ادريس بنزكري… من غياهب سنوات الرصاص إلى قيادة هيئة الإنصاف والمصالحة 2/2
كان ادريس بنزكري من أوائل من رافعوا حول العدالة الانتقالية في المغرب، قبل أن يقبل دعوة الملك محمد السادس عام 2003 لقيادة هيئة الإنصاف والمصالحة، في خطوة اعتبرها البعض ارتماء في حضن السلطة وبيعا لمبادئه النضالية.
بعدما تطرقنا في الجزء الأول من هذا البورتريه إلى نشأة ادريس بن زكري، وكذا مختلف ملامح مساره النضالي في منظمة “إلى الأمام” والظروف التي قاساها في السجن، في هذا الجزء الثاني والأخير، نعرج على مسار ابن زكري في النضال الحقوقي، ونكتشف وإياكم زوار “مرايانا” أسباب تلقيبه بمهندس العدالة الإنتقالية في المغرب.
اعتناق النضال الحقوقي
فور معانقته للحرية، رأى ابن زكري أن ينذر ما قدم من حياته للنضال الحقوقي، إذ اقتنع أن الأخير يشكل أولوية وعنوانا للمرحلة. التحق تبعا لذلك، عام 1991، بالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان كمدير تنفيذي، قبل أن يصبح نائبا لرئيسها فيما بعد.
اقرأ أيضا: حزب دولة… حرب وطن: ثم ماذا بعد أخنوش؟
خلال السنوات التسع التي قضاها بالمنظمة، صنع ابن زكري تاريخها ودفعها إلى تصدر المشهد الحقوقي عبر عمله على رصد انتهاكات حقوق الانسان وتلقي الشكاوى وإعداد تقارير دورية، كما اشتغل على ملفات شائكة من قبيل الاختفاء القسري.
حين وافق ابن زكري على قيادة هيئة الإنصاف والمصالحة، قوبل بكثير من التحفظ من قبل بعض من رأوا أن ابن زكري ارتمى في حضن السلطة وباع مبادئه النضالية.
نتيجة لذلك، واعترافا منها بنضاله الحقوقي، كرمت منظمة “هيومن رايتس واتش” الدولية، عام 1995، ادريس بن زكري في حفلين أقامتهما بالولايات المتحدة الأمريكية.
بجانب نضاله الحقوقي، أصر ابن زكري على متابعة مشواره الجامعي، فحصل على دبلوم الدراسات المعمقة في اللسانيات في فرنسا عام 1987، وماستر في القانون الدولي لحقوق الإنسان بإنجلترا عام 1997. إضافة إلى إنجازه لدراسات عديدة، من بينها دراسة حول الاختفاء القسري، وأخرى حول القانون الجنائي الدولي، ودراسات عن الأمازيغ والأمازيغية، لغة أجداده.
مهندس العدالة الانتقالية بالمغرب
قدم ادريس بن زكري، عام 1999، عرضا في التجمع الوطني الأول لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالدار البيضاء، تناول فيه استراتيجية العدالة الانتقالية، وانتخب بجانب 5 آخرين، ضمن اللجنة التحضيرية للمؤتمر التأسيسي لمنتدى الحقيقة والإنصاف، ثم ساهم في صياغة وثيقته الأساسية ونظامه الأساسي.
اقرأ أيضا: هذه أبرز محطات حياة فلاديمير لينين!
أسس المنتدى لمشاورات واسعة مع كافة الفاعلين، حكومة، أحزابا ونقابات، مثلت فيما بعد منطلق المناظرة الوطنية حول ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي انعقدت عام 2002. هذه الخطوة أفضت عبر توصية صادرة عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (الذي تحول إلى “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” لاحقا) إلى تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة.
بعد وفاة ادريس بنزكري عام 2007، كانت سابقة أن يرثيه الملك بوصفه “مناضلا”.
بعد سنة من ذلك التاريخ، سيدعو الملك محمد السادس ادريس بن زكري ليقود هيئة الإنصاف والمصالحة، بغية تصفية ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وطي صفحات الماضي الأليم. وافق ابن زكري على قيادة الهيئة وغادر أصدقاءه في المنتدى، وهو ما قوبل بكثير من التحفظ من قبل بعض من رأوا أن ابن زكري ارتمى في حضن السلطة وباع مبادئه النضالية.
كان أهم ما قامت به هيئة الإنصاف والمصالحة، وفق المهتمين، عقد جلسات علنية أدلى فيها ضحايا سابقون بشهادات عن القمع السياسي. وقد تم حل الهيئة بعد انتهاء مهمتها وعهد إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بمتابعة إنجاز توصياتها. بعد تأسيس هذا المجلس، عين الملك محمد السادس ادريس بن زكري رئيسا له مرة أخرى.
اقرأ أيضا: حقيقة تكشف لأول مرة. اغتيال عمر بنجلون…هكذا “غيرت” هيئة الإنصاف والمصالحة تقريرا أعدته حول القضية
لكن مرض السرطان كان قد بدأ ينخر الجسد النحيل لادريس بن زكري. ومع أنه أمضى حياته، إلى آخر رمق، في الدفاع عن حقوق الآخرين ومساعدتهم، لم يمهله أجله على العيش أكثر 57 عاما. هكذا في 22 ماي 2007، سيودعنا ادريس بن زكري، دون أن يودعنا إرثه النضالي الكبير.
بعد وفاته، كانت سابقة أن يرثيه الملك، بوصفه “مناضلا”، مضيفا في برقية التعزية: “سيظل فقيد الوطن الكبير خالدا في ذاكرته بإسهامه الرائد في العمل التاريخي والفاعل على رأس هيئة الإنصاف والمصالحة، التي كانت لبنة أساسية في تحقيق الانتقال الديمقراطي الذي نقوده”.
لقراءة الجزء الأول: ادريس بن زكري… سيرة مهندس العدالة الانتقالية بالمغرب! 2/1