الخبز الحافي… نقطة التحول الفارقة في حياة محمد شكري 2/2
بعدما تعقبنا في الجزء الأول خُطى شكري الشاردة في طنجة بعد فراره إليها من موت محتوم بالجوع كان يترصد قريته الصغيرة هناك نواحي الناضور… في هذا الجزء الثاني، نتابع حكاية شكري، …
بعدما تعقبنا في الجزء الأول خُطى شكري الشاردة في طنجة بعد فراره إليها من موت محتوم بالجوع كان يترصد قريته الصغيرة هناك نواحي الناضور… في هذا الجزء الثاني، نتابع حكاية شكري، لكن هذه المرة ككاتب مغربي لامست شهرته الآفاق.
عرفت رواية الخبز الحافي طريقها إلى الوجود مصادفة، فشكري التقى ذات يوم بناشر إنجليزي في دروب طنجة يشتري الحكايات من الرواة الشفويين، يبحث فيها عما هو غرائبي وعجائبي، وقد يروق لقرائه هناك في الضفة الأخرى من المتوسط.
كان شكري حينذاك يدعي أن لا أحد يضاهيه من رواة طنجة، بل وحين تسلم مقدما عبارة عن مبلغ مالي مقابل حكايته، ادعى أيضا أنه قد كتبها وأتمها. لكن، حين وضعه الناشر على المحك، أخبره بالحقيقة وقال له سأتمها في وقت قريب، وعبر شكري عن ذلك يوما ما في حوار تلفزيوني بـ”عناد الأمازيغ”.
اقرأ أيضا: السنة الأمازيغية: هذا أصل حكاية تقويم يطفئ هذا العام شمعته الـ2969…
الرواية تمت بعد شهرين، وكانت تتحدث عن قصة حياة محمد شكري إلى حدود سفره صوب العرائش للدراسة، ثم وضع لها بول بولز “ليس بالخبز وحده” عنوانا.
إجمالا، يعتقد أن النسخة النهائية لرواية “الخبز الحافي” قد أسهم كثيرون في نحتها. ومع ذلك، نالت طريقها إلى الشهرة وشكري معها، على نحو منقطع النظير في التاريخ الروائي المغربي.
كتابة الرواية في حد ذاتها كانت حكاية، فشكري ألفها بالعربية ثم أملاها بالإسبانية على المؤلف الأمريكي بول بولز. الأخير ترجمها إلى الإنجليزية، وهي اللغة التي نشرت بها الرواية لأول مرة.
يقول البعض إن النسخة الأصلية التي كتبها شكري ضائعة وإن النسخة الذائعة حاليا، هي ترجمة للروائي المغربي محمد برادة، من الإنجليزية إلى العربية.
اقرأ أيضا: الطيب الصديقي… “أبو المسرح المغربي”
أما عنوان “الخبز الحافي”، فقد كان من اقتراح مترجم الرواية إلى الفرنسية، الطاهر بن جلون. إجمالا، يعتقد أن النسخة النهائية للرواية قد أسهم كثيرون في نحتها. ومع ذلك، نالت طريقها إلى الشهرة وشكري معها، على نحو منقطع النظير في التاريخ الروائي المغربي.
شكري تجرد في روايته هذه من أي حاجز كان. ومع أنها حبلى بمآسي التشرد والحرمان والجوع وعقدة الأب التي خاض فيها شكري بطنجة، إلا أن موضوع الجنس الذي طغى على أجزاء عديدة منها، جعل الكثير يعتبره كاتبا بورنوغرافيا.
لهذا السبب تعرضت الرواية للمنع لوقت طويل. لكن المنع، حسب البعض، أسهم كثيرا في ذيوع صيت شكري، فكل ممنوع مرغوب فيه كما يقال.
هكذا، كلما سمعت “الخبز الحافي” اقترن بها اسم محمد شكري، وكلما سمعت بمحمد شكري اقترنت به “الخبز الحافي”.
“لكي أصبح أبا لابن، عليّ أن أتزوج. لقد عزفت عن الزواج لأني أخشى أن أمارس على من ألد نفس التسلط والقهر اللذين مورسا عليّ. لهذا أنا أخشى أن يكون لي مولود، فأنا لا أثق في نفسي”.
