بعد اعتقال عدد من اليوتوبرز في المغرب: حملة محاربة التفاهة في الميزان - Marayana
×
×

بعد اعتقال عدد من اليوتوبرز في المغرب: حملة محاربة التفاهة في الميزان

لسنا مع تشجيع التفاهة أو الإضرار بالأخلاق العامة. لكننا في الوقت نفسه نرفض أن تتحول التفاهة إلى ذريعة للانتقام من فئة اجتماعية أو فرصة للبعض لتحقيق الشهرة على حساب متهمين، هم في نظر القانون أبرياء إلى أن تثبت إدانتهم.
لماذا لا تُرفع شكايات إلا حين يكون أصحاب المحتوى من مجتمع الميم؟ ولماذا يتركز الاستهداف اليوم على العابرين والعابرات جندرياً بالذات؟

محمد علي لعموري
محمد علي لعموري

منذ سنوات، تعجّ مواقع التواصل الاجتماعي بفيديوهات تحمل من المحتوى ما هو غث – وما أكثره – وما هو سمين نافع – وما أندرَه. اعتدنا أن نستنكر تلك التفاهات التي تُبنى على ما يُغري ويُضحك ويُزكِم الأنوف، من دون أن تمتد يد المنع أو الحظر إلى أصحابها. كان عنوان المرحلة: إلهاء المتابع وترك حرية الاختيار لضميره ورغبته.

مرّت مياه كثيرة ملوّثة فوق ما يخدش الحياء العام، وكلما ارتفع منسوب التفاهة ارتفع معه عدد المشاهدات، وتحصل أصحابها على مبالغ مالية مغرية زادتهم إصراراً على إنتاج مزيد من المحتوى الهابط.

لن أضرب أمثلة؛ فمواقع التواصل كافية بالشواهد.

اليوم، وبقدرة قادر، تتحرك جمعية مغمورة لم يسمع بها أحد تقريباً، لتعلن نفسها حاملة لواء “محاربة التفاهة” وتطهير الفضاء الرقمي! مبادرة جميلة في ظاهرها، لكنها تطرح سؤالاً مشروعاً: أين كانت هذه الغَيرة يوم كان الطوفان في بدايته؟ ولماذا تحركت الآن بالذات؟ وما الذي منحها الضوء الأخضر لتتصدر المشهد، وترفع دعاوى ضد آدم بنسقرون ووالدته، وضد الراقص مولينيكس؟

من يتتبع ما يروج بعد الاعتقالات الأخيرة، يُدرك أن الموضوع بدأ يأخذ منحى آخر يتجاوز مجرد “التفاهة”، ويمسّ بالأشخاص بسبب توجهاتهم أو تعبيراتهم الجندرية.

قضية آدم وأمه

آدم، سُرب له سابقاً فيديو ذو طابع حميمي وهو قاصر، بعد أن ترك بيت أهله وسافر إلى إحدى دول الخليج حيث وقعت الحادثة، ثم انتقل إلى بلد آخر، قبل أن يعود إلى المغرب ويلتحق بأمه.

هنا تُطرح الأسئلة:

هل تتحمل الأم مسؤولية مراهق جامح؟

هل شجعته على استغلال نفسه جنسياً؟

لا دليل على ذلك. كل ما نعرفه أن الأم احتضنت ابنها بدافع الأمومة، وواجهت التنمر ورهاب المثلية الذي تعرض له في الحي الذي يسكنان فيه.

تقديم هذه العلاقة كـ”قوادة” أو “تشجيع” هو قفز على الوقائع، ومحاولة خلق رواية جاهزة ترضي من يبحث عن الشماتة.

حتى الشكاية التي رفعها سكان الحي كانت بسبب “الإزعاج” في بث مباشر على تيك توك، وليس بسبب أفعال مخلة مثبتة. وعندما احتشد الناس أمام المنزل، نزلت الأم – في لحظة انفعال – لتدافع عن ابنها، فاستُغل مشهدها وتم اعتباره “إخلالاً بالحياء العام”.

مولينيكس واستهداف مجتمع الميم

أما مولينيكس، فتم استدراجه بذكاء حتى وصل إلى مطار مراكش، حيث تم توقيفه ليُتابع في القضية ذاتها، مع اتهامات مرتبطة برقصه ومحتواه الذي ينتقد نفاق المجتمع ويدافع عن مجتمع الميم.

الغريب أن “الجمعية” أعلنت أن محتوى هؤلاء مؤثر على الأطفال!

وكأن أطفال المغرب لا يشاهدون إلا آدم وأمه ومولينيكس!

أين المحتويات الأجنبية الأخطر؟ الألعاب العنيفة؟ اليوتيوبرز الذين يبثون خطاب الكراهية؟ أو الحسابات التي تنشر العنف والابتزاز والقذف؟

لماذا لا تُرفع شكايات إلا حين يكون أصحاب المحتوى من مجتمع الميم؟

ولماذا يتركز الاستهداف اليوم على العابرين والعابرات جندرياً بالذات؟

هذه الفئة التي تحتاج إلى نقاش قانوني وحقوقي رصين، بدل حملات التشهير وتشويه السمعة.

ما يزيد الطين بلة هو تصريحات لبعض أعضاء الجمعية الذين أعلنوا نيتهم طلب “خبرة طبية” لإثبات المثلية، أو التحري عن الإصابة بفيروس VIH…

هذا انتهاك خطير للكرامة الإنسانية وخرق واضح للدستور والاتفاقيات الدولية التي التزم بها المغرب.

العدالة لا تتحقق بالبوز

نحن لسنا مع تشجيع التفاهة أو الإضرار بالأخلاق العامة. لكننا في الوقت نفسه نرفض أن تتحول التفاهة إلى ذريعة للانتقام من فئة اجتماعية أو فرصة للبعض لتحقيق الشهرة على حساب متهمين، هم في نظر القانون أبرياء إلى أن تثبت إدانتهم.

من حق هؤلاء الحصول على محاكمة عادلة، بعيدة عن تشويش مواقع التواصل التي تسابق الزمن لإصدار أحكام جاهزة، وهي المواقع نفسها التي كانت قبل أسابيع تضحك وتشاهد وتشارك مقاطعهم بكل شغف.

لقد كانت فيديوهات آدم الأكثر طلباً بين المراهقين والأطفال، ومع ذلك لم تتحرك جمعية واحدة لطرح سؤال تربوي جاد:

من يربي أبناءنا؟ نحن أم الخوارزميات؟

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *