في ذكرى وفاته، مرايانا تستحضر سيرة شمعون ليفي: “تقاليدنا اليهودية، لا يمكن للمرء أن يبدلها لتبرير مصالح إسرائيل” 2\2الجزء الثاني
شمعون ليفي لم يتفق يوما مع اليهودية بالشكل الذي بدت به في العقود الأخيرة، لذلك يقول مرة أخرى “اليهودية الكريمة هي اليهودية الليبرالية والمسالمة… بالنسبة لي، ثقافة تقاليد القرون الأخيرة جيدة، تقاليدنا تلك لا يمكن للمرء أن يبدلها لتبرير مصالح إسرائيل”.
رأينا في الجزء الأول من هذا البورتريه، أن شمعون ليفي واحد من أشهر الأسماء اليهودية التي طبعت تاريخ المغرب الحديث؛ فقد انخرط في الحياة السياسة باكرا، كما أسهم بجانب أبناء وطنه، المغرب، في نضالات نيل الاستقلال… ليفي كان يهوديا متشبثا بمغربيته، مغربيا متشبثا بيهوديته، وفي هذا الجزء، الثاني والأخير، نعرض رأيه في مستقبل اليهودية بشكل عام، وبعض ما أسهم به في سبيل ترسيخ الموروث اليهودي في المغرب.
على الرغم من أنه كان في دائرة مختلف الصراعات السياسية والاجتماعية التي عرفها مغرب ما بعد الاستقلال، فإن شمعون ليفي، لم ينس يوما يهوديته ودافع عنها وعن كونها مكونا أساسيا في الهوية المغربية. كل ذلك، بافتخار واعتزاز كبيرين، فلطالما اعتبر أن المغاربة اليهود أسهموا في تعزيز فكرة التعايش بين الإسلام واليهودية.
في حوار له مع مجلة إلكترونية ألمانية[1] سنة 2011، قال له الصحفي المحاور إن اليهود كانوا حوالي ثلاثمائة ألف في المغرب إلى حدود أربعينيات القرن الماضي، فأكد له شمعون ليفي بأنه لم تكن مدينة مغربية واحدة تخلو من مكون يهودي يشكل على الأقل 10 بالمائة من سكان المدينة، لكنهم اليوم في المغرب كله، ألف يهودي فقط.
مستقبل اليهودية في نظر شمعون ليفي، “لا يمكن إلا أن يكون مرتبطا بالسلام، لكن ينبغي أن يكون سلاما حقيقيا يمارس النقد الذاتي… هذا هو الطريق الوحيد وقاعدة العدالة في المشكل الذي يشهده الشرق الأوسط”.
أما سبب هذا، فيعزوه شمعون ليفي في ذات الحوار، إلى الأحداث السياسية التي شهدها النصف الثاني من القرن الماضي، وهاجر على إثرها المغاربة اليهود إلى إسرائيل وفرنسا وبريطانيا وكندا. خطوة بعد خطوة، ترك المغاربة اليهود وطنهم حسب ليفي، موضحا أن الأمر تعلق بنزوح جماعي مرتبط بالصهيونية وبالاستعمار وبالتعامل السيء لإسرائيل مع دول الجوار وبالحروب أيضا.
اقرأ أيضا: “يهود الريف المغربي… حكاية وجود راسخ انتهت بـ”باتوا ولم يصبحوا!” 2/1”
شمعون ليفي لم يتفق يوما مع اليهودية بالشكل الذي بدت به في العقود الأخيرة، لذلك يقول مرة أخرى “اليهودية الكريمة هي اليهودية الليبرالية والمسالمة… بالنسبة لي، ثقافة تقاليد القرون الأخيرة جيدة، تقاليدنا تلك لا يمكن للمرء أن يبدلها لتبرير مصالح إسرائيل”.
هكذا، مستقبل اليهودية في نظر شمعون ليفي، “لا يمكن إلا أن يكون مرتبطا بالسلام، لكن ينبغي أن يكون سلاما حقيقيا يمارس النقد الذاتي… هذا هو الطريق الوحيد وقاعدة العدالة في المشكل الذي يشهده الشرق الأوسط”.
ألف شمعون ليفي قيد حياته كتبا عديدة تؤرخ لليهود في المغرب، يعتبر كتاب “محاولات في التاريخ والحضارة اليهودية المغربية” واحد منها. ارتكزت فكرته على الإلحاح على الأثر العبري في الثقافة الشعبية المغربية وفي مظاهرها اللغوية والاجتماعية والسياسية، وفق ما يشير إليه الشاعر والصحفي المغربي حكيم عنكر في قراءة له للكتاب، منشورة بيومية المساء المغربية.
اقرأ أيضا: “عمر بوم يكتب: مستقبل الديانة اليهودية في نسختها المغربية”
شمعون ليفي كان قيد حياته كاتبا عاما للطائفة اليهودية بالدار البيضاء، كما كان كاتبا عاما لمؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي، وهي مؤسسة تعنى، حسب قوله، بصيانة الكنس وترميمها وكشف الغطاء عن جوانب الثقافة المغربية اليهودية، من موسيقى وأدب وغيره.
الملك محمد السادس: “كان ليفي أستاذا ألمعيا ومناضلا تقدميا، شديد التعلق بمغربيته عاملا بكل تفان وإخلاص واعتزاز، على إبراز إسهام التراث الثقافي اليهودي المغربي في ترسيخ خصوصيات الهوية المغربية الأصيلة…”.
في صبيحة الجمعة 2 دجنبر 2011، سيرحل عن الحياة في الرباط، عن عمر يناهز 77 عاما، بعد صراع طويل مع مرض السرطان؛ وقد ائتمنت عائلته، بعد وفاته، مؤسسة “أرشيف المغرب” على مكتبته.
عائلة الراحل، ستتوصل بعد وفاته ببرقية تعزية من الملك محمد السادس، جاء فيها أن “جلالته يستحضر بكل تقدير ما كان يتحلى به الفقيد الكبير من خصال إنسانية حميدة، وغيرة وطنية صادقة، إذ انخرط في الحركة الوطنية، وهو ما يزال في ريعان شبابه، دفاعا عن حرية المغرب واستقلاله ووحدته الوطنية والترابية، وتشبثا بثوابته ومقدساته وسيادته”.
اقرأ أيضا: “الكيف بين اليهودية، المسيحية والإسلام: علاقة الكيف بتدين المغاربة 2\2”
برقية التعزية هذه تعد شهادة لما قدمه شمعون ليفي لوطنه المغرب، إذ عددت الكثير من مناقبه، فقد كان “أستاذا ألمعيا ومناضلا تقدميا، شديد التعلق بمغربيته عاملا بكل تفان وإخلاص واعتزاز، على إبراز إسهام التراث الثقافي اليهودي المغربي في ترسيخ خصوصيات الهوية المغربية الأصيلة…”.
[1] عن موقع قنطرة للحوار مع العالم الإسلامي. أجراه ألفرد هاكنسبيرغ وعربته ريم نجمي.
لقراءة الجزء الأول: مرايانا تستحضر ذكرى شمعون ليفي… السياسي المغربي الذي وهب حياته لإبراز أثر اليهودية في الهوية المغربية 1\2