هذا الاقتران شكل هاجسا في حياته، إذ حاول أن يتخلص مرات عديدة من ذلك بإصداره روايات جديدة، منها الجزأين الآخرين لسيرته الذاتية، “زمن الأخطاء” و”وجوه”. لكن “الخبز الحافي” ظلت دائما حية في أذهان الناس.
اقرأ أيضا: خناثة بنونة وآمنة اللوه: هؤلاء 6 نساء بصمن تاريخ الكتابة الأدبية في المغرب 1\3
في ذلك يقول شكري بعظمة لسانه: “أصبحت شهرتي بهذا الكتاب تزعجني. هناك كتاب مثلي سحقتهم شهرة كتاب واحد، مع أنهم كتبوا كتابات أخرى، مثل فلوبير الذي سحقته مدام بوفاري وسيرفانتس الذي لا يعرف إلا بدون كيخوت”.
فاتني أن أكون ملاكا…
بعدما انتشرت روايته “الخبز الحافي”، بات الحرمان في حياة محمد شكري من الماضي، إذ سيصبح اسمه أشهر من نار على علم، حتى إن مدير إذاعة البحر الأبيض المتوسط، سيدعوه إلى تقديم برنامج إذاعي بأجر كبير.
حمل البرنامج اسم “شكري يتحدث”، وقد دام طويلا قبل أن تندلع مشاكل بين المدير وشكري، انتقل على إثرها بعد ذلك إلى إذاعة طنجة ليقدم برنامجا بنفس الفكرة.
شارك شكري أيضا في البرنامج التلفزيوني الفرنسي Apostrophes، الذي شارك فيه عدد من أكبر مفكري وكتاب فرنسا، ليحصل بذلك على ما يشبه الاعتراف بكونه كاتبا مرموقا، في وقت كان فيه المنع يحف روايته في عدد من الأقطار العربية.
دافع شكري في البرنامج عن روايته بفرنسية لفتت انتباه مجالسيه مع أنه لم يدرسها قط، وقال إن ما جاء في الرواية عن أبيه يعبر عن إحساس طفولته ليس إلا.
اقرأ أيضا: عبد الكريم غلاب… عميد الأدب المغربي
مع ذلك، ظلت عقدة الأب دائما حاضرة في نفس شكري، فهو لم يتزوج قط. أما عن سبب ذلك، فنجده يقول: “لكي أصبح أبا لابن، عليّ أن أتزوج. لقد عزفت عن الزواج لأني أخشى أن أمارس على من ألد نفس التسلط والقهر اللذين مورسا عليّ. لهذا أنا أخشى أن يكون لي مولود، فأنا لا أثق في نفسي”.
شارك شكري في البرنامج التلفزيوني الفرنسي Apostrophes، الذي شارك فيه عدد من أكبر مفكري وكتاب فرنسا، ليحصل بذلك على ما يشبه الاعتراف بكونه كاتبا مرموقا، في وقت كان فيه المنع يحف روايته في عدد من الأقطار العربية.
شكري لم يفارق طنجة، وطنجة لم تفارق شكري، عاش فيها ما تبقى من حياته، وكان كلما سافر، عاد إليها مسرعا كما السمكة إلى البحر… بيد أن الشحرور الأبيض كان مدخنا شرها، وعلى إثر سرطان نخر جسده النحيل، رحل عن الحياة في الـ15 من نوفمبر 2003.
لكنه قبل ذلك، كان قد سجل اسمه بأحرف من ذهب، كأحد ألمع الكتاب المغاربة العالميين.
لقراءة الجزء الأول: محمد شكري… الشحرور الأبيض، راوي طنجة وصاحب “الخبز الحافي” 2/1
شكرا جزيلا لكم السي كريم ،كان بورتريها جميلا للكاتب الفذ محمد شكري.
” لا تنسوا أن” لعبة الزمن” أقوى منا. لعبة مميتة هي،لا يمكن أن نواجهها إلا بأن نعيش الموت السابق لموتنا، لإماتتنا : أن نرقص على حبال المخاطرة نشدانا للحياة”.
مزيدا من الكتابات حول هذه الشخصية الرائعة, دمتم بخير.