بمناسبة يومه العالمي، التبرع بالأعضاء بعد الوفاة: أو كيف يصبح “موتُ” مغاربة “حياةً” لآخرين
في عالم تزداد فيه نسبة الشيخوخة، ويزداد فيه أمد الحياة (وصل إلى 77 سنة في 2020 حسب آخر الدراسات)، ويرتفع فيه عدد الأشخاص الذين تحتاج أجسامهم لعضو حيويّ للاستمرار على قيد الحياة، تمّ طرح التبرع بالأعضاء وزرعها كخيار ممكن، ليشكّل بديلاً ناجعا لحماية حق الإنسان المريض في الحياة.
… مع التطور الطبي النوعيّ، صار العالم أكثر جدية في التعامل مع الأمر منذ 2005، حيثُ أعلنت منظمة الصحة العالمية يوم الـ17 أكتوبر من كلّ سنة، يوما عالميا للتبرع بالأعضاء وزرعها.
الاحتفال بهذا اليوم على نطاق واسع، يلفت الانتباه أساسا إلى أن هناك حالات حرجة لمرضى من الأطفال والنساء والرجال، يترجّلون تباعًا، لأن عمليتهم تعثرت بفعل عدم وجود ما يكفي من الأعضاء لتقديمها. والمغرب، طبعا، ليس خارج هذا الوضع، فالندرة لازالت سمة تطبعُ أعداد الأشخاص الذين وقّعوا للتبرع بأعضائهم بعد الموت!
التّشريع ينظّم
يعتبر المحامي رضى الشطيبي أنّ المغرب أفرد تشريعا خاصا حدد كيفية التبرع بالأعضاء بين الأحياء وبعد الوفاة أيضا، وهذه الكيفية موجودة في بنود قانون رقم 16-98. هذا التشريع جعل من التبرع بالأعضاء مسألة قانونية خالصة تخصّ المتبرع بحماية عالية وتحمي، تاليا، عملية التبرع من الاتجار أو التلاعب. بعد أزيد من عشرين سنة، أثبت هذا القانون نجاعته في جانب الحد من الاتجار بالأعضاء البشرية.
بنود هذا التّشريع، بحسب الشّطيبي، تعدّ، بوضوح، “التبرع بعضو بشري أو الإيصاء به عملا مجانيا لا يمكن بأي حال من الأحوال وبأي شكل من الأشكال أن يؤدى عنه أجرا، أو أن يكون محل معاملة تجارية. ولا تعتبر مستحقة سوى المصاريف المتصلة بالعمليات الواجب إجراؤها من أجل أخذ وزرع الأعضاء ومصاريف الاستشفاء المتعلقة بهذه العمليات”.
كما جاء في المادة 30، أنه يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 50 ألف إلى 100 ألف درهم كل من عرض بأية وسيلة كانت تنظيم أو إجراء معاملة تجارية بشأن أخذ أعضاء بشرية.
وفق ما يوضحه الشطيبي لمرايانا، فإنّ “هذا القانون وضع شروطًا جيدة قيّد بها عمليّة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة لكي تكون قانونية، ومن بينها، أن “المتبرع المحتمل لابدّ أن يسجل تصريحا لدى رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها محل إقامة المتبرع، أو لدى القاضي المعين خصيصا لهذا الغرض من طرف الرئيس.
ويتم تسجيل التصريح المذكور دون صوائر بعدما تتكون لدى القاضي القناعة بأن المتبرع المحتمل يتصرف بإرادة حرة وعن إدراك لما سيقدم عليه، وخاصة بعدما يتأكد بأن التبرع عن طريق الوصية مجاني وسيتم لفائدة مؤسسة مرخص لها بتلقي التبرعات بالأعضاء دون غيرها”.
