250 رصاصة أفرغتها في وجه مجموعة من الناس…”الطنطورة” فيلم إسرائيلي يحيي الإبادة
“أنا صهيوني وأؤيد وجود دولة خاصة لليهود، ولكن أعتقد أنه من الأهمية بمكان بالنسبة لنا أن نفهم تاريخنا”.
تصريح أدلى به ألون شفارتز لوكالة فرانس برس…
صهيونته لم تمنعه بتاتا أن ينظر إلى الحقيقة، أن يعتبر نشرها تصالحا مع التاريخ، وتفنيدا للأكاذيب.
الفيلم الوثائقي “الطنطورة” للمخرج ألون شوارتز، حكاية للمأساة بصوت جنود إسرائيليين.
حكاية تُبرز أن الرفاهية هناك تنتصب فوق جثت فلسطينيين تمت إبادتهم.
على امتداد استيطانها للأراضي الفلسطينية، حاولت إسرائيل أن تنتهج فلسفة الاستيلاء والاحتلال بحجج ودعاوى دينية وتاريخية أساسها: “أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض”.
حتى في المقررات المدرسية، تحاول إسرائيل دائما أن تصور فلسطين قبل دخول الصهاينة إليها أرضا خلاء، ودخولها هو ما مهد للحضارة والحداثة والتقدم هناك.
حاجز منيع صنعته دولة الاحتلال حول الأحداث التي رافقت نشأة هذا الكيان على أرض فلسطين بعد حرب 1948.
حاجز سينكسر، حين ظهر الفيلم الوثائقي “الطنطورة”.
لربما قد يكذب البعض الروايات التي أوردتها مصادر فلسطينية حول ما وقع في الطنطورة بعد حرب 48.
ربما قد يكذب البعض أن الفلسطينين هناك تعرضوا لمذبحة رهيبة خلال احتلالها، ربما يكذبون إن كانت الأحداث مروية بلسان فلسطيني. لكن…
ماذا إذا كان راوي الأحداث إسرائيلي، بل إسرائيليون مشاركون في التهجير والإبادة، وماذا إذا كان مخرج الفيلم ألون شفارتز، يعترف في حوارات له أنه “صهيوني الأصل”.
تقع بلدة الطنطورة على بعد 24 كيلومترا جنوبي مدينة حيفا.
تكتسي البلدة طابعا خاصا، بسبب مينائها البحري. في عام 1948 بلغ عدد سكانها 2000 نسمة.
سنة 1948، ستتعرض البلدة لمذبحة رهيبة، شأنها شأن ثمانين قرية فلسطينية.
تحت موقف سيارات تابع لمنتجع “شاطئ دور“، المقام على أنقاض قرية “الطنطورة”، اكتشفت مقبرة جماعية لعشرات الفلسطنيين، الذي قُتلوا في واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال.
الجيش الإسرائيلي ادعى أن ما وقع هناك كان حربا وقتالا بين جنود مسلحين من الطرفين، وأنه لم يجبر أهالي البلدة على النزوح أو الخروج.
في عام 2022، أصدر ألون شفارتز فيلمه “الطنطورة”.
الفيلم عُرض أول مرة في مهرجان صندانس السينمائي في الولايات المتحدة الأمريكية، ويستعيد وقائع تاريخية حصلت في الطنطورة.
يستعرض الفيلم ما توصل إليه الباحث الإسرائيلي تيدي كاتس، عبر دراسة لنيل شهادة الماجستير من جامعة حيفا، تحت عنوان “تهجير العرب من القرى المحاذية لجبل الكرمل”، اكتشف خلالها، استنادا على 135 شهادة من إسرائيليين وعرب، أن الجنود الإسرائيليين هاجموا الطنطورة بهدف التطهير العرقي، حتى يبقى الساحل “نظيفا من العرب”.
الفيلم مكون من مجموعة لقاءات مع عدد من المحاربين القدامى في لواء إلكسندروني، وهو لواء تابع لجيش الدفاع الإسرائيلي.
شهادات متضاربة بين شخصيات تعترف بالمجازر، وأخرى بقيت على الحياد بين الاعتراف والاحتفاظ بالحق في فعل الاحتلال.
في يوم 22 من ماي 1948، حسب الفيلم الوثائقي، داهم جنود اللواء قرية “الطنطورة”، وقاموا باعتقال جميع سكانها، ثم شرعوا بقتل وإعدام من وقع بين أيديهم من السكان.
أحد الجنود يقول خلال إفادته: “لم آخذ معي أي أسير”، في إشارة منه إلى أنه تم قتل الجميع هناك.
جندي آخر اعترف: “أنا كنت قاتلا… كنت أوقف المقاتلين العرب وهم رافعي الأيدي وأطلق عليهم الرصاص. لم أحص عددهم. كان معي رشاش يحتوي 250 رصاصة، أفرغتها جميعا“.
يكشف جندي آخر في نفس الشهادات عن اغتصاب فتاة فلسطينية في عمر 16 سنة خلال مداهمة بيوت الناس في البلدة.
شهادات وأخرى، تبرز مجازر إسرائيل ضد الفلسطينيين… مجازر حاول خلالها الصهاينة أن يؤسسوا فعلا لأرض بلا شعب، وأن يصنعوا حجرا لدولة فوق صدور أناس آخرين.
حاول شفارتز خلال هذا الفيلم، أن يحيي من جديد محو سلطة الاحتلال لجهد بحثي تاريخي قام به تيدي كاتس.
تيدي كاتس كان تعرض لموجة تحريضية ضده، حيث قدم عدد من جنود اللواء بدعوى إلى المحكمة المركزية ضد كاتس بتهمة التشهير… فما كان إلا أن تم طمر البحث بكامل تفاصيله، وتغريم تيدي كاتس، قبل أن يحيي المخرج ألون شوارتز تفاصيل البحثِ.
على إسرائيل أن تفهم تاريخها
في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، اعتبر مخرج الفيلم الوثائفي ألون شفارتز، أن الفيلم “يأتي بقصة واسعة تشمل، ضمن أمور أخرى، خلفية حرب 1948 وكيف تم بناء الذاكرة إلى جانب روايات مختلفة عما حدث في الطنطورة”.
المخرج تابع: “الفيلم يتناول الإخفاء المحدد لقضية الطنطورة والإخفاء الشامل للنكبة، ويعرض أمثلة حول طريقة صياغة الرواية في تلك الفترة على يد المؤسسة الإسرائيلية”.
يقول شفارتز إنه تحمّل “مخاطر نفسية شخصية” في التحقيق في أحداث الطنطورة، مضيفا: “أنا هذا الرجل الذي اعتقد أنني متمكّن من واقعنا التاريخي، لكنني في الحقيقة نشأت على أسطورة“.
يسترسل: “أن نروي لأنفسنا قصة أنه لم يكن هناك شعب (فلسطينيون) قبلنا، لن يكون مفيدًا”، معتبرا ذلك “أسطورة تأسيسية للأمة”.
في لقاء آخر له، شدد ألون على أن “هناك جيلا جديدا اليوم من الإسرائيليين، أكثر استعدادا لمناقشة الأحداث الصعبة في تاريخ هذه الأمة الفتية”.
من جانبه، قال إيلان بابيه، المؤرخ الإسرائيلي: “أعتقد أن من الصعب جدا الاعتراف بارتكاب جرائم حرب، لأن مشروع الصهيونية أساسا في مشكلة… إنها مأساة بمعنى ما. كان على اليهود الهروب من أوروبا للعثور على ملاذ آمن. لكن لا يمكنك إنشاء ملاذ آمن من خلال كارثة للآخرين”.
تُقدم إسرائيل نفسها على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. مشهد تقدمه دوما من خلال إبراز التطور الهائل في هذا المجتمع. لكن…
تحت هذه الأبنية الفارهة، هناك حفر مليئة بجثث الفلسطينيين.
جثث تم ردمها عميقا، حتى يتم طمس المأساة… لكن المأساة ظاهرة دائما، وتتجدد.