من اليمن، دينا النجار تكتب: الدراما الرمضانية في اليمن: هل تشوه الثقافة اليمنية؟
الدراما الرمضانية في اليمن، ورغم أنها غير مقيدة برقابة صارمة، إلا أنها تتجاوز الحرية لتصل إلى مرحلة تشويه الثقافة وتقزيم الإرث العريق، بل وتساهم- من حيث لا تدري- في خلق مشكلات جديدة دون إدراك حجم الخطأ.

كما جرت العادة، تسجل الدراما اليمنية حضورا باهتا وضعيفا ضمن خارطة الأعمال الدرامية العربية، حيث تغيب القضايا الحقيقية التي ترهق المواطن وتلامس المجتمع اليمني بكل مكوناته، من نسائه وأطفاله وشبابه. وليس ذلك فحسب، بل تعجز هذه الأعمال عن إبراز تفاصيل واحدة من أعرق الحضارات في العالم، فتصور اليمن كبلد يعاني من الفقر الاقتصادي، ويمتد هذا ا الفقر ليشمل تراثه الثقافي والفني.
حتى الفن اليمني، الذي أثرى الفنون المجاورة وألهمها لعقود، يتم تجاهله تماما في الدراما، فلا نجد أثرا له في الحوارات، ولا حتى في المشاهد العاطفية، رغم أن التاريخ يخبرنا بأن أجمل الأغاني اليمنية نشأت من قصص حب حقيقية ألهمت الشعراء والملحنين، وبقيت خالدة في الذاكرة حتى اليوم. غياب هذه التفاصيل لا ينتقص فقط من واقعية المشاهد، بل يسهم أيضا في تسطيح التجربة البصرية والوجدانية للمشاهد.
المشكلة الأعمق في الدراما اليمنية أنها تفتقر إلى الهدف والرسالة، فتفقد بريقها سريعا وتتحول إلى مادة ساخرة تتناقلها الألسن طوال الشهر، خاصة والمشاهد اليمني لم يعد كما كان؛ فقد اتسعت مداركه، وأصبح أكثر وعيا وإدراكا وتمييزا لما يعرض عليه ولم يعد يقبل المحتوى بصفته مسلمة، بل بات يراه استهتارا بعقله وذائقته.
لا يقتصر هذا التهميش على القضايا الاجتماعية والثقافية، بل يمتد إلى أحد أهم عناصر الهوية اليمنية، وهو المطبخ اليمني، فبينما تحرص الدراما العربية على إبراز الأكلات الشعبية كجزء من الهوية البصرية للأعمال الفنية، تغيب الأطباق اليمنية تماما عن المشاهد، وكأن هذا البلد، المعروف بتنوع مطبخه وتميزه، لا يملك إرثا غذائيا يستحق أن يكون جزءا من السرد الدرامي.
اليمن، الذي لطالما اشتهر بمخبوزاته الصحية وتاريخه العريق في إنتاج الحبوب وصناعة أطباق متوارثة عبر الأجيال، يظهر في الدراما وكأنه بلا هوية غذائية، مما يرسخ صورة نمطية سطحية عنه.
وحضوره في الأعمال الدرامية يضفي مصداقية وعمقا على المشاهد، فكيف لمسلسلات يفترض أنها تعكس نبض المجتمع أن تتجاهل هذا العنصر الأساسي؟
هذا العام، شهد شهر رمضان إنتاج العديد من المسلسلات التي خرجت بشق الأنفس في بلد يعاني من حرب مستمرة منذ ما يقارب عقدا من الزمن، ويكاد يلفظ أنفاسه تحت وطأة التدهور الاقتصادي والانهيار المعيشي. ومع ذلك، لم تقدم هذه الأعمال أي جديد، بل استهلكت القضايا ذاتها دون أي معالجة حقيقية أو طرح صادق يعكس الواقع، ما يجعل الدراما اليمنية تسير في مسار ضيق، حيث يتم تناول قضية واحدة في موسم درامي، فتتنافس الأعمال على استهلاكها بزوايا مختلفة، وكأن اليمن، الذي ينزف منذ عقود، يخلو من القضايا الملحة باستثناء تزويج القاصرات وتعليم الفتيات. بينما تهمل قضايا أكثر خطورة، مثل العنف الأسري، وقتل الفتيات، والتحكم في قرارات النساء، وكأنها مجرد رفاهيات لا تستحق الطرح.
من غير العدل مقارنة الدراما اليمنية بنظيرتها العربية، ولكن الأهم هو مقارنة طريقة تناول القضايا. الدراما السورية-على سبيل المثال- ورغم ظروف الحرب القاسية، لم تتجاهل معاناة شعبها، بل سلطت الضوء على الأزمات التي عصفت بسوريا بعد ثورات الربيع العربي، والتي تتشابه إلى حد كبير مع ما يمر به اليمن ولبنان وفلسطين.
الفرق أن العين السورية لم تغفل تفاصيل المعاناة، فجسدت تأثير النزوح القسري، وانقطاع الكهرباء، والانهيار الاقتصادي على حياة المواطن السوري، وركز المنتجون والمخرجون على إبراز ملامح الفقر والإنهاك، فكانت أعمالهم أقرب إلى نبض الشارع وتعكس أوجاعه بصدق.
أما الدراما اليمنية، ورغم أنها غير مقيدة برقابة صارمة، إلا أنها تتجاوز الحرية لتصل إلى مرحلة تشويه الثقافة وتقزيم الإرث العريق، بل وتساهم- من حيث لا تدري- في خلق مشكلات جديدة دون إدراك حجم الخطأ.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار غياب الهيئات والمعاهد المتخصصة في تطوير الدراما، سواء من حيث التمثيل أو الإخراج أو الإنتاج. لكن هذا الغياب لا يبرر التجاهل والاستهتار الذي تمارسه شركات الإنتاج والمخرجون. بل على العكس، يضعهم أمام مسؤولية أكبر في تقديم محتوى يرتقي بعقل المشاهد، ويتماشى مع وعيه وذائقته، بدلا من الإصرار على إعادة تدوير القضايا ذاتها بسطحية واستهلاك بصري لا طائل منه.