الترجمة الأمازيغية: بين إشكاليات اللهجات وصعوبة الحرف وإكراهات المتعلم - Marayana - مرايانا
×
×

الترجمة الأمازيغية: بين إشكاليات اللهجات وصعوبة الحرف وإكراهات المتعلم

لا يزال حقل الترجمة الأمازيغية حقلاً فقيراً محتشما يحتاج إلى الكثير من المحاولات. مرايانا حاولت معرفة أسباب هذا الفقر وأسبابه، وبين المشاكل الموضوعية واللسانية والإرادة… رؤى كثيرة وجدتها مرايانا على قارعة طريق الترجمة الأمازيغية.

يعرفُ المشهد اللغوي المغربي تبايناً وتفاوتاً لغوياً، بين العربية والأمازيغية وغيرها من اللغات التي يعتمدها المغاربة في الدراسة والبحث والكتابة، وكذا في تداولهم اليومي.

عادة ما تستعمل اللغة بشكل متفاوت وغير متكافئ، هذا التفاوت مردُّه لمعطيات سوسيوتاريخية وأيديولوجية وغيرها.

تأخذ اللغة الأمازيغية موقعاً حساسا ضمن المشهد اللغوي المغربي. على الرُّغم من دسترتها وتفعيل طابعها الرَّسمي، غير أنها تحتاج للكثير من المحاولات لإعادة الاعتبار للترجمة من الأمازيغية وإليها.

الترجمة الأمازيغية ليست فقط نقلاً وفعلاً تواصليا بين لغتين، بل هي تجسيد للتعددية اللغوية والثقافية بالمغرب، والاعتراف بمكونات هويته الحضارية، وإرثه الثقافي واللغوي، الذي بُني على روافد متنوعة.

للترجمة وظيفة حيوية في الحقل اللغوي والمعرفي المغربي المتعدد، هذه الوظيفة تتجاوز سقف الحوار بين اللغات والثقافات المشكِّلة لهذا المشهد، لتكون جسر التواصل بين كافة المغاربة، فضلا عن دورها المحوري في إنقاذ لغة أمازيغية تقاوم خطر الاندثار.

غير أن الترجمة الأمازيغية لا زالت تعرف مداً وجزراً وإشكالات متنوعة. بين صعوبة ترجمة النص الأمازيغي والإرادة السياسية للتأسيس لحقل الترجمة الأمازيغية، وبين إكراهات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، يبقى فعل الترجمة ضئيلاً جدا إن لم نقل مُنعدماً.

تقوية وتمكين لمؤسسات الترجمة

لحسن أمقران، باحث ومتخصص في قضايا اللغة الأمازيغية، يقول في حديث لمرايانا إن الحديث عن الترجمة يجعلنا أمام اتجاهين: الأول، ترجمة من اللغات الأجنبية الى اللغة الأمازيغية؛ واتجاه ثان من اللغة الأمازيغية إلى اللغات الأخرى.

حسب المتحدث، في الاتجاه الثاني، فإن الأعمال الأدبية المكتوبة باللغة الأمازيغية والتي تُرجمت إلى لغات أخرى، تبقى قليلة جدا؛ لكننا هنا نتحدث فقط عن ترجمة النص ترجمة حرفية، لأن هناك مجموعة من المؤلفات الأدبية، باللغة العربية أو الفرنسية أو الإسبانية أو غيرها، وإن كانت تتحدث بلسان هذه اللغات، إلاَّ أنها تعكس الثقافة والموروث الأمازيغي بشكل جلي وواضح وشبه تام.

يقول أمقران: “لا يستقيم الحديث عن الترجمة دون تقوية خدماتها، خصوصا على مستوى المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، فالترجمة في هذه المؤسسة تعاني من نقص حاد، علما أن هناك باحثَيْن في الترجمة يشتغلان في المعهد، واحد ينتمي إلى الجنوب والثانية إلى منطقة الريف”.

يضيف المتحدث: “في إطار البحث عن اللغة المقعدة المُمَعْيَرَة والموحدة، يُفترض أن يكون هناك باحثون آخرون، من الأطلس، الجنوب الشرقي، فكيك، وغيرها؛ حتى يكون هناك تواجد لجميع الألسن ولجميع المنطوقات أو المتغيرات الأمازيغية، لأن ذلك من شأنه أن يُوفر ما تحدثنا عنه من نقص في بعض المصطلحات وبعض المفاهيم وكذلك تشجيع المَعْيَرَة والتقعيد”.

محاولات محدودة

يتجه الباحث إلى أن هناك محاولات محتشمة، فمثلا، الترجمة من اللغات الأجنبية إلى الريفية لا بأس بها، خصوصا أنها تتم في إطار أكاديمي بإشراف فريق متخصص يعمل من داخل الكلية المتعددة التخصصات بالناظور، أي أن هناك عملا جماعيا جبارا، لكنه يقتصر على ترجمة الأعمال الأدبية الغربية والعربية إلى “تاريفيت”.

