في التوظيف السياسي لخطبة الجمعة… محطات من التاريخ الإسلامي - Marayana
×
×

في التوظيف السياسي لخطبة الجمعة… محطات من التاريخ الإسلامي

حين يتم تغليف الأفكار السياسية بما هو ديني، تُطبع هذه الأفكار بطابع قُدسي، فيتم تبنيها نظريا وممارسة، وهو ما حدث في خطبة الجمعة.
هذا ما أدركه الساسة عبر التاريخ الإسلامي، حين وظفوا مِنبر الجُمعة من أجل إيصال أفكارهم السياسية، سواء في تثبيت الشرعية أو في استئصال الخصوم.
توظيف له جذور ممتدة، ما زالت مستمرة، وهو ما جعل العديد من المسلمين ينفرون من الخطبة، بل إن بعضهم اتخذ مسارا آخر، الانتظار حتى إقامة الصلاة… بعيدا عن خطبة كل تفصيل فيها سياسي.

صلاة الجمعة عند المسلمين صارت، منذ زمن طويل، موعدا في غاية الأهمية، كونُها مدرسة للعبادة والوعظ والنُّصح وتهذيب السلوك، كما يتصورها غالبية المسلمين.

نقطة خلاف أسالت مدادا كثيرا حول هذا الطقس الديني، تتجلى في طبيعة الموضوعات أو وظيفة هذه الخطبة، بين من يرى أنها مكان للتذكير والوعظ فقط، في حين يذهب آخرون إلى أنها تعكسُ شمولية الإسلام، حيث تشملُ تفاصيل الحياة بما فيها السياسي.

تقاطب ظهر خصوصا، حين بدأ توظيف خطب الجمعة من أجل خدمة أغراض سياسية، وربما، تبرير أفعال سياسية لا يمكن أن تبرر، أو تمرير السلطة لقراراتها وأفكارها إلى شعوبها، لعلها تتقاطع بشكل كبير مع هموم واهتمام المسلمين، لكن، يتم تغليفها دينيا.

تداخل عرفته عصور الإسلام الأولى كذلك، تحديدا في المراحل التي عرفت فيها الدولة الإسلامية صراعات سياسية، فكان خلالها المنبر، أداة لتقبل ذاك ورفض الآخر.

خطبة الجمعة… محطات من التسيس

في البدء… اتخذت خطبة الجمعة شكلا آخر فترة الحكم الأموي، من خلال تطويل زمن الخطبة، عكس ما كان رائجا من قبل، مع العلم أن خطبة الجمعة في حد ذاتها، ليست محط إجماع في ما يتعلق ببدء ممارستها كطقس ديني، خصوصا في ظل غياب أية خطبة جمعة منسوبة للرسول.

تطويل خطبة الجمعة، لقي معارضة شديدة، فقد أورد أبو يُعلى الموصلي في مسنده، أن الحكم بن أيوب الثقفي، والي البصرة، كان يطيل في خطبة الجمعة كثيرا، ولما اعترض عليه الصحابي يزيد بن نعامة الضبي، حبسه الحكم وبقي في سجنه نحو عشرة أيام كاملة. أضف إلى ذلك ما حدث لزياد بن جاريه الذي انتقد إطالة الخطبة فتم قطع رأسه.

على أن هذه الاطالة في الخطبة، كانت لها أسبابها آنذاك، إذ أضحى الأمويون يركزون على صلاة الجمعة لاستغلالها في الدعاية السياسية.

تجليات ذلك ظهرت بشكل كبير في بدايات الدولة الأموية، حيث كان نتائج الصراع بينهم وبين علي بن أبي طالب لا تزال قائمة رغم اغتياله، وبذلك استغل الأمويون المنْبر من أجل لعن علي. بل إن بعض المصادر تشير إلى أن أهل (حرّن)، رفضوا صلاة الجمعة بدون لعن علي، كما أورد ذلك المسعودي، وقالوا في ذلك: “لا صلاة بدون لعن أبي تراب”. وهو ما أكده جلال الدين السيوطي في كتابه “تاريخ الخلفاء”، من خلال سن معاوية بن أبي سفيان لسنة جديدة، وهي سنة لعن وسب علي بن أبي طالب.

لعن المعارضين على منابر الخطبة لم يقتصر على علي بن أبي طالب وحده، بل امتد إلى رموز أخرى معارضة، كعبد الله بن الزبير والمختار بن عبيد الله.

على أنه من جانب آخر، رفضت بعض الشخصيات الشيعية حركة اللعن هذه، منهم حجر بن عدي، الذي قُتل مع جماعة من أصحابه بأمر من معاوية بن أبي سفيان. إضافة إلى أن جميع الأئمة الشيعة رفضوا أداء صلاة الجمعة خلال حكم الأمويين والعباسيين، مشددين بذلك على عدم شرعية هذه السلطات.

في الوقت نفسه، دعوا أتباعهم إلى أداء شعائر الصلاة في تجمعات خاصة بهم.

توظيف امتد إلى الدولة العباسية… حينها تم استغلال الخطبة من بداية الدولة، حين تم على المنبر، إعلان بداية عصر الدولة العباسية وأفول الأمويين في الخطبة التي ألقاها أبو العباس سنة 132هـ.

على أن هذا الصراع اتخذ شكلا آخر بين الدولتين، إذ أثناء اقتراب العباسيين من دمشق، اختلف الناس بينهما. حينها، نصب كل فريق منبرا، وألقيت خطبتان في مسجد دمشق، وهو ما نجده مثلا، في كتاب “تاريخ دمشق” لابن عساكر.

نفس التداخل تكرر فترة الصراع العباسي الفاطمي، حيث تم استخدام خطبة الجمعة بشكل لافت جدا، في بعض الأحيان دعي للخليفة الفاطمي في بغداد عاصمة العباسيين، وفي أحايين أخرى، دُعي للخليفة العباسي في القاهرة عاصمة الفاطميين.

هذه بعض من ملامح تداخل الديني والسياسي في خطبة الجمعة على امتداد التاريخ الإسلامي، على أن هذا التداخل لا زال قائما في أغلب الدول الإسلامية، إن لم تكن كُلها.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *