتمل من بيتهم، كونها رافقت شابا ما أو ربطت معه علاقة عاطفية… هل هذا يعطي لأحد الحق في اغتصابها وتعذيبها؟
الكارثة ليست هنا. الكارثة الحقيقية هي أن خديجة الضحية، في في إحدى خرجاتها، كانت تتحدث عن “شرفها” وعن “بكارتها”… وحده الإيلاج الأول كان يطرح لها إشكالا. أما الاغتصاب الجماعي والوشم والتعذيب، فكل هذا لم يكن يسبب لها الألم الذي يفترض أن يسببه. المشكل الوحيد بالنسبة لها (وللكثيرين) أن البكارة ضاعت. أن الشرف تلطخ بالوحل. أنها أصبحت “خاسْرة”.
في اللحظة ذاتها التي تصبح فيها الضحية غير بكر (سواء خلال نفس الجريمة أو قبلها)، لا يشكل الاغتصاب أي خطر أو إشكال. فالخطر الحقيقي هو أن تفقد “أغلى ما عندها”.
اقرأ أيضا: خُنَاثة بنت بكار.. من هدية للسلطان إلى أم للسلاطين!
الكارثة الأخرى في نفس القضية، هو انتشار رسائل وفيديوهات على المواقع الاجتماعية تعلن بأن خديجة أصلا فاسدة. أنها تركت بيتهم منذ شهرين. أنها عاهرة. أنها ستتسبب في دخول شباب أبرياء للسجن. لا أحد ممن ينشرون تلك الرسائل ينتبه لكون الفتاة في شريط الفيديو لا علاقة لها (شكلا ولا لغة) بخديجة. بل والأدهى… الأفظع… الأمَرّ: هروبها المحتمل من بيتهم، كونها رافقت شابا ما أو ربطت معه علاقة عاطفية… هل هذا يعطي لأحد الحق في اغتصابها وتعذيبها؟
الأنثى وحدها من تحاسب على عدم احترامها للمعايير الدينية والأخلاقية. لكن انتهاك نفس المعايير الدينية والأخلاقية من طرف بعض الذكور، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون موضوع مساءلة
تماما كما في قضية\قضايا سعد لمجرد: متى سنقتنع أن فتاة غير بكر، أو فتاة ربطت علاقة سابقة مع شخص ما، لا تصبح مشاعا متاحا للجميع أنى شاؤوا؟ متى سنقتنع أن كون فتاة تعجب بشاب وترافقه لغرفته، وخاصة في مرجعية ثقافية تختلف عن “تعاليم تربيتنا”، لا يعطيه الحق في غصبها على ممارسة الجنس؟ متى سنقتنع أن الفتاة، حتى وهي تمتهن الجنس بمقابل مادي، من حقها أن تقول “لا” لمن لا ترغب فيه ومن واجب هذا الشخص احترام عدم رغبتها في ربط علاقة جنسية معه؟
كون الفتاة غير بكر، كونها تشرب موادا كحولية، كونها تتمتع بحرية لا تعجب الآخرين، كونها ترتدي تنورة قصيرة أو ملابس سباحة… لاشيء من هذا ولا من غيره يعطي الحق لأي كان في اغتصابها.
اقرأ أيضا: ثريا الشاوي: أصغر وأول قائدة طائرة في المغرب، إفريقيا والعالم العربي! 1\3
استعمال هذه التفاصيل (والكذب بخصوصها في أحيان كثيرة) هو ببساطة تشجيع لثقافة الاغتصاب ومساهمة في انتشارها بهذا الشكل المريع.
شخصيا، لست أتمنى لأي كان أن يعيش هذه المعاناة. لكن كمّ وحجم وشكل التبريرات يجعلني أحيانا أقول في سري وأنا أسمع أو أقرأ لبعضهم: “لعلك ربما تحتاج أن تعيش هذا الوجع في جسدك وروحك حتى تدرك فظاعته!”… ثم أتراجع عن الفكرة لأن الاغتصاب، حتى لمن يبرره، هو تجربة إنسانية فظيعة لا يمكننا أن نتمناها لأحد.
فكيف بكم تبررونها بكل برود الشريك المتواطئ في الجريمة؟