معركة النهروان: خوارج وحرب ودماء أنهت حياة علي بن أبي طالب
معركة النهروان ليست الوحيدة في تاريخ المعارك بين المسلمين. هي، فقط، استمرارية لمعركة صفين بين علي بن أبي طالب ومعاوية الذي رفض مبايعة علي منذ زمن.
ما كان للحرب في النهاية إلا أن تشتعل مرة أخرى، لتنتهي باغتيال علي.
وضعت الحرب أوزارها في معركة صفين بعدما اقتتل المسلمون فيما بينهم، وأريقت دماء عديدة…
بعد ذلك، فشل التحكيم الذي كان يُنتظر منه أن يحل مشاكل الفُرقاء المتصارعين فيما بينهم، لكنه لم يفعل أكثر من إشعال حرب أخرى.
حرب النهروان، أو ما يعرف في السرديات الدينية بواقعة الخوارج، التي قُتل بعدها علي بن أبي طالب في السنة 40 للهجرة، هي استمرارية لواقعة صفين وغيرها.
بين سرديات الغياب والحضور وغيرها، ثابت واحد: دماء سالت في تاريخ المسلمين.
النهروان: مخلفات صفين
بعد فشل التحكيم الذي انتهى بخلاف بين الطرفين، عاد علي بن أبي طالب للحرب والقتال. كثرت السرديات حول سؤال من نقض العهد. غير أنه كثيرا ما يتجه المؤرخون والمهتمون، إلى أن ابن أبي طالب وضع شروطا، أهمها وقف سفك الدماء، وهو ما حدث لتعود بوادر الحرب.
جاء في موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي، ضمن ملحق المعارك والفتوحات، أن معركة النهروان وقعت بين على بن أبى طالب والخوارج الذين رفضوا التحكيم مع معاوية بن أبي سفيان، عند النهروان الواقعة بين بغداد وواسط.
حسب الموسوعة، فقد كان الخوارج، بقيادة عبد الله بن وهب الراسبى، قد طالبوا علي بن أبى طالب بأن يعلن كفره، ويدخل الإسلام من جديد، واستباحوا دماء المسلمين، واعتدوا على أعراضهم وأملاكهم، ولم تنجح محاولات علي في ردهم عن القتال، فاستعد الطرفان للحرب.
انصرف عن الخوارج كثير من الجيش، بعد ما أعلن لهم علي الأمان. ودارت المعركة، وقتل فيها رؤوس الخوارج، وقتل من جيش علي 7 أفراد، إلا أن الخوارج قاموا بعد ذلك باغتيال علي.
يعود سبب وقوع معركة النهروان إلى خروج جماعة من جيوش علي بن أبي طالب أثناء عودته للكوفة، وذلك بعد معركة صفين والتحكيم الذي حدث بها، وكذلك بعد عدم الرضى الذي أبداه بعضٌ من جيوش علي بن أبي طالب.
قام عدد من أتباع علي بالانشقاق، وذلك أثناء عودته للكوفة بعد انتهاء عملية التحكيم تلك. حينها، تم تلقيب المنشقين على علي بالخوارج، ويعود سبب التسمية إلى أنهم خرجوا عن جيش علي بن أبي طالب.
ثوار مسلمون
جاء في كتاب أنساب الأشراف للبلاذري، أن عليا بن أبي طالب تمكن من إقناع بعض الخوارج بالعدول عن رأيهم، إلا أن طائفة منهم بقيت على عنادها رافعة شعار “لا حكم إلا لله” فقال فيهم علي: “إن هؤلاء يقولون: لا إمرة، ولا بد من أمير يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع الفاجر، ويبلغ الكتاب الأجل، وإنها لكلمة حق يعتزون بها الباطل، فإن تكلّموا حججناهم وإن سكتوا غممناهم”.
ظل الخوارج على موقفهم واشتد عودهم، وهو ما جعل الخطر يحوم حول علي، حيث تقوى جيش الخوارج وانضمت أعداد كبيرة لمعسكرهم، وراحوا يُعلنون القول بشرك معسكر علي، ورأوا استباحة دمائهم.
أرسل علي الحارث بن مُرَّة العبدي، لمعرفة أحوال الخوارج وموقفهم، غير أنهم قتلوه حسب ما أوردته كتابات كثيرة، ولعل هذا كان سبب خروج جيش علي الذي استقدمه لمحاربة الخوارج.
بعث علي إلى الخوارج أن يرسلوا إليه قتلة بن مُرَّة الحارث العبدي، وهو يكفُّ عنهم، ولكنَّهم أجابوه أنهم كُلّهم قاموا بالقتل. بعدها أرسل علي، قيس بن سعد وأيوب الأنصاري غير أن هذا لم يوقف بوادر الحرب بين الطرفين.
تراجع وانقسام
يقول أبو حنيفة الدينوري في كتابه “الأخبار الطوال”، إن أحدا من زعماء الخوارج، وهو فروة بن نوفل الأشجعي، قال لأصحابه: “يا قوم، والله ما ندري، علام نقاتل علياً، وليست لنا في قتله حجة ولا بيان. يا قوم، انصرفوا بنا حتى تنفذ لنا البصيرة في قتاله أو اتباعه”. فترك أصحابه في مواقفهم، ومضى في خمسمائة رجل منهم.
انقسم الخوارج فيما بينهم، وغادر منهم الكثير إلى أن بقي منهم العدد القليل الذين أرادوا الحرب مع علي وجيشه، وقد ذكرت مصادر أن جيش علي قتل منهم عددا كبيرا ولم يفلت منهم إلا 10 جنود وهذا ما وجدناه عند البلاذري في كتابه أنساب الأشراف.
التاريخ يكتبه المنتصر، إذ لا يُمكن تأكيد ما ورد حول نجاة 10 من جنود الخوارج فقط. غير أن الراجح أن جيش علي ألحق بثوار الخوارج خسائر كبيرة، وتفرقت دماءهم ومعها قوتهم ووحدتهم ولم يتبق منها إلا القليل.
وفاة علي
بعد هزيمة الخوارج وعودتهم للعراق، لجأت فرقة منهم إلى عبد الرحمان بن عمرو، المعروف بابن ملجم الحميري، الذي كان من بين مهندسي محاولة قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص، فلم تنجح إلا عملية قتل علي.
توفي علي ليلة الجمعة في 17 من شهر رمضان سنة 40 للهجرة بعدما ضربه عبد الرحمن بن ملجم.
أورد عباس محمود العقاد في كتابه “عبقرية الإمام”، أن عبد الرحمن بن ملجم والبرك بن عبد الله وعمرو بن بكر التميمى، اجتمعوا فيما بينهم، فقال ابن ملجم أنا أكفيكم عليا بن أبى طالب، وقال البرك أنا أكفيكم معاوية بن أبى سفيان، وقال عمرو بن بكر أنا أكفيكم عمرو بن العاص”.
أقام عبد الرحمن بن ملجم في الكوفة بمعية مرافق له، ترقب ابن ملجم خروج علي لصلاة الفجر، فما كان لابن ملجم إلا أن يصيب علي في جبهته بسيفه المسموم. بعد ذلك، قضى علي أياما قليلة جدا ومات بعدها.