تربية الكلاب بالمغرب: كيف تسلّلت هذه الثقافة إلى حياة المغاربة؟
ربّما صارت تربية الكلاب عادة مغربية خالصة في زمن الناس هذا. حين نخرج للشارع، هناك كلبٌ يتجوّل مع صاحبه، والناس تمرّ بشكل عادي، دون فزع في غالب الأحيان، وكأنّ الكلاب لم تعد “مصدر خوف”، بل تكاد تغدو أمرا عاديًّا وروتينيًّا.
ندخل الرقميّ، فنعثر على فيديوهات لـ: تدريب الكلاب يتابعها الملايين، ما يعني الإقبال على محتوى يتعلق بشريحة من الحيوانات أصبحت موجودة بشكل لافت وملحوظ بالمغرب: الكلاب.
ما معنى أن يكون لك كلب؟ وماذا يكلّفك وجوده في حياتك وبيتك وداخل مسؤوليتك وعنايتك؟ وأي تجارة ممكنة بإخضاع الكلاب للعلاقات التبادلية على نحو ملفت؟
الكلاب… فيضٌ من الحميمية؟
تقول مريم، 23 سنة، مقيمة بالرباط، إنّها تبني علاقة حميمية مدهشة مع كلبها المصنّف ضمن سلالة الهاسكي. وفق ما حكته مريم لمرايانا، فإنّ “موني“ كلبٌ هادئ وطيّع وجميل. أستمتع بالتسكّع معه. حين نتمشى سويًّا في الطريق الساحلية في المساء، أشعر أنّ تواصلاً مدهشًا يتمّ بيننا، كأنني أشارك كائنا بشريًّا الطريق. هذا ليس تحقيرا للإنسان، لكنه ارتقاءٌ بالكلاب إلى مرتبة لا تعتبرهم مجرد حيوانات فقط، لأنني أحسّ أن لديهم مشاعرا نبيلة وصادقة مثلنا“.
من خلال تجربتها، تقول مريم إنّ تربية الكلاب ليست أمراً هيّنا، بل هو عمليّة مُكلّفة نفسيًّا وماديًّا، “فحين تتركه بالبيت وحيدا، فهذه مسؤولية ونشعر بتخوّف دائم عليه. أشعر بحيف حين أمنعُ من اصطحابه معي في الحافلة أو القطار في العطل”.
تعتقد المتحدثة أنّه من الضروريّ أن تخصص أمكنة لتساعد الركاب على نقل حيواناتهم الأليفة، فالأمر، حسبها، “لم يعد يعني عائلات قليلة تربّي الكلاب، بل يكاد الوضع يغدو ظاهرة عامة. هناك تخمة من أنواع الكلاب بالمغرب. أنا، طبعا، أحبّ سلالة الهاسكي، بيد أنّ صديقاتي يعشقن الشوشو والكانيش”.
من الناحية المادية، يوضّح لنا نور الدين (27 سنة)، أنّ كلبه الذي ينحدرُ من سلالة المالينوا (Malinois)، يكلّفه ميزانية تخصص شهريا لـ“فريدو” حصراً.
يقدّر نور الدين “الكلفة بـ200 أو 300 درهم، وأحيانا تصل لـ500 درهم، وتشمل طعامه من الدجاج واللحم والكروكيت. كما أحرص على أن يتناول بعض الأطعمة الطّازجة والخضراوات. هذا إضافةً إلى ميزانية غير مستقرّة تتعلق بالتطبيب والتلقيح، لأن الكلاب التي تربى في البيت ليست مثل الكلاب الضالة؛ الأولى تنال عناية خاصّة“.
نورالدين يعتبر، في حديثه لمرايانا، الكلاب مثل الأطفال الصغار، فهم يتسمون بالبراءة المفرطة. يقول: أعتقد أنّ كلبا أفضل لي من أن أنجب طفلاً، ولكني بالمقابل أعتبر “فريدو“ مثل طفلي، أحبه كثيراً وأعطف عليه، وأتألم لأجله حين يمرض. المشاعر التي أكنّها لكلبي تجعله كائنا مهما في حياتي.
“أحيانا أتواصل معه، وأحس أنه يفهمني، رغم أنه لا يردّ عليّ، لكنني أشتكي له وأبوح له بخطاياي وأفصح له عن همومي وآلامي وخيباتي وعثراتي. وجود “فريدو“ في حياتي هو إضافة نوعيّة عظيمة، هناك أشياء يعرفها فريدو عني لا يعرفها البشر الآخرون المحيطون بي”، يختم نورالدين.
يتقاطع مامون، من مكناس (25 سنة)، مع ما قاله نور الدين، حيث يرى مامون أنّ “فوكس“ هو “الأوفى على الإطلاق، وهو الأصدق مطلقًا. وفي مرات كثيرة يشهدُ لحظات ضعفي وبكائي؛ وكلّما أحسست بفوضى من الأفكار تعتمل في ذهني، أتوجّه لـ”فوكس“ وأدسّ عنده كل أسراري. أعرف أنها بمأمن معه، فهو لا ينطق.
مامون على بيّنة أنّه يتحدث مع حيوان أليف، لكنه يضيف رغم ذلك: لا أستطيع القول إنه يفهمني ويستوعب مآسيّ الخاصّة. لكني أحس، حينها، أنني في حاجة ماسّة للفضفضة، فلا أجد أمامي سوى كلبي، بدافع الحبّ والثقة، وبدافع الأمان، فأسراري، هكذا، ستظلّ في عالم غير عالمنا: عالم إدراك الكلاب… إن وُجد“.
الكلاب: تجارة مربحة؟
تزدهر تجارة الكلاب اليوم بالمغرب، حيث أصبحت هذه الحيوانات سوقا يدر أرباحا مهمّة. تعاين مرايانا أنّ تجارة الكلاب والحيوانات الأليفة عموما، انتقلت من المحلات والدكاكين الواقعية إلى التجارة الإلكترونية عبر صفحات الفيسبوك وموقع أفيتو.
نتحدّث مع شخص يتاجر بالكلاب عبر الفيسبوك، في مجموعات مخصّصة لبيع الكلاب. يوضح لنا هذا التاجر أنّ “الأثمنة معقولة، وتحفظ للتاجر أرباحه الخاصة، منها فقط تعويضات لما كلفه إطعام أمّهم، وأحيانا تعويضات تكاليف اكتراء ذكر من نفس السلالة الأصلية ليضاجع ذات الأم، وذلك للحفاظ على السلالة”.
هذا التاجر يمضي قائلاً: في زمننا الحاليّ، أصبح كل شيء بمقابل، وبات كل شيء، تقريبا، تجاريًّا، حتى منيّ الكلاب يباع، إما بثمن ماديّ أو بتقديم جرو من السلالة حين يولد“.
يضيف التاجر في حديثه لمرايانا أنّ سلالات الكلاب، التي تباع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، هي الهاسكي، خصوصا في المدن الساحلية، إضافة إلى المالينوا الأصيلة، وكذلك الراعي الألماني.
هذه السّلالات أثمنتها قد تبدأ من 2000 درهم، لكنها أصلية تماما، فالحرص على الأصالة في العرق والجينات والنوع، يضمن سمعة جيدة للبائع، ويضمن للمشتري كلبا من نوع خاص بالمقابل. هذه الكلاب الأصيلة لا تشكل خطرا على صاحبها، ويكون مزاجها معروفا جيدا منذ صغرها“.
يشير المتحدث أنّ الأثمنة والأسعار تختلف بين محل إلكتروني ومحل واقعي. بالنسبة للمحل الواقعي، فالأسعار تأخذ بعين الاعتبار تكلفة الضرائب والمحل وما يتطلبه ذلك من مصاريف، في حين أن التاجر الافتراضي أحيانا يعمل على تربيتهم بالبيت.
لذلك، في المحلّ التجاري، قد تبدأ أثمنة السلالات الثلاثة المذكورة من 4000 أو 5000 درهم، ويتحكم في أسعارها أصالة العرق أو كونه مختلطا، إضافة إلى عوامل تتعلق بهل هذه السلالات ناشئة بالمغرب أم قادمة من الخارج، كما يتحكم فيها العرض والطلب، وقيمة كلّ سلالة داخل السوق ومدى ندرتها أو توفرها بشكل كاف.
لكن البيع والشراء خضع للتقنين حسب القانون المغربي رقم 56.12، الصادر سنة 2013، والذي منع تربية الكلاب الخطيرة أو إخضاعها للعلاقات التبادلية، وعرّف القانون الأنواع الخطيرة بكونها “كل الكلاب التي تتميز، بالنظر إلى فصيلتها أو تكوينها المرفولوجي، بشراسة تشكل خطرا على الإنسان“.
لهذا، يمنع هذا القانون “تملّك أو حيازة أو حراسة أو بيع أو شراء أو تصدير أو استيراد أو تربية أو ترويض الكلاب الخطيرة”. كما يمنع القانون إجراء أو تنظيم مبارزات للكلاب، أو إعطائها مواد منشطة أو مخدرة لتأجيج عدوانيتها وشراستها.
