محمد بوستة… “الحكيم الصامت”عاش 95 عاما وكان أحد أبرز رجالات السياسة في تاريخ المغرب الحديث
في هذا البورتريه، نتابع حكاية سياسي استثنائي اسمه محمد بوستة… الرجل الذي عايش كل الأحداث السياسية التي عرفها المغرب، منذ عهده بالحماية، وكان فاعلا في عديد منها.
الحديث عن محمد بوستة، يشبه محاولة الإمساك بشلال… كلما أمسكت بخيط منه أفلت منك خيط آخر. كيف لا وقد عايش كل الأحداث السياسية التي عرفها المغرب، منذ عهده بالحماية حتى أيامه هذه.
بوستة أحد زعماء حزب الاستقلال التاريخيين، بل وأسهم في تأسيسه وتقلد أمانته العامة لفترة زمنية لا بأس بها، قبل أن يخلي مكانه لـ”كائنات سياسية” جديدة بعدما استبدت به لعنة العمر، وتغيرت المعاني والسياقات.
حين كان الملك الراحل، الحسن الثاني، يصنع صورة باهرة للمغرب سياسيا على المستوى الخارجي، كان بوستة يده اليمنى حينما تقلد وزارة الخارجية في ملفات كثيرة كقضية الصحراء والقضية الفلسطينية. والحاصل أنه، لباعه الديبلوماسي، لقب بـ”الحكيم الصامت”.
في هذا البورتريه، إذن، نستحضر ذكرى سياسي استثنائي، اسمه محمد بوستة.
ولد محمد بوستة في الـ11 من غشت 1922[1]، بدرب بوستة في مراكش، لأب اسمه أحمد وأم تدعى فاطمة. ونشأ في جو يغمره العلم. يقول أديب صديق له[2]: “على كثرة أفراد أسرة بوستة، كنت لا تجد فيهم تاجرا، وإنما فلاحا أو حرفيا أو عالما”.
بدأ بوستة دراسته في المسيد بمراكش، فحفظ القرآن مبكرا ثم أكمل بعد ذلك دراسته الابتدائية والثانوية في ذات المدينة، قبل أن يسافر إلى فرنسا ليدرس بجامعة السربون، تخصص القانون والفلسفة.
اقرأ أيضا: المرجعية التاريخية للتنظيمات السياسية المغربية. 3 التنظيمات السياسية بعد الإستقلال (1956-1961)
انخرط بوستة في العمل الوطني، وهو لا يزال تلميذا. من أبرز نتائج درايته بالعمل السياسي منذ باكر عمره، أنه كان من بين مؤسسي حزب الاستقلال.
كان بوستة من أوائل من كسروا هيمنة السياسيين ذوي الأصول الفاسية على لجنة حزب الاستقلال التنفيذية. غداة وفاة الزعيم التاريخي للحزب، علال الفاسي، عام 1974، أصبح بوستة أمينا عاما للحزب، قبل أن يستقيل عام 1998 ويخلفه فاسي… هو عباس الفاسي.
لاحقا، حين عاد إلى المغرب، بعد إتمام دراسته بفرنسا، فتح مكتب محاماة في الدار البيضاء عام 1950، ثم شارك كمحام في أغلب المحاكمات السياسية التي عرفها المغرب بعد الاستقلال. أصبح بوستة فيما بعد نقيبا للمحامين، وقد تخرج في مكتبه محامون عدة، أشهرهم، الوزير الأول الأسبق، عباس الفاسي.
في أحد حواراته مع جريدة العلم، صرح بأنه كان أول من علم، مع عبد الرحيم بوعبيد، بقرار رجوع الملك محمد الخامس من المنفى. كانا حينذاك بباريس في خلايا حزب الاستقلال للتحضير لمؤتمر “إيكس لبيان”. أخبرهما وقتها رئيس الحكومة الفرنسي “إدكارفور”، وقد تذكر هذه اللحظة كأهم لحظات حياته.
كان بوستة من أوائل من كسروا هيمنة السياسيين ذوي الأصول الفاسية على لجنة الحزب التنفيذية. غداة وفاة الزعيم التاريخي للحزب، علال الفاسي، عام 1974، أصبح بوستة أمينا عاما لحزب الاستقلال، قبل أن يستقيل عام 1998 ويخلفه فاسي… هو عباس الفاسي.