لكن… رغم صرامة التشريع، وخلوّه من الثغرات، فإن الباحث في القانون محمد أمين جليلي، يجد أنّ عدد المتبرعين لازال هزيلاً بالمغرب، إذ الأرقام الرسمية تشير بأنّ عدد المتبرعين المسجلين في المملكة المغربية كاملة لازال متدنيا في ظل الطلبات المتزايدة للمرضى؛ إذ لا يتعدى 1200 شخصا، أزيد من 700 شخص منهم، يوجدون في الدار البيضاء وحدها.
ليست هناك أرقام رسمية حديثة ولا يمكن التوصل إلى أعداد المسجلين في سجل التبرع على المستوى الوطني، بما أن جهازنا القضائي غير مرقمن بشكل كاف.
لهذا، يواصل المتحدث في تصريحه لمرايانا، يحتاج هذا التشريع إلى توسيع بسيط بحيث تتحول فلسفة السجل من الأشخاص الذين وافقوا إلى الأشخاص الذين امتنعوا.
جليلي، هنا، يقصد أنّ الذي ينبغي أن يوقع التصريح ويدلي به لدى المحكمة الابتدائية هو الشخص الذي يرفض أن يتخلى عن أعضائه بعد وفاته ولا يرغب بالتبرع بها؛ بمعنى أنه سيتم اعتبار كل شخص موافقا، من الناحية المبدئية، على التبرع بالأعضاء والأنسجة بعد وفاته ما لم يعلن، قيد حياته، عن رفضه عبر نهج الشروط القانونية لذلك.
في الخلاصة، يرى الباحث في القانون أنّ إبلاغ الأهل سيكون هو البديل عن استشارة الأسرة. ومنه، سيتحول الاستثناء إلى أصل. تغيير فلسفة القانون ستساهم في تأمين ملايين المتبرعين، ونصبح في ذلك مثل الكثير من الدول المتقدمة في هذا المنحى على غرار فرنسا وإسبانيا وبلجيكا، مثلاً.
طبيًّا… لا مشكلة؟
يرى فاروق مؤمن، طبيب مغربي، أنّ عدم توفر بنك للأعضاء الصالحة للتبرع والمخصصة لهذا الغرض، جعل السياسات الصحية تواجه مشكلاً عميقا نتيجة البون الشاسع بين الطلب على الأعضاء والندرة الشديدة في التبرع بها. “ينبغي للكلّ أن ينخرط في عملية التحسيس والتوعية، من إعلام ومجتمع مدني وجهات رسمية. لابدّ من التأكيد للمغاربة أن الدفع إلى التبرع بالأعضاء ليس تذكيرا مبكرا بحتمية الموت، بل هو اقتناص فرصة لحياة أخرى من موتنا”.
من الناحية العملية، يقول مؤمن إنه “حين يتوفى شخص ما، يتمّ تفقد هل هو مسجل ضمن السجل الوطنيّ للتّبرع، وإذا كان كذلك تؤخذ أعضاؤه، خصوصا القلب والكبد والكلي، باعتبارها الأكثر طلبا، لكن شرط أن يكون الموت دماغيا فقط، أي أن القلب مستمر في النبض وضخّ الدم لكي تستمرّ الحياة في الأعضاء الأخرى، وذلك يعني أن ليست أعضاء كلّ ميت صالحة كما يعتقد البعض”.
يتابع المتحدث أنه “بعد ذلك، تجرى للأعضاء تحاليل ويتم تخزينها وحفظها لمعرفة مدى ملاءمتها لكي تزرع مجدّدا، كما يسعى الطاقم الطبي إلى معرفة جينات العضو، لتبيّن إلى أي حد ستكون مناسبة لشخص ما في حاجة إلى ذات العضو المراد زرعه”.