يضيف أمقران: “إذا ما اتجهنا إلى تاشلحيت أو تاسوسيت، فإن هناك محالات متوسطة يقوم بها أشخاص، لكنها تبقى محاولات فردية متوسطة. أما تمازيغت الوسط، فإنها تبقى عملية محتشمة وضعيفة إلى حد كبير”.

انطلاقا من هذا التشخيص الثلاثي للباحث، يُمكن القول إن هناك حالة عدم رضى لسببين، أولا، لأن هناك شحا في الأعمال المترجمة إلى اللغة الامازيغية، سواء في الجانب الكمي أو الكيفي، بسبب كوننا أمام توجه لهجاتي (تاريفيت، تاشلحيت، تاسوسيت)، حيث نجد شبه انعدام وعي لدى المترجمين بإنصاف اللغة الأمازيغية الجامعة.

لكن، هنا نتوقف لنقول إن اللغة الأمازيغية لغة شفوية في الأصل، عهدها بالتدوين والكتابة حديث جدا، ولو أنها تعرضت لكثير من عوامل التعرية عبر التاريخ، مما جعلها تفقد الكثير من المصطلحات والمفاهيم والكلمات.

عوائق معرفية وسياسية

من العوائق والإكراهات التي تواجه الترجمة، حسب المتحدث، ضعف المعجم الأمازيغي ومحدودية انتشاره وصعوبة فهمه من طرف عامة المواطنين.

“ليست محدودية المُعجم وحدها، بل غياب التشجيع على عملية الترجمة من وإلى اللغة الأمازيغية، سواء من جانب المؤسسات أو حتى من جانب النسيج الجمعوي الأمازيغي، الذي آن الأوان أن يعي ويفهم أن تقوية وتجويد اللغة، لن يتأتى إلا من خلال تشجيع عملية الترجمة”، حسب أمقران.

يشدد المتحدث على أن التجاوزات التي تطال الترجمة مردُّها إلى غياب الإرادة السياسية، ثم ضعف التواصل مع المختصين اللسانيين، إلى جانب الاعتماد على “مناضلين” يدفعهم حسهم النضالي للقيام بترجمات غير دقيقة، وهو ما يسيء إلى اللغة الأمازيغية.

أزمة مركبة

اسماعيل الزݣاغي، أستاذ اللغة الأمازيغية وباحث في قضاياها اللغوية والثقافية، يقر بدوره بالأزمة التي تعيشها الترجمة الأمازيغية بأصنافها.

يقول الزݣاغي في حديث لمرايانا: “رغم الجهود المبذولة من طرف الجمعيات الأمازيغية المهتمة بالإنتاجات الأدبية، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في استصدار أعمال أدبية مترجمة إلى اللغة الأمازيغية تساهم في انفتاح الأدب الأمازيغي على باقي الثقافات والحضارات العالمية، إلا أننا لم نصل بعد حالة الرضى تجاه الترجمة الأمازيغية.

يتجه المتحدث إلى أن كل هذه المجهودات تبقى غير كافية، في ظل الانتقال الذي تعرفه اللغة الأمازيغية من الشفاهة إلى الكتابة، وحاجة المدرسة المغربية للحوامل البيداغوجية باللغة الأمازيغية، من قصص وروايات يمكن توظيفها، سواء في عملية إنتاج الكتب المدرسية، أو أثناء تمرير اللغة إلى المتعلمات والمتعلمين.

تكوينات مفقودة

يقول الباحث الامازيغي: “إن أكثر ما يعيق الترجمة إلى الأمازيغية هو التكوين الأكاديمي، وإهمال الباحثين في مجال اللسانيات والأدب الأمازيغيين، رغم حاجة الدولة وافتقارها لهذا التخصص”.

حسب أستاذ اللغة الأمازيغية، ففي الوقت الذي يتم فيه فتح تكوينات أكاديمية في الترجمة في عدة لغات أجنبية، يتم إقصاء اللغة الأمازيغية من هذه التكوينات، والتماطل في فتح تخصص الدراسات الأمازيغية في أغلب الجامعات المغربية، وهو ما يعيق البحث العلمي في اللغة والأدب الأمازيغيين.

يعتقد المتحدث أن أزمة الترجمة إلى الأمازيغية هي انعكاس مباشر لأزمة اللغة الأمازيغية والترسيم الشكلي لها داخل المؤسسات الرسمية.

خير دليل على وجود ضبابية في الترجمة، حسب الزݣاغي، هو ما نراه اليوم على واجهات هذه المؤسسات من أخطاء في كتابة أسمائها باللغة الأمازيغية بحرف تيفيناغ، حيث تقوم أغلب المؤسسات بإعادة كتابة التسمية العربية أو الفرنسية بالحروف الأمازيغية، دون بدل أي مجهود لترجمتها إلى الأمازيغية.

ربما صار من الضروري اليوم أن نسعى إلى التأسيس لمعجم موحد للترجمة إلى الأمازيغية، بتوافق علمي وبضوابطَ علمية ولسانية مقعدة.

وربما يجب الاتجاه إلى لغة أمازيغية علمية واحدة وموحَّدة، عوض لهجات أمازيغية تتفرع عنها اللهجات أو اللكنات التي من شأنها أن تضيع الجهود العملية للسانيين.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *