كرة القدم… تاريخ طويل من الملاحم والمعجزات - Marayana - مرايانا
×
×

كرة القدم… تاريخ طويل من الملاحم والمعجزات

في العادة، تنتصر الكرة، غالبا، لمنطق القوة والفوارق الفنية والتكتيكية. لكن…
على امتداد تاريخها، ظلت “الفلتات” والمفاجآت، عنوانا استثنائيا لحلاوة الرياضة الأكثر شعبية في العالم.
مفاجآت، كتبت تاريخا طويلا من الملاحم والمعجزات.

“كرة القدم شبيهه بالأدب، هي استعارة كبرى للحياة. الشيء الوحيد الذي يمجد المجهود،

 ويمكن أن يتلاعب فيه الضعيف بالقوي”

عبد الكريم جويطي

 

عندما تلألأت الدموع في عيون مدرب صارم.. جدا، مثل الحسين عموته، خلال جسر العبور للنهائي ضد كوريا الجنوبية، أدرك هواة كرة القدم أن التاريخ يُكتب.

ملحمة أردنية بقيادة مغربية، تُوجت بوصافة الكأس الآسيوية لكرة القدم.

راجعنا الدرس للمرة الألف: لا ”كبار” ولا “أسياد” دائمين  في الكرة.

هذا هو سحر ودراما الجلد المدور… السر الذي يجعل حبه أبديا. حب ينبع من تعطش الإنسان للعدالة والكفاح من أجل الانتصار على قسوة منطق الحياة.

…تجسيد عميق لفلسفة “الجدارة” (La méritocratie) التي تذيب الفوارق الاقتصادية والمادية بين المتنافسين في ملاعب  الفوتبول.

الحقيقة هي أن الكرة تنتصر، غالبا، لمنطق القوة والفوارق الفنية والتكتيكية. لكن… مثل هذه “الفلتات” والمفاجآت، هي حلاوة الرياضة الأكثر شعبية في العالم.

مباراة البرازيل والأوروغواي 1950

الساحرة المستديرة والمفاجآت… إنه تاريخ عريض: الحلقة الأولى الأشهر، كانت ذلك المشهد الجنائزي عندما خسرت البرازيل ما يعادل نهائي كأس العالم (لُعب النهائي على شكل مجموعة من أربعة منتخبات) على أرضها في الماركانا سنة  1950 ضد الأوروغواي أمام أنظار 200 ألف مناصر.

أربعة عقود بعد ذلك، حقق الدنماركيون معجزة كروية عندما انتزعوا اللقب الأوربي سنة 1992 من يد بطل العالم آنذاك ألمانيا، والجيل الذهبي لهولندا بقيادة فان باستن وخوليت.

سنقتصر في هذا المقال على أبرز الأمثلة للملاحم الكروية في القرن الواحد والعشرين.

العقد الأول.. معجزتا أحفاد الإغريق وبلاد الرافدين

من منا ينسى دموع كريستيانو رونالدو سنة 2004 وهو يرى منتخبا يونانيا مغمورا ينتزع التاج الأوربي من يديه؟

المدرب الألماني أوتو ريهاجل، قاد سليل الفلاسفة لمسار استثنائي، تفوق فيه المنتخب اليوناني على المستضيف البرتغال في المباراة الافتتاحية والختامية،  وعلى فرنسا في دور الربع.

تتويج اليونان بكأس أوروبا 2004

صلابة دفاعية هيرقلية ذكرت العالم  بـ ”كاتيناتشو” الإيطاليين مع هيلينو هيريرا، وكأن اللاعبين انتحلوا ثوب إغريق غزاة يجابهون الفُرس.

في نفس السنة، استهل المدرب البرتغالي الشهير جوزيه مورينهو “فتوحاته” الكروية بقيادة بورتو لفوز مفاجئ بدوري أبطال أوروبا على حساب موناكو.

أما باقي الحكاية… فهو تاريخ مجيد. صار “السبيشل وان” من أكثر المدربين شهرة وإثارة للجدل.

سنة 2007…

فوز العراق بكأس آسيا 2007

رغم جرح العراق الغائر جراء الأحداث السياسية المأساوية، أسعد اللاعبون العراقيون شعبهم بتحقيق التاج الآسيوي أمام المنتخب السعودي المتمرس.