رغم أنّ المتبرع المتوفي قد يكون مسجلاً، يواصل مؤمن، فاستشارة أهله تبقى مسألة ضرورية، بما أنّ إرادة عائلة الهالك جدّ حاسمة. أمّا الأشخاص الذين سيستفيدون، فيكونون مسجلين في سجلات المستشفيات، وتحديد الاستفادة، أحيانا، يتم بشكل تراتبيّ حسب الأسبقيّة ودرجة خطورة وضع المريض، وتعطى الأولوية لصغار السّن والأطفال، شرط أن يكون المستفيد هو الأقرب إلى الأنسجة. لكن، مع ذلك، لازالت هناك معيقات وصعوبات كثيرة في هذا المجال.
تبرعتُ… لأنه واجب!
تقول خديجة بوفوس، وهي صحافية مغربية، إنها دائما ما أرادت أن تتبرع بشيء ما، خصوصا الدم، لكن لأن وزنها كان دائما غير مناسب لذلك، فقد سمعت عن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة كبديل.
تضيف بوفوس في حديثها لمرايانا: “وجدت الأمر في غاية النبل أن أموت ويحيا شخص آخر. إذا كنت لن أعيش، فلماذا لا تذهب أعضائي لشخص يعيش بها؟ السماح باستئصال الأعضاء أو الأنسجة بعد الوفاة، يعكس قيما رائعة. ولهذا حين سمعت عن الأمر سنة 2019 ذهبت مباشرة وقدمت تصريحا بهذا الموضوع لدى المحكمة الابتدائية”.
تواصل بوفوس: “بعد ذلك قمت، بعمل تواصليّ كبير مع محيطي وزملائي، حيث أقنعت العديد منهم بضرورة التبرع، بما أنّ تلك الأعضاء،إذا لم يتبرعوا بها، فلن تكون لها من جدوى وصاحبها ميّت. أنا على بيّنة أنّ حظوظ أخذ الأعضاء تبقى ضئيلة أيضا، لأنه إذا توفي الشخص بصفة نهائية فلن تبقى أعضاؤه صالحة، لكني مع ذلك بادرتُ ووقعت بما أنه عمل إنساني جميل يعكسُ نوعا من السخاء والتضامن، لكونه يساهم في إنقاذ الأرواح”.
من ناحية أخرى، يقول عزيز الجاني، (27 سنة) إنّه قرر التبرع بأعضائه بعدما فقد شخصا عزيزا بعائلته نتيجة أنه لم يقم بزرع الكلي بعد معاناة طويلة مع مرض الفشل الكلوي.
يوضح عزيز: “لو كنت أعرف بأن التبرع ممكن حينها، كنت تبرعت له بكليتي، من حيّ إلى حيّ، لكنّي لم أعرف بأن هذا الموضوع ممكن بالمغرب إلاّ بعد وفاته. التواصل هزيل والموضوع جدي ويحتاج إلى مزيد من لفت الأنظار. تمّ إخباري وقتها أنّ أعداد المرضى مرتفع للغاية، بينما أعداد المتبرعين قليل جدا. هناك من يعتقد أن الأعضاء يتم بيعها، لكن، وفق ما عرفت، عمليات الاستئصال والزرع تتم حصرا بالمستشفيات العمومية”.
أخيرا، يصرح المتحدث في تواصله مع مرايانا قائلاً: لقد آلمني كثيرا فقدان شخص عزيز، ولم أرد أن يعيش شخص آخر ذات الألم. قررت في النهاية أن أتبرع بأعضائي بعد الموت. لابدّ من بذل المزيد من الجهود لاستمالة المواطنين قبل تعديل القانون ليعتبر كلّ ميت متبرع.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- نصف المغاربة يعانون من أمراض نفسية… الصحة النفسية بالمغرب: خدمات طبية “كارثية” ونظرة تحقيرية للمرض النفسي
- هل العبقرية، ضربٌ من الجنون؟ 2\2
- أسماء بن العربي تكتب: أنت مغربي؟ لا تمرض من فضلك
- زكية حادوش: الصيدلي إسكوبار… في الصحةِ والصيدلةِ وقوانينِ عام الفيل!
- هذه بعض من أهم البيمارستانات التي عرفها المغرب يوما ما…3/3