وفاة التيكتوكر سلمى بسبب عملية تجميل: عن التنمر و “الجسد المثالي”
التيكتوكر سلمى اختبرت أخلاقنا وإنسانيتنا ونزاهتنا… كان بإمكاننا أن نُنقذ روحا فقط بكلمة طيبة، لكننا قررنا أن نُرسلَها إلى مقصَلة الموت باسم النحافة والمثالية والخضوع لمنطق المجتمع لا لمنطق الذات.
لَرُبما ظَنت “سلمى” أنها، بمُجرد أن تَخرج من المستشفى، ستكسبُ الرّضى الوَهمي. ظنَّت أنهم سيتَجهون للمُحتوى ويبتعدون عن الجسد… لكن هذا الرضى الذي كانَت تنشده، تَحوّل إلى نعش مَحمول.
دَخلت سلمى المستشفى وعَلى مُحياها ابتسامة النَّصر… دخلت بحثا عن جسد أكثر نحافة، قِيل لها إنه معيارُ جَمال.
سلمى، الأم لطفل صغير، قررت، ورُبما قُرِّر في مكانها، أن تُسافر خارج المغرب بحثا عن جسد “مثالي”، قبل أن تتحول الرحلة إلى كابوس مؤلم.
سَلمى ليست سوى حالة من عشرات الحالات التي تم إيهامها أن معايير الجمال، تُحددها صُور مُنمقة على “فايسبوك”، أو منشور مفلتر لإحداهن، أو الوضعية التي يُحددها المجتمع.
في عصر يهيمن عليه الرقمي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، تشكل طُرقنا في التواصل، وتؤثر بعُمق على تصوراتنا للجمال. خلف هذا الكم الهائل من “الفلاتر البراقة” سردية معقدة، يُحددها هذا العالم، فتُشكل ضغطا رقميا مجتمعيا على أولئك الذين ينساقون نحو السردية… توقعات غير واقعية تؤثر بشكل كبير على صورتنا الذاتية ورفاهنا.
لم يكُن وراء خيار “سلمى” المُميت مُجرد بحث عن جسد “نحيف”، كما قيل لها، بل وراءه كومة من الضغوط النفسية خلَّفتها تعليقات ابتعدت عن المُحتوى لتتدخل في الجسد وطبيعة الجسد وصيغة الجسد وبنية الجسد…
لم تكُن تعليقات “ناصحة”، بل تعليقات سخرية وهَزل وتنمر…
ضغط نفسي جعلها تضع جسدها بين فكَي الخضوع أو المَوت، فكان الموت.
المُفارقة العجيبة في قصة سلمى، وفي قصص أخرى طبعا، أن أولئك الذين/اللواتي انهالو شتما وتنمرا هُم نفسهم الذين/ اللواتي تعاطفوا معها بعدَ أن دخلت المستشفى نتيجة مضاعفات العملية…
فهل يظهرُ جانبنا الإنساني فقط حين تظهرُ أمامنا مشاعرُ الخوف والفزع؟
كيفَ ينقلبُ الإنسان؟
سلمى لم تكُن ضحية تنمر فقط…
التنمر هو العلة الأولى طبعا، لكنها كانت في الأصل، ضحية جشعٍ. جشعٌ رِبحي لم يُحدد لسلمى مخَاطر العملية وأعراضها وآلامها… سلمى كانت بالنسبة لهؤلاء رقما جديدا في معادلة رأسمالية لا يهمها سوى الرِّبح.
“شفط الدهون”، “تغيير مسار المعدة”، “تكميم المعدة”، “تحويل مسار البنكرياس والقنوات الصفرية”… مجرد نقرة على محرك البحث “غوغل”، ستظهرُ آلاف المقالات التي تتحدث عن المخاطر والإجراءت والتفاصيل الدقيقة للعملية، فهل قيل لسلمى ذلك؟ وهل نُبهت لذلك؟ أم أنها ظلت، طوال الوقت، مجرد رقم جديد في حساب بنكي مفتوح الشهية…
جراحة طبية حرجة، تحولت إلى مُجرد خيار مفروض، أو ربما خيار “عادي”، تُحركه دوافع مظهرية لا ضرورات طبية.
التيكتوكر سلمى اختبرت أخلاقنا وإنسانيتنا ونزاهتنا…
كان بإمكاننا أن نُنقذ روحا فقط بكلمة طيبة، لكننا قررنا أن نُرسلَها إلى مقصَلة الموت باسم النحافة والمثالية والخضوع لمنطق المجتمع لا لمنطق الذات.