منذ عهد المغرب بالاستقلال، شغل بوستة مناصب مهمة، فقد كان وكيلا للخارجية في حكومة بلافريج، عام 1958، ثم عين وزيرا للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري عام 1961، وبعد ذلك تسلم حقيبة وزارة الخارجية من عام 1977 حتى 1983.
حين استقال بوستة من قيادة حزب الاستقلال، عام 1998، لم يتوارَ. ففي عهد الملك محمد السادس، عينه الأخير رئيسا للجنة الملكية لإصلاح مدونة الأسرة. هذه المهمة اعتبرها بوستة من أدق التكليفات الرسمية التي خاضها في مشواره السياسي.
برز اسم بوستة حينها كوزير للخارجية في المغرب، حين كلف بالتحضير للقمة العربية بفاس عام 1981، بيد أنها لم تعقد وأجلت إلى قمة أخرى بعدها بعام، سميت بقمة فاس الثانية. تمخضت عن هذه القمة قرارات غير مسبوقة أبرزها إقرار مشروع السلام العربي مع إسرائيل.
اقرأ أيضا: عبد الرحمان اليوسفي… أيقونة السياسة المغربية!
بوستة كوزير للخارجية، قاد أيضا المفاوضات السرية مع الجزائر قصد إيجاد حل لنزاع الصحراء، وقد أسهم في فتح الطريق أمام السياسيين لإجراء المفاوضات عوض العسكريين. مفاوضات كانت قد انتهت بعقد قمة بين الجزائر والمغرب في الحدود بين البلدين.
داخليا، عرف عن بوستة صراعه مع إدريس البصري، وزير الداخلية في عهد الحسن الثاني. حين استدعاه الملك الراحل لتشكيل الحكومة حينما قررت تجربة التناوب عام 1993، رفض بوستة ذلك بسبب ما أسماه “إفساد البصري للحياة السياسية وتزويره للانتخابات”.
فيما بعد، قاد بوستة، رفقة زعماء الصف الوطني الديمقراطي، مشاورات تشكيل الكتلة الديمقراطية التي أتت يومها لمواجهة أحزاب توصف بالإدارية. ثلاثة أحزاب في الكتلة شاركت لاحقا في حكومة التناوب لعام 1998. (الاتحاد الاشتراكي، الاستقلال، التقدم والاشتراكية. مع مساندة نقدية من طرف منظمة العمل الديمقراطي).
عرف عن بوستة صراعه مع إدريس البصري، وزير الداخلية في عهد الحسن الثاني. حين استدعاه الملك الراحل لتشكيل الحكومة حينما قررت تجربة التناوب عام 1993، رفض بوستة ذلك بسبب ما أسماه “إفساد البصري للحياة السياسية وتزويره للانتخابات”.
حين استقال بوستة من قيادة حزب الاستقلال، عام 1998، لم يتوارَ. ففي عهد الملك محمد السادس، عينه الأخير رئيسا للجنة الملكية لإصلاح مدونة الأسرة. هذه المهمة اعتبرها بوستة من أدق التكليفات الرسمية التي خاضها في مشواره السياسي.
اقرأ أيضا: علي يعتة… زعيم الشيوعيين المغاربة
ثم حين احتفل المغرب بالذكرى الستينية لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، عام 2004، برز بوستة مرة أخرى بموقف دعا فيه الشباب المغربي لاستحضار روح الوثيقة واستكمال تحرير باقي الأجزاء المغتصبة من التراب الوطني، ووقف جميع أشكال التفاوض مع جبهة البوليساريو.
نظير مشواره السياسي، حظي بوستة بتكريمات عديدة، يظل أبرزها توشيحه بوسام العرش من ملك المغرب، عام 2003، وحصوله على وسام “نجمة القدس” من السلطة الفلسطينية، تقديرا لجهوده في نصر القضية الفلسطينية.
في ليلة الـ17 من فبراير 2017، رحل محمد بوستة عن الحياة، مخلفا وراءه إرثا سياسيا كبيرا، دون اسمه كأحد أبرز سياسيي المغرب في تاريخه الحديث.
كفو
مقال رائع
WOW
عمل جيد ، مقال رائع”
Good