أربعة عشر شخصا تناوبوا على اغتصاب طفل… قضية البشير تُسائل المنظومة القانونية الجنائية بالمغرب
يوم 17 من غشت 2025، اهتز الشارع المغربي على وقع مأساة اغتصاب الطفل البشير ذو الثالثة عشر ربيعا من طرف 14 مُجرما.
تَناسلت رسائلُ التضامن من كُل أطياف المجتمع، وتعالت الأصوات التي نادت بتشديد العقوبة في حق المُدانين.
جريمة الاغتصاب وقعت، وهذا واقع لا يمكن الارتفاع عليه. لكن، ماذا بعد الاغتصاب؟ هل سنبقى حبيسي الإدانة والتضامن مع كل قضية اغتصاب؟ ألم يحن الوقت ليتحمل الكل مسؤوليته؟ ألم يحن الوقت ليُصبح هذا الملف أولوية ويعزز التشريع بترسانة قانونية تحمي الكل من جرائم الاغتصاب؟
أغمض عينيك وتأمل…
أربعة عشر شخصا – ولنسُقط عليهم صفة الإنسانية – يتناوبون على اغتصاب طفل لا يتجاوز عمرهُ 14 سنة؟ !!
افتح عينيك، هي ليست واقعة للتأمل، هي واقعة الطفل البشير… الطفل الذي كان الأصلُ أن تحمل دلالة اسمه كل معاني البُشرى والأخبار السارة، قبل أن يُصبح هو الخبر.
بعد أن تكالبت عليه المعاناة، في ظل أسرة تُوفي مُعيلها، قصَد البشير أقربَ “متنفس فرح” متاح له ليعيش، ولو للحظة زمنية، شيئا من البهجة والسرور، قبل أن تتحوَل لحظة البهجة هاته إلى جحيم.
الطفل الذي يعيش في وضع اجتماعي هش، كونه يتم الأب، ووالدته من ذوي الاحتياجات الخاصة، علاوة على أنه يعاني من اضطرابات في النطق والسلوك، تعرض لاغتصاب جماعي من قبل أربعة عشر شخصا، بعد حضوره لموسم “عبد الله أمغار” بإقليم الجديدة، بعد أن تم تخديره حسب مجموعة من المصادر.
حادثة اغتصاب هزت الشارع المغربي، مرة أخرى، وأعادت للواجهة الجدل حول عقوبات الاغتصاب في القانون الجنائي المغربي.
أحكام لا تتناسب والضرر
هاتشاغ “كلنا البشير”، “العدالة للبشير”، تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي، إذ طالب الآلاف على منصات التواصل الاجتماعي بأقصى العقوبات، وهو الأمر نفسهُ الذي نهجته العديد من الجمعيات الحقوقية.
لكن… قبل أن نَعرض المطالب، لنَعُد زمنا للوراء ونفتح قضايا، كان فيها التخفيف في قضايا اغتصاب سيد العقوبة.
في 20 مارس 2023، صدر حُكم، وُصف حينها بـ”الصادم” في حق ثلاثة أشخاص، بالحبس سنتين، فقط لا غير، بعد إدانتهم بتهمتي “التغرير بقاصر” و”هتك عرض قاصر بالعنف”، في حق فتاة لم يتجاوز عُمرها 11 سنة.
الضحية التي كانت تقطن بضواحي مدينة الرباط، تعرضت لاغتصاب نتج عنهُ حمل، لتكون العقوبة… سنتان في حق ثلاثة أشخاص، مع غرامة قدرُها 43 ألف درهم، علما أن القانون الجنائي ينص في الفصل 486 على أنه إذا كان المجني عليه قاصرا أو عاجزا أو معروفا بضعف قواه العقلية أو حاملا، فإن الجاني يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة.
قضية الطفل البشير تفتحُ لنا، أيضا، قضية الإسباني من أصل عراقي دانييل غالفان.
دانييل غالفان الذي كان قاطنا بدءا من سنة 2005 في مدينة القنيطرة، نسجَ هناك علاقات مع مجموعة من الأسر، وكان ينظم حفلات خاصة للأطفال، قبل أن يستغل هذا الوضع ليقوم باغتصاب، على الأقل، 11 طفلا وطفلة تتراوح أعمارهم بين 3 و15 سنة.
بعد أن كُشفت المأساة، حُكم على غالفان بثلاثين سنة سجنا نافذا، لكن…
في 30 يوليوز 2013، وبمناسبة عيد العرش، صدر بلاغ عن القصر المغربي أُعلن خلاله تمتيع 1044 معتقلا بالعفو الملكي.
البلاغ أكد ورود 48 سجينا إسبانيا ضمن اللائحة، لكن الصدمة كانت أن اسم دانييل غلفان كان ضمن المُعفى عنهم.
قرارَ العفو أجج الشارع المغربي، وخرج الآلاف بمجموعة من المدن المغربية منددين بذلك، قبل أن يصدر بلاغ للقصر الملكي يسحبُ خلاله الملك محمد السادس قرار العفو عن دانييل… الذي كان حينها، قد غادر التراب الوطني، لتمتنع السلطات القضائية الإسبانية بعدها، عن تسليمه للمغرب.
أحكام كثيرة غير رادعة لمرتكبي جرائم هتك العرض بحق قاصرين بالمغرب ، تجعلناَ نطرحُ أكثر من علامة استفهام وتعجب.
دعوات لتشديد العقوبة
حادثة الطفل البشير فجرت حالة غضب واستنكار في الشارع المغربي، حيث عبر الكثيرون عن رفضهم كُل أوجه التساهل مع المغتصبين، ومطالبين بأقصى العقوبات.
عبد الواحد المرابطي كتب في تدوينة له: ” البشير ببراءة الطفولة يعتقد أن كل من يشبهه شكلًا فهو بشر، نسي الطفل أن المجتمع الذي ننتمي إليه قد صنع لنا أصنافًا من الكائنات هي خارج كل تصنيف. بينما سعى الطفل للفرجة، صار هو الفرجة. الاغتصاب كلمة ثقيلة جدًا، فما بالك أن تتجسد أربع عشرة مرة. إن المعضلة الكبرى اليوم هي ماذا بعد البشير؟ هل نستطيع أن نعترف بالمجتمع كمريض سرطانات لا نهاية لها، أم أننا سنبقى كالعادة نقول هي حالة استثناء؟
صفاء بولجداد لخصت الحكاية قائلة: “المؤبد لمغتصبي الأطفال“.
نجاة أنور، رئيسة منظمة “ماتقيش ولدي”، اعتبرت في تصريح لمرايانا أن واقعة اغتصاب الطفل البشير تبرز بوضوح أن الطريق ما زال طويلا أمامنا في البحث عن سبل حماية فعالة للأطفال.
المتحدثة أضافت أن “التشريعات الجنائية المغربية تتضمن نصوصا صارمة في مواجهة الاعتداءات الجنسية على الأطفال؛ فالقانون الجنائي ينص على عقوبات قد تصل إلى 30 سنة في حالات الاغتصاب وهتك العرض بالعنف”.
الإشكال، حسب الفاعلة الحقوقية، لا يكمن في النصوص بحد ذاتها، بل في صرامة تطبيقها على أرض الواقع، فالمنظمة سجلت أنه في العديد من الحالات، يظل التنفيذ ضعيفا أو يعرف نوعا من التساهل الذي يفقد النصوص قوتها الردعية. هذا الخلل يساهم في تكريس الإحساس بانعدام العدالة لدى الضحايا، ويترك الباب مفتوحا أمام المعتدين لتكرار جرائمهم دون رادع فعلي.
وعليه، تشدد نجاة أنور، على أن حماية الطفولة لا يمكن أن تتحقق بالنصوص وحدها، بل بمدى احترام وتفعيل هذه النصوص في الممارسة القضائية والأمنية، فالعدالة الحقيقية تقتضي تطبيق القانون بحزم، وضمان أن لا يُفلت أي جان من العقاب. علاوة على أن حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية مسؤولية جماعية، تبدأ بتطبيق القانون وتمر عبر التوعية المجتمعية.
هشاشة المواكبة النفسية
في قضية الطفل البشير، تدخل المرصد الوطني لحقوق الطفل بتعليمات من الأميرة للا مريم، حيث تم وضع الطفل تحت خدمة طبيبة نفسية.
تتساءل الأخصائية النفسية بشرى المرابطي في هذا السياق: هل كل طفل تعرض للاغتصاب تحققت له هذه الميزة، وهل ننتظر حتى يتدخل المرصد؟
التدخل النفسي، حسب المتحدثة، يفترض أن يُوفر منذ أول لحظة يتم فيها البوح والكشف عن الموضوع، ناهيك إذا وصل الأمر إلى الشرطة أو القضاء.
تضيف الأخصائية النفسية في تصريحها لمرايانا: “للأسف الشديد قضايا الاغتصاب تكشف عن هشاشة الدولة الحمائية، سواء تعلق الأمر بالبشير أو غيره. القضاء يتبع مسطرة قضائية صرفة، حيث يتم استدعاء المتهم، واستنطاق الطفل، وبالتالي ينتهي الأمر عند إصدار الحكم على الجاني، ويُعاد الطفل إلى بيته دون أدنى تدخل نفسي، وهذا أصل المشكل؛ لأن الطفل ليس في حاجة فقط إلى متابعة الجناة، بل في حاجة إلى تكفل نفسي“.
الطفل، حسب المتحدثة دائما، معرض لاضطرابات ما بعد الصدمة؛ كوابيس في حالة اليقظة والنوم، استرجاع الحدث بالصوت والصورة، علاقاته مع الأقران والعائلة، كما أن هناك احتمالية أن يُصبح هو نفسه مُغتصبا بدافع الانتقام.
لذلك، تتابع بشرى المرابطي، يجب إصلاح المنظومة القانونية وسد هذه الثغرات، والأجدر أن يحال الطفل على خلية نفسية تكون موجودة داخل المحاكم، حيث يتم تأهيل الطفل على المستوى النفسي في فترات الاستنطاق والمحاكمة، وعليه دائما أن يراجع طبيبا نفسيا من بعدُ من أجل التخفيف من هذه الجروح.