في المباراة النهائية…

عندما انسلّ العميد يونس محمود وأودع الكرة برأسه في شباك حامي عرين السعودية، أكد أن أفراح الكرة هي أفضل بلسم مؤقت، يحيي المشاعر الوطنية، ويذكر الناس أن الوطن مدعاة للفخر… وليس مصدرا حصريا للألم.

 

العقد الثاني والثالث.. معجزات النية والرصاصات النحاسية

سنة2012 ، قاد هيرفي رونار-المدرب الفرنسي الذي تعلق بالماما أفريكا فصنع فيها مجدا-  منتخب زامبيا الذي لم يكن يزخر بأية أسماء رنانة أو مشهورة لنيل اللقب الأفريقي.

منتخب الرصاصات النحاسية فاز على منتخب ساحل العاج المدجج بالنجوم، على رأسهم دروجبا ويايا توريه وجيرفينهو.

زامبيا بطلا لكأس إفريقيا 2012

عندما كان الزامبيون يصوبون الركلات الترجيحية بإتقان عجيب في الزوايا التي يسكن فيها الشيطان، أدرك عشاق الفوتبول أن الأسطورة ديديه دروغبا سيعلّق الحذاء دون أن يلامس كأس القارة السمراء.

2016، نال الإنجليز نصيبهم من الاعجاز الكروي. فريق ليستر سيتي المغمور، والصاعد حديثا، آنذاك، من الدرجة الأولى (هي الدرجة الثانية في باقي دول العالم)، ينتزع لقب الدوري متفوقا على العملاق مانشستر سيتي.

بقيادة المخضرم رانييري، اكتشفنا لأول مرة رشاقة مرواغات رياض محرز، وفتك تسديدات جيمي فاردي، وسخاء نغولو كانتي الذي كان يحرث الملعب حرثا ثم يرمي المشاهدين بابتسامة بريئة وبلهاء وكأنه كان يقطف وردة!

سنة 2022…

متسلحين بالنية، وقتالية مبهرة، ودفء حضور جماهيري كثيف، ودعوات الأمهات، حقق المغاربة ملحمة كروية عندما بلغوا نصف نهائي كأس العالم. أطاحوا بمنتخبات عريقة كإسبانيا والبرتغال وبلجيكا، ليزينوا بأناقة الفرنسان الشجعان مربع الكبار في العرس العالمي.

كان دفاع الأسود يشتت الكرات وكأن الدولة ائتمنتهم على حدود المغرب. نفث زياش وأوناحي سحرا كرويا اعتقدنا أن العمالقة مثل بيرلو وإنييستا وحدهم العارفين بأسراره. أما النصيري، فقرر أن يغادرنا إلى دار السماء كي يبعث برأسية حققت الحلم المونديالي لقارة بأكملها.

فوز المغرب على إسبانيا ــ كأس العالم 2022

لقد طبق المغاربة بأمانة مقولة المدرب بيل شانكلي: “كرة القدم ليست مسألة حياة أو موت فقط، إنها شيء أهم من ذلك بكثير”.

الحلقة “الأخيرة” كانت هذه السنة مع منتخب النشامى الأردني، عندما بلغ لأول مرة في تاريخه، نهائي كأس آسيا لكرة القدم، بعد تغلبه على كوريا الجنوبية في نصف النهائي.

تحت قيادة الحسين عموتة، أنجح مدرب في تاريخ المغرب، كان التّعمري ينسل في الهجمات المرتدة أمام العراق وكوريا الجنوبية مثل راقصة أنيقة. أما توقيع الختام، فأُسند للمهاجم النعيمات الذي يصوب الكرة بدقة في المرمى كأنه يقنص عدوا.

إنجاز الأردن ليس بـ”الرقصة الأخيرة”…فوحده فناء الأرض من سيضع حدا للمعجزات الكروية.

في انتظار ذلك…

أيتها الكرة

أيها الجلد المدور

داوم على المفاجآت والرقصات الغادرة

في عالم متخم بالمنطق وجبروت الكبار

كي لا يذوب الحلم في قلوبنا

ولا تنطفئ في نفوسنا نزوة المعجزات.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *