بمناسبة اليوم العالمي، التبرع بالأعضاء: تحريم وتحليل وموت في الانتظار - Marayana - مرايانا
×
×

بمناسبة اليوم العالمي، التبرع بالأعضاء: تحريم وتحليل وموت في الانتظار

التبرع بالأعضاء فعل نبيل يترجم أسمى معاني التضامن والإنسانية
هو إعادة الحياة لمن يواجه خطر النهايات. هكذا، ببساطة، كان يفترض أن نقرأ حكاية التبرع بالأعضاء، لكن…
في بلدي، لازالت بعض “نقاشات” قديمة، وبعض “أفكار” بالية، وكثير من المساطر والقوانين العتيقة… تنتصر للموت على حساب منح الحياة.

“الإغراق في النقاش حول التبرع بالأعضاء يُذهبُ عنا الكثير من الوقت. كنا ننتظر توعية حول ضرورة التبرع بالأعضاء، غير أننا نغرق في نقاش الحلال والحرام. لا أعتقد أن الله سيكون ضد حياة أشخاص ومرضى أبرياء”.

تحريم وخوف وموت بطيء

كانَ هذا صوتَ منى (اسم مستعار) وهي تنتظر إنهاء النقاش حول تحليل التبرع بالأعضاء وتحريمها، لتقول إنها تنتظر أن تعود للحياة وتعود البسمة لأهلها. منى نموذج لعدد كبير ممن ينتظرون دورهم للحصول على فرصة جديدة للحياة.

منى شابة من ضواحي مدينة مراكش تقول في حديث لمرايانا إنها مصابة بمرض القصور الكلوي، تضطر للسفر إلى مراكش مرتين أسبوعيا لتصفية الدم وهو ما يكلفها الكثير، بدنيا، ماديا ونفسياً.

حسبَ منى، فبغض النظر عن الحلال والحرام وجدوى هذا النقاش، فمن الأحرى أن نفتح نقاشا إعلاميا حول التحسيس بأهمية التبرع بالأعضاء وجعله ثقافة نهتم بها جميعا. نحن بحاجة لمن يدعمنا لا لمن يخبرنا بالحلال والحرام والمكروه، تقول منى.

أسوأ ما في الحكاية، حسب منى، أن المريض الذي ينتظر كلَّ يوم جديدا حول ما إن كان سيجد متبرعاً وكيف سيجده وما السبل اللازمة لذلك، يعيش على وقع الانتظار. تقول منى: “تعيش وكأنك تنتظر رغيفا في طابور طويل، وحين يصل دورك يخبروك أن الرغيفَ قد انتهى. يمكنك الانتظار أكثر وأكثر”.

ثقافة ومساطر صعبة

ياسين، شاب من مدينة فاس، يحكي تجربته لمرايانا يقول: “المشكل الأول الذي نجده في زراعة الكلي، هو غياب وعي تجاه زراعة الأعضاء عموما، والخوف من التأويلات المتشددة للدين، وسؤال هل يمكن للإنسان أن يعيش بكِلية واحدة؟”.

يقول ياسين إن الناس دائما ما يحضر عندهم المعطى الديني. وأكثرهم، لديهم قناعة أن الأمر محرم؛ في حين هناك فتاوى تتجه إلى تحليل التبرع بالأعضاء. في سياق متصل، يواصل ياسين: “إذا نظرنا أيضا، لما هو إداري وقانوني، فهناك لبس في الموضوع”.

يقول المتحدث: “مثلا إذا صرحت بأنني أود التبرع بالأعضاء في المحكمة بعد الموت، ومع توفر الظروف الملائمة للتبرع، كالموت السريري، حينها يتم الاتجاه للعائلة، وإذا ما رفضت العائلة أن يتم استعمال أعضائي للتبرع، فإن وصيتي تسقط لتصبح لاغية، وهو ما يطرح إشكالا قانونيا هنا”.

حسب ياسين، هنالك مشكل آخر يطرح نفسه بقوة، وهو أن المتبرع يجب أن يكون من العائلة القريبة جدا. أما إذا كانت علاقة القرابة غير مباشرة، فإن المعني بالأمر يدخل دوامة إدارية كبيرة جداً.

في المقابل، تكفي بعض التعقيدات الطبية كي يتحول أمر التبرع إلى كابوس. أبسط نموذج على ذلك، يقول ياسين، تعقيدات عاشها هو شخصيا، عقدت الأمور كثيرا بالنسبة إليه سنة 2012.

يورد ياسين أنه، في تلك الفترة، كان يُحارب من أجل الاَّ يصل إلى مرحلة تصفية الدم، غير أنه كان سيقوم بعملية جراحية قبل هاته المرحلة. مرَّ ياسين بمراحل كثيرة جدا، وفي الأخير وجدت الأطقم الطبية مشكلا متعلقا بمرض السكري، بنسبة بسيطة لدى والدته، حسب إفادته، وهو ما منعها من التبرع.

حسب المتحدث، فهناك تعقيدات أعمق، يورد منها أنه على سبيل المثال، في المستشفى الجامعي بفاس، عمليات الزرعة متوقفة تماما، علماً أن عدداً كبيراً من المرضى لديهم ملفات كاملة، وينتظرون فقط فرجا لإجراء العملية.

ترغيب بدل الترهيب

مرايانا صادفت خالد، وهو شاب من ضواحي مدينة بني ملال. يقول خالد إنه أحيانا يشعر بضجر كبير حينما يسمع نقاشات هنا وهناك حول الجدوى من التبرع بالأعضاء؛ هل فعلا هناك من يجرؤ على فتح نقاش يحاكم فيه نوايا بشر أرادوا التبرع لأشخاص آخرين ليعودوا للحياة؟

يتساءل المتحدث: “كيف يعقل أن نعيش وسط فئات كبيرة من المجتمع، وعوض أن تدعم وتحُثَّ على التبرع بالأعضاء، لا زالت تتساءل حول مشروعيتها الدينية؟ تتساءل عن مدى منطقية فتح نقاش حول التحليل والتحريم، في الوقت الذي كان من الضروري على رجال الدين أن يحثوا الناس على إحياء الأنفس قبل موتها”.

“في المستشفيات كما في مراكز تصفية الدم، كما في كل مرة نظهر فيها، نحن مرضى القصور الكلوي، يُنظر إلينا بعين العاطفة. نحن لا نبحث عن استدرار العواطف بقدر ما نريد أن يقتنع الناس بفكرة التبرع بالأعضاء، سواء قبل الممات، بالنسبة للكلي، أو بعدها”. هكذا عبر خالد عن ضجر يصيبه كلما أثير الحديث حول التبرع بالأعضاء.

يقول خالد: “للأسف، يكثر النقاش حول وجود ظاهرة غير صحية. هاته الظاهرة هي تهريب النقاش من منحاه، الذي يجب أن يشعرنا أننا جميعا ذات واحدة، إلى أسئلة لا يصح ذكرها. هي إشكالات تصيبنا بأزمة نفسية تزيد معاناة المرضى مع هاته الأفكار”.

صوت خالد ومنى وياسين، صوت يهمس في آذان الناس الصاغين للإنسانية، الداعين لحياة ممكنة للجميع. فكيفَ يعقل أن يُقحم نقاش التحليل والتحريم في الوقت الذي يُمكن أن نناقش فيه تلقين مبادئ التعاون عوض الترهيب وتهريب النقاش لاتجاهات أخرى.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *