مغاربة أبدعوا : علماء كبار، ضمنهم اثنان من الرجال السبعة (سبعة رجال) لمراكش 1 - Marayana - مرايانا
×
×

مغاربة أبدعوا : علماء كبار، ضمنهم اثنان من الرجال السبعة (سبعة رجال) لمراكش 1\2

في سياق إعادة ربط المغاربة بماضيهم العريق، وتمكينهم من الافتخار به دون تكلف أو ادعاء أو ابتزاز، يأتي هذا المقال، في جزئه الأول، ليحدثنا عن ثلة من مشاهير أعلام المغرب، الذين أبدعوا في فنون العلم الشرعية والكونية، وخلفوا لنا تراثا نفيسا لا يخلق، ومعينا صافيا لا ينضب، من العلم والحكمة والأدب. ضمن هؤلاء، نجد مثلا القاضي عياض وأبو العباس السبتي، وهما ضمن من يسمون “سبعة رجال” في مراكش

لا يخفى على أي عاقل أن معرفة كل أمة بتاريخها وتراجم رجالها، يعد أساسا متينا من أسس قوتها، وركنا شديدا من أركان بناء عزها ومجدها، فالشعب الذي لا يفقه شيئا من ماضيه، ولا يفخر بعلم من أعلامه، لا يملك القدرة على المبادرة، بل لا يقوى على ما دون ذلك كتحصين ذاته والدفاع عنها أمام الاهتزازات والتصدعات، التي قد تعترض طريقة ومساره بين الشعوب. و ما ذاك إلا لفقدان الثقة في الذات، الثقة التي يغذيها وينميها الاطلاع على التاريخ لا ما سواه.

في سياق إعادة ربط المغاربة بماضيهم العريق، وتمكينهم من الافتخار به دون تكلف أو ادعاء أو ابتزاز، يأتي هذا المقال، في جزئه الأول، ليحدثنا عن ثلة من مشاهير أعلام المغرب، الذين أبدعوا في فنون العلم الشرعية والكونية، وخلفوا لنا تراثا نفيسا لا يخلق، ومعينا صافيا لا ينضب، من العلم والحكمة والأدب..

القاضي عياض

لمكانته العالية بين العلماء، قيل عنه: “لولا القاضي عياض، ما عرف المغرب“، ولد أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي سنة 476 هـ. أي في عصر المرابطين، الذين حكموا أراضي شاسعة شملت المغرب وبلاد شنقيط وبلاد السودان وغرب المغرب الأوسط والأندلس. كان إمام وقته في الحديث وعلومه، عالما بالتفسير، فقيها أصوليا، عالما بالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم، كاتبا شاعرا مجيدا، أديبا وخطيبا بليغا. دخل الأندلس لطلب العلم، فكان من شيوخه أبو بكر بن العربي، أبو الوليد بن رشد الجد، وابن حمدين، المازري، الصدفي، وغيرهم.

بعد عودته إلى مدينته سبتة، أجلسه أهلها للمناظرة عليه في المدونة، وولي بها القضاء مدة طويلة حمدت سيرته فيها، ثم نقل إلى قضاء غرناطة.

ولما ظهر أمر الموحدين، بادر إلى الدخول في طاعتهم، ثم انحرف عنهم لما اضطربت دولتهم بثورة ابن هود، فنقلوه إلى مراكش حيث توفي بها غريبا عن بلدته سنة  544هـ.

ترك القاضي عياض عدة مصنفات طبقت شهرتها الآفاق نذكر منها: إكمال المعلم في شرح مسلم، مشارق الأنوار في تفسير غريب الحديث، ترتيب المدارك، الشفا في التعريف بحقوق المصطفى..

أبو العباس السبتي

أحمد بن جعفر الخزرجي. أحد كبار المتصوفة ومشاهيرهم. ولد بسبتة سنة 524هـ واستوطن مراكش وبها توفي سنة 601هـ.

كان له مذهب غريب في التصوف، وذلك أنه لا يترك لنفسه من المال إلا ما يقوته وعياله في يومه، والباقي يتصدق به؛ وكان يرى أن الجميلات من النساء الفقيرات تجب الصدقة عليهن مخافة فسادهن، وكان يرى أن الرجل إذا اعتل في جسده عضو يتصدق بديته ويبرأ.

أدى ذيوع مذهبه إلى إثارة فضول ابن رشد، الذي أرسل إلى مراكش من يعرّفه بحاله، فلما رجع إليه الرسول بخبره قال: هذا رجل مذهبه أن الوجود ينفعل بالجود.

عرف السبتي أيضا بفصاحة اللسان والرحمة باليتامى والتواضع والحض على الصدقة والنسك والعبادة. يعتبر، مع القاضي عياض، من الرجال السبعة لمراكش.

أبو موسى الجزولي

هو عيسى بن عبد العزيز الجزولي المراكشي. كانت ولادته سنة 540ه ووفاته سنة 607ه بمراكش. إمام في النحو كثير الاطلاع على دقائقه وغريبه وشاذه. صنف فيه كتاب المقدمة وسماه ” القانون” فأتى فيه بالعجب العجاب. وهو غاية في الإيجاز، يشتمل على كثير من قواعد النحو لم يسبق إلى مثلها، ولا يقدر على امتلاك ناصيتها إلا المنتهون في هذا العلم. تجاوزت شهرة هذا الكتاب المختصر في النحو حدود المغرب إلى المشرق، وهو ما يذكر بأيادي أمازيغ المغرب البيضاء في سبيل إعلاء اللغة العربية وعلومها، فبالإضافة إلى الجزولي، نبغ في النحو ابن معط صاحب أول ألفية في النحو، وابن آجروم صاحب المقدمة الآجرومية، والمرابط الدلائي وكلهم أمازيغ.

الإدريسي

هو العلامة الجغرافي ذو البعد العالمي، مؤسس الجغرافيا الحديثة، المبنية على الوصف العلمي والدقة في تحديد المواقع. هذا ما جعل خريطته أكثر الخرائط دقة في العالم في زمانه وبعده طيلة ثلاثة قرون، وجعله مرجع أوربا الأول حتى عصر النهضة.  إنه محمد بن محمد بن عبد الله، يتصل نسبه بـ “الشرفاء الأدارسة”. ولد سنة 493هـ بسبتة، وخرج سائحا فزار عدة مناطق من العالم القديم، ثم حط الرحال بصقلية بدعوة من ملكها، وألف بها كتابه الشهير “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”. وله في الطب كتاب “الأدوية المفردة” انتفع به ابن البيطار. توفي الإدريسي سنة 560هـ.

ابن الياسمين الفاسي

للرياضيات رجالها وعباقرتها أيضا في كل زمن. وهذا منهم، هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن حجاج، من مدينة فاس. رياضي برع في عدة علوم كالمنطق والهندسة والحساب والعدد والتنجيم والهيئة (الفلك). كان لا يشق له فيها غبار، ولا ينافَس ولا يجارى. وكان له، مع كل هذا، قدم راسخة في الأدب والشعر كعادة أهل ذلك العصر في التعليم، والجمع بين المنقول والمعقول، والمشاركة في علوم اللسان.

مكنه نبوغه من خدمة المنصور الموحدي وولده الناصر من بعده. ترك عدة مؤلفات أهمها: أرجوزة في الجبر، وتلقيح الأفكار في العمل برسم الغبار. هذا الكتاب يعد أقدم وثيقة، حسب عبد العزيز بن عبد الله، تثبت أن الأوربيين نقلوا عن المغاربة  هذه الأرقام (1.2.3) التي يستعملها جل العالم اليوم.

الحسن المراكشي

إذا ذكر التراث الفلكي للمسلمين، فأبو علي الحسن بن علي المراكشي يتصدر قائمة نوابغه المجددين، وهذا بشهادة غير المغاربة كالمشارقة والأوربيين الذين ترجموا كتابه الشهير في الفلك “المبادئ والغايات في علم الميقات” وعدوه أعظم فلكيي العرب. عاش في النصف الأول من القرن السابع الهجري.

ابن عبد الملك المراكشي

للأحداث والأعلام من يحفظها ويقيدها للأجيال اللاحقة، بكل اقتدار واعتزاز.. إنهم المؤرخون. أنجب المغرب الكثير منهم كالبيذق، وابن عذاري، وابن القطان، وابن أبي زرع، وابن القاضي، و الناصري.. وسط هؤلاء وغيرهم، يبقى اسم ابن عبد الملك المراكشي كواسطة العقد، ذلك أنه صاحب أول موسوعة للتعريف بأعلام المغرب والاعتزاز بهم، وهي “الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة”. إنه أبو عبد الله محمد بن عبد الملك الأنصاري، ولد سنة 634هـ وتوفي سنة 703هـ، روى عن الرعيني وصحبه كثيرا، وابن عفير وغيره. كان عارفا بالتاريخ واسع الاطلاع، أديبا بارعا، مشاركا في الفقه.

ابن البناء المراكشي

هو أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المراكشي، كان أبوه بناء وطلب هو العلم فبلغ فيه الغاية القصوى، ولد سنة 654هـ وتوفي سنة 721هـ. تعلم بمراكش ثم بفاس، فأتقن العربية وآدابها، وحصل علم الشريعة وبرع في العلوم الفلسفية ولاسيما الرياضيات والفلك. إليه انتهى الإتقان فيهما، فلم يأت بعده من بلغ مستواه، إلى أن نهضت أوربا. من أشهر كتبه: التلخيص، الذي ظل تحت أنظار الغرب حتى القرن التاسع عشر، ورفع الحجاب..

اللجائي

أبو زيد عبد الرحمان بن أبي الربيع الفاسي، رياضي وفلكي كبير ومخترع، تلميذ ابن البناء. جمع أيضا كأستاذه بين علم الشريعة وعلوم الفلسفة. اخترع أسطرلابا ملصوقا في جدار، والماء يدير شبكته على الصفيحة، فيأتي الناظر فينظر إلى ارتفاع الشمس كم هو وكم مضى من النهار، وكذلك ينظر ارتفاع الكوكب بالليل. توفي سنة 773هـ.

أبو القاسم الوزير

كما كان للمغرب فقهاء ورياضيون وفلكيون، حاز الطب أيضا على نصيبه من نبوغ المغاربة، فظهرت عدة أسماء بارزة، منها أبو القاسم بن محمد بن إبراهيم الغساني الفاسي المشهور بالوزير، أحد مهرة الأطباء في العصر السعدي، ولد سنة 955هـ وتوفي سنة 1019هـ. خدم في أطباء الخاص عند السلطان أحمد المنصور الذهبي (1578-1603م). ألف عدة كتب تشهد برسوخ قدمه في هذا الفن منها: شرح نظم ابن عزرون في الحمّيات، وحديقة الأزهار في شرح ماهية العشب والعقار وغير ذلك.

هذا ما تيسر جمعه من معلومات حول هذه اللائحة من علماء المغرب، مع الإشارة إلى أننا أعرضنا عن ذكر الكثير تماشيا مع الاختصار، وتجنبا للإثقال على القارئ.

في الجزء الثاني، سنستمر مع حكاية الإبداع لدى المغاربة منذ القدم، ولكن هذه المرة في مجالي الشعر والأدب.

 

لقراءة الجزء الثاني: مغاربة أبدعوا: تاريخ حافل بكبار الشعراء، ضمنهم شاعر الحمراء 2|2

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *