في ذكرى وفاته: إدمون عمران المالح… المغربي اليهودي الذي اتخذ الكتابة سلاحا لفضح الصهيونية!
في الـ15 من نونبر 2010، ودعنا إدمون عمران المالح جسدًا إلى الأبد في الرباط عن عمر يناهز 93 عاما، لكنه لم يفارق قط ذاكرة المغرب الحديث، كمغربي يهودي عرف بمواقفه الاستثنائية.
واظبنا في “مرايانا” على استعادة أثر المغاربة اليهود في تاريخ المغرب وهويته، وذلك من خلال تقديم بورتريهات عن شخصيات أسهمت على نحو بالغ في ترسيخ الموروث اليهودي المغربي، ولم يدفعها إلى ذلك سوى وطنيتها الجمة.
استمرارا على هذا النهج، نستعيد اليوم ذكرى رجل مواقفه من طينة نادرة، يهودي ناهض الصهيونية ولم يعترف يوما بـ”إسرائيل”.
إنه باختصار، إدمون عمران المالح… وفي هذا البورتريه، بعض من حكايته!
شجرة عائلته أمازيغية، ضربت بأعماقها في شرق سوس، ثم امتد غصن من أغصانها، ذات يوم غابر، إلى آسفي… المدينة الساحلية، التي رأى فيها إدمون عمران المالح (المليح أحيانا أخرى)، النور، عام 1917، في الثلاثين من مارس تحديدًا.
وحتى لا نخالف وصيته، فإن المالح مغربي يهودي، لا يهودي مغربي… ولأن “تامغرابيت” هي الأصل، فالمالح نشأ في جو لا نعرة تعكر صفوه، الكل فيه مغربي، أيا كان عرقه أو دينه أو لغته…
اقرأ أيضا: أحمد الخمسي يكتب ـ حزن الظن: باب الجياف… باب اليهود!
يومها، كانت الحركة الصهيونية في أوج نشاطها، تُشجع اليهود على الهجرة إلى “إسرائيل”… كان ذلك مغريا لكثير من اليهود؛ فالدولة الجديدة ستلم شتاتهم، لذلك لبى كثيرون منهم النداء.
عارض المالح عددا من قرارات الملك الراحل الحسن الثاني، فاختار على أثر ذلك الهجرة الطوعية إلى فرنسا. تغرب هناك لما يناهز 35 عاما… فارق تراب المغرب، لكن ظل يقول: “أحمل بلدي المغرب أينما ذهبت”.
كثيرون، بالمقابل، لم يلبوه… المالح واحد من بينهم، وقد أخذ عهدا على نفسه بأن يظل في المغرب. كما أنه، لاحقا، ناهض الصهيونية بجسارة منقطعة النظير.
أسهم المالح في نضالات أبناء شعبه في سبيل استقلال وطنهم، المغرب. وفي عنفوان شبابه، انخرط في العمل السياسي؛ إذ أسهم في تأسيس الحزب الشيوعي المغربي.
اقرأ أيضا: شمعون ليفي: “تقاليدنا اليهودية، لا يمكن للمرء أن يبدلها لتبرير مصالح إسرائيل” 2\2
لفترة ما، اشتغل المالح أستاذا للفلسفة بالدار البيضاء، وبالموازاة، صحافيا في جريدة “ليسبوار”. كان يكتب باسم مستعار؛ هو عيسى العبدي، وقد راوحت مواضيع مقالاته بين الثقافي والفني والاجتماعي والسياسي.
نال المغرب استقلاله عام 1956، وسنة بعد ذلك، اعتزل المالح نشاطه السياسي وتوارى، إلى أن اندلعت أحداث 23 مارس، عام 1965، فكان ما كان…
عارض المالح عددا من قرارات الملك الراحل الحسن الثاني، فاختار على أثر ذلك الهجرة الطوعية إلى فرنسا. تغرب هناك لما يناهز 35 عاما… فارق تراب المغرب، لكن ظل يقول: “أحمل بلدي المغرب أينما ذهبت”.
ثم هناك، تفتقت مناهضته للصهيونية من خلال الكتابة.
يناهض الصهيونية ولا يعترف بـ”إسرائيل”
“لا أعرف أي دولة اسمها إسرائيل”، هكذا تكلم المالح…
بينما هاجر إلى فرنسا، عام 1965، بسبب معارضته للملك، كان الآلاف من اليهود المغاربة يهجرون إلى “إسرائيل”. حز ذلك في نفس المالح كثيرا، وعارض الأمر، كما حاول تفنيد الأطروحات الصهيونية حيال ذلك.
اقرأ أيضا: “الأصولية” في اليهودية: بين لعنة المنفى وغواية الأرض (الجزء الثالث)
العديد من أعمال المالح، لاحقا، تناولت قضية الشعب الفلسطيني، وقد رفض أن تترجم إلى العبرية حتى لا تتاجر “إسرائيل” بأفكاره، وقبل أن نعرج على ذلك، هذه كانت بعض مواقفه:
يرى الكثير أن قوة كتابات المالح ترجع إلى هويتها المركبة التي كسرت قواعد المألوف في السرد الأدبي والنقد، وذلك راجع بالأساس، كما يقال، إلى غنى الهوية المغربية، الممتدة جغرافيا وتاريخيا.
عام 2004، تعليقا على “مجزرة جنين”، أصدر المالح بيانا بعنوان “أنا أتهم”، يدين فيه الوحشية الإسرائيلية، واعتبر الصهيونية حركة عنصرية تتباهى بقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، تتنافى مع الديانة اليهودية.
في حرب “إسرائيل” على غزة، عام 2008، قال: “حينما أشاهد ما يحدث بغزة: جثامين الأطفال والنساء والدمار؛ أحس بالاختناق من الظلم ومن الهمجية والبربرية ومن القدرة، بل الإرادة الرهيبة لإسرائيل على قتل الناس الأبرياء وتدمير شعب بأكمله”.
المالح هاجم في آخر حياته طريقة تناول محرقة “الهولوكست”، وانتقد خطابها الذي اعتبره مغلوطا ومغرضا، ويحصر الجرائم اللاإنسانية فيها، بينما قد عرف التاريخ جرائم أفظع، من بينها “تلك التي ترتكبها إسرائيل نفسها”.
في حوار أجراه قبيل وفاته مع الصحفية المغربية ريم نجمي، تحدث المالح كما لو أنه يلخص الفكرة التي منحها حياته…
قال يومها: “إسرائيل أضرت بروحية الديانة اليهودية، وهذا الأمر يتطلب منا جهدا حتى نتغلب على هذه الصورة”، مضيفا “سبق لي أن قمت بدراسة وقلت إن هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل كارثة بالنسبة لتاريخ المغرب، ليس فقط بالنسبة لليهود أنفسهم ولكن للمغاربة ككل”.
من الكتابة ما صدح…
لم يشرع إدمون عمران المالح في التأليف، حتى اشتعل رأسه شيبا… حين كان يبلغ من العمر، 63 عاما. ومنذ ذلك الحين، حاز التأليف كل وقته، آملا بالقلم أن يوصل صوته إلى العالم.
اقرأ أيضا: زهرة الفاسية… صاحبة “ حبيبي ديالي فين هو” وأول فنانة قدمت أسطوانة غنائية في المغرب
يرى الكثير أن قوة كتابات المالح ترجع إلى هويتها المركبة التي كسرت قواعد المألوف في السرد الأدبي والنقد، وذلك راجع بالأساس، كما يقال، إلى غنى الهوية المغربية، الممتدة جغرافيا وتاريخيا.
بينما هاجر إلى فرنسا، عام 1965، بسبب معارضته للملك، كان الآلاف من اليهود المغاربة يهجرون إلى “إسرائيل”. حز ذلك في نفس المالح كثيرا، وعارض الأمر، كما حاول تفنيد الأطروحات الصهيونية حيال ذلك.
في كتاباته هذه، نقرأ عن تاريخ المغرب ونضاله للاستقلال، وعن هويته الثقافية وطقوسه وعاداته، وعن التسامح والتعايش الذي يسم مختلف أطياف الدينية، وإلى ذلك أساسا، نقرأ عن القضية الفلسطينية وما يفضح جوهر الصهيونية.
كتب المالح باللغة الفرنسية، وتخلل ذلك بعض من الدارجة المغربية أحيانا، وقد ترجمت جل أعماله إلى اللغة العربية ولغات أخرى. أعمال بلغ عددها عشرة، من بينها، “المجرى الثابت”، “ليل الحكي”، “حقيبة سيدي معاشو”، وآخرها “رسائل إلى نفسي”.
المالح، بالمناسبة، عاد إلى المغرب عام 2000، بعيد الانفراج الحقوقي الذي عرفه الأخير… وقد نال جائزة الاستحقاق الوطني عام 1996 عن مجموع أعماله، كما نال عام 2004، وسام الكفاءة تقديرا لأدبه ومواقفه الوطنية.
ثم في الـ15 من نونبر 2010، ودعنا جسدًا إلى الأبد في الرباط عن عمر يناهز 93 عاما، لكنه لم يفارق قط ذاكرة المغرب الحديث، كمغربي يهودي عرف بمواقفه الاستثنائية.
Un homme honnête cultivé mérite le respect.la cause palestinienne reviens aux traîtres…
جيد جدا إنه رجل صاحب تريخ عريق