قبل سنة، تقدّم الفريق الاشتراكي بمجلس النواب بمقترح لتعديل المادتين 3 و10 من هذا القانون، حيث اعتبر الفريق أنّ النص القانوني “قاصر عن الإحاطة القانونية العملية بظاهرة امتلاك الكلاب“.
أيضا، يقترح القانون أن تضاف إلى المادة الثالثة جملة تقضي بمنع “تملك أكثر من كلب واحد، كيفما كان صنفه، بالإقامات والمباني السكنية المشتركة“.
كما طالب الفريق الاشتراكي برفع الغرامة، التي تفرض على كل من لم يصرح بالكلب ولا يتوفر على الدفتر الصحي الخاص به، أو أغفل تكميمه أو تلقيحه، لتبدأ من 400 درهم.
وضمن التعديل نفسه، اقترح الفريق البرلماني إضافة مخالفتين، وهما “عدم تقديم الدفتر الصحي الخاص بالكلب أثناء التجول به في الأماكن المفتوحة للعموم إلى ضباط وأعوان الشرطة القضائية بطلب منهم”، و”من ثبت تملكه أكثر من كلب واحد كيفما كان صنفه بالإقامات والمباني السكنية المشتركة“.
كلابٌ… من طبقة إلى أخرى!
يرى الباحث في علم الاجتماع، أحمد صديقي، في حديثه لمرايانا أنّ اللافت هو وصول ثقافة تربية هذه الحيوانات بشكل كبير إلى المغرب، بل وانتقلت هذه الخاصية من الطبقات الميسورة إلى الطبقات الشعبية؛ فاليوم، أصبح حتى سكان الأحياء الشعبية يعملون على تربية سلالات جيدة وأصيلة، ولو أنّ أثمنتها مرتفعة للغاية.
وهذه السلوكات تدخل في مجملها ضمن سياق التحولات التي طبعت المجتمع المغربي بفعل الانفتاح على ثقافات أخرى، ولو أنّ البعض يعدّ تربية الكلاب مجرد موضة وترفا وشيئًا تكميليّا… لكنه بالنسبة للبعض شيء ضروري وممتع.
من الواضح، وفق المتحدّث، أننا لازلنا نشهد بعض التشنّج تجاه الكلاب في الشارع، خصوصا أنّ هناك من يعاني من فوبيا الكلاب، والنساء الحوامل قد يتمشّين في الشارع فيصادفن كلبا ويشعرن بخوف شديد.
الكلاب ماتزال، في أذهان الناس، حيوانات شرسة، ومثيرة للذعر بالنسبة لهم، رغم أنها في الأصل أليفة. ثمّة “إجهاضا ثقافيًّا” لازال يتحكّم في عملية تربية الكلاب في المغرب، ولازال يدّر التصورات حولها.
يختم صديقي، قائلاً إنّ هناك قراءات دينية تعتبر دخول كلب إلى بيت ما، بمثابة منع مباشر لدخول الملائكة إليه. لكنّ إقبال المغاربة على تربية الكلاب بشكل مثير للانتباه، يعني أنّ الشباب أصبح يغادر التصورات الجاهزة حول الأمور الطارئة في المجتمع. لهذا، تبقى تربية الكلاب مسألة من الجميل أن تدخل إلى ثقافتنا، لكن بشروطها الضرورية، كالنظافة والوعي وحسن التّربية والتّدريب..
مقالات قد تثير اهتمامك:
- الطوطمية: هكذا قدّس الإنسان المغاربي القديم بعض الحيوانات… 2/1
- الثور، الكبش والأسد: هذه بعض الحيوانات التي قدّسها الإنسان المغاربي القديم 2/2
- من أين جئنا؟ وما هو مصيرنا؟ نظرية التطور، الانفجار الكبير، الخلق…؟
- صناعة الجوع: هل الندرة مجرد خرافة؟ 4/1
- ملايين “العبيد” يعيشون بيننا في عالم اليوم… 2/1
- بين الأسطورة والعلم: كيف كانت بداية البشرية في الواقع؟ 4/3
الكلب تسالة للمغرب من عهد رومان و الأدريس
hhhhhh
عبرة مشاهدة القنوات او الانترنيت
نعم اتفق مع الموضوع لان للكلاب عدة مهام الحراسة العمل مع الشرطة
نعم تلكلاب اصبحت خطر خصوصا غير المدربة