هذه حكاية الانقلاب الأول والأخير الذي عرفته الولايات المتحدة الأمريكية
مذبحة ويلمينغتون، أو انقلاب ويلمنغتون 1898، حدث يعد نقطة تحول كبرى بعد الحرب الأهلية التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية.
مذبحة أعادت نظام الفصل العنصري، وحرمت الأمريكيين الأفارقة من حق الاقتراع في جميع أنحاء كارولاينا الشمالية.
انقلاب على الشرعية والديمقراطية، أكد، وفق لورا إدواردز مؤلفة كتاب “خيانة الديمقراطية”، تأكيدا على سيادة العنصريين (البيض)، وتأكيدا على طمس المواطنة وحقوق الأفراد والحماية المتساوية.
هو أول وآخر انقلاب على الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية.
تعد الولايات المتحدة الأمريكية من بين الدول التي تنتقل فيها السلطة بسلاسة.
يؤمن الرؤساء هُناك بنتيجة الانتخابات وبالإرادة الشعبية.
سنة 1898، ستتكسر القاعدة، قاعدة احترام الصناديق وما أفرزته. سنة 1898 كانت كابوسا في الولايات المتحدة الأمريكية. يومها تم الانقلاب على الشرعية.
بعد نهاية الحرب الأهلية الأمريكية في عام 1865، التي خاضتها الولايات الشمالية الاتحادية ضد كونفدرالية الولايات الجنوبية (الانفصالية)، ألغيت العبودية في جميع أنحاء الدولة.
أقر السياسيون بعد هذه الحرب عددا من التعديلات الدستورية التي منحت الحرية والحقوق للعبيد السابقين، وأرسلوا الجيش لفرض سياستهم.
قرار لم يجد له صدى واسعا في كل أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في الجنوب، حيث استاء الجنوبيون من تلك التغييرات والواقع الجديد الذي فرضته، وحاولوا تقويض العديد من الجهود الرامية إلى دمج السكان السود المُحرَّرين في المجتمع.
في عام 1898، كان الأمريكيون الأفارقة في كارولاينا الشمالية، يؤسسون ببطء أعمالهم التجارية، ويمارسون حريتهم، سواء من الناحية الاقتصادية، من خلال مِلكية العقارات والبيع والشراء، أو المعرفية، المتمثلة في الإلمام بالقراءة والكتابة والولوج إلى الجامعات.
نجاح اقتصادي واجتماعي، حاول الأمريكيون (السود) تصريفه سياسيا.
في تسعينيات القرن التاسع عشر، فاز تحالف سياسي من البيض والسود، عُرف باسم الاندماج، بكل المناصب على مستوى ولاية كارولاينا الشمالية، بما في ذلك منصب الحاكم.
بحلول عام 1898 تم انتخاب مزيج من السياسيين الاندماجيين البيض والسود لقيادة حكومة المدينة المحلية في ويلمينغتون.
في تلك الفترة، كان الحزب الديمقراطي معارضا شرسا للتغييرات التي عرفها المجتمع الأمريكي، إذ كانوا يطالبون علانية بالفصل العنصري.
خشي السياسيون الديمقراطيون من هيمنة الاندماجيين على انتخابات عام 1898، فقرر بذلك قادة الحزب إطلاق حملة انتخابية تستند إلى تفوق البيض واستخدام كل ما في وسعهم لهزيمة الاندماجيين.
جريدة The Washington Post، أرّخت للحادثة في مقال لها بعنوان: “Majority-Black Wilmington, N.C., fell to White mob’s coup 125 years ago
وفق جريدة The Washington post، في 24 من أكتوبر 1898، وقف ألفريد مور واديل، عضو الكونغرس، في قاعة في ويلمنغتون، ودعا إلى منع الأغلبية السوداء من التصويت وإدارة حكومة المدينة.
ألفريد أضاف في خطابه: “لقد ولى زمن الكلمات المعسولة، ووصلنا إلى حد أقصى من التسامح. من الآن فصاعدا لن تكون هيمنة الزنوج سوى ذكرى مخزية لنا وتحذيرا دائما لأولئك الذين يسعون إلى إحيائها مرة أخرى”.
أطلق واديل، زعيم القمصان الحمر، وهي جماعة إرهابية بيضاء، حملة “تفوق البيض”، متعهدا بالإطاحة بحكومة منتخبة ديمقراطيا في ويلمنغتون، وتعهد بأن يفوز البيض في الانتخابات المقبلة “بأي وسيلة ممكنة”، حتى ولو اضطروا إلى إطلاق النار على كل (أسود) في المدينة.
في اليوم السابق للانتخابات على مستوى الولاية، في عام 1898، ألقى السياسي الديمقراطي ألفريد واديل خطابا آخر يدعو فيه الرجال البيض إلى أداء واجباتهم، والبحث عن الناخبين السود.
واديل قال: “إذا وجدتم أحدهم، قولوا له أن يغادر مقرات الاقتراع، وإذا رفض فالقتل. أطلقوا عليهم الرصاص، سنفوز غدا وإن كان علينا أن نفعل ذلك بالبنادق”.
فاز الحزب الديمقراطي في الانتخابات المحلية بعد إجبار العديد من الناخبين على الابتعاد عن مراكز الاقتراع تحت تهديد السلاح. وتقاسموا السطلة مع ائتلاف “فيوجن” أو الاندماجيين، برغم القمع الواسع الذي تعرض له الأخير خلال الاقتراع.
لم يرض الديمقراطيون على تلك النتيجة، وأقدموا على تشكيل لجنة مكونة من 25 شخصا، “لجنة وادل“، ليقدموا مطالب سميت آنذاك “إعلان استقلال البيض“، إلى السياسيين (السود) وقادة الحزب الجمهوري.
رفض ائتلاف “فيوجن” المطالب، ليحشد ألفريد وادل قوة تتألف من 2000 رجل في 10 من نونبير 1898، وأشعلوا النيران في صحيفة “دايلي ريكورد” المملوكة (للسود).
حريق الصحيفة أشعل الذعر بين الناس، واندلعت اشتباكات عنيفة مع انتشار رجال الميليشيات البيض في أنحاء المدنية، الذين أطلقوا النيران على منازل وشركات الرجال (السود).
حاول بعض السكان الفرار، حاملين بعضا من ممتلكاتهم إلى ضواحي المدنية، حيث تجمعوا في المقابر والمستنقعات.
بعد فرار السكان، سار ألفريد واديل وفرقته إلى مبنى البلدية وأجبروا الحكومة المحلية على الاستقالة تحت تهديد السلاح، وتم إعلان واديل عمدة بعد ظهر ذلك اليوم نفسه.
عام 2006، أعلن تقرير رسمي للولاية أن عدد الوفيات في تلك الفترة بلغ 60 قتيلا.
في غضون عامين، فرض العنصريون (البيض) في ولاية كارولاينا الشمالية، قوانين جديدة للفصل العنصري، وجردوا الأمريكيين السود من حق التصويت، وبذلك انخفض عدد الناخبين الأمريكيين من أصل أفريقي من 125 ألف ناخب في عام 1896، إلى حوالي 6 آلاف ناخب في 1902
في عام 2007، أقرت الجمعية العامة لولاية كارولينا الشمالية قراراً يعترف بأن “العنف الذي وقع عام 1898 في ويلمنجتون كان مؤامرة من قِبَل النخبة البيضاء التي استخدمت الترهيب والقوة لاستبدال حكومة محلية منتخبة بشكل قانوني، وأن الناس فقدوا سبل عيشهم ونفوا من منازلهم دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، وأن الحكومة على جميع المستويات فشلت في حماية مواطنيها”.