الحريات الفردية، الخيانة الزوجية، الاعتداءات الجنسية: ماذا عن حماية الحق في الحياة الخاصة؟ - Marayana - مرايانا
×
×

الحريات الفردية، الخيانة الزوجية، الاعتداءات الجنسية: ماذا عن حماية الحق في الحياة الخاصة؟

يشهدُ المعرض الدولي للنشر والكتاب نقاشات فكرية وثقافية في أروقة عديدة من ضمنها رواق وزارة العدل الذي احتضن نقاشا علميا حول الحياة الخاصة.

احتضن رواق وزارة العدل بالمعرض الدولي للكتاب يوم السبت 11 ماي 2024 ندوة علمية حول موضوع “حماية الحق في الحياة الخاصة”، أطرها محمد الساسي وأنس سعدون وممثل عن وزارة العدل.

بدأ اللقاء بمداخلة علمية لـ “محمد الساسي”، الأستاذ الباحث بكلية الحقوق-جامعة محمد الخامس- أكدال، تناول فيها “قراءة في بعض فصول القانون الجنائي”، وخاصة الفصول من 489 الى 493 منه، انطلق فيها من التأكيد على أهمية الفصل بين النقاش القانوني والنقاش الفلسفي.

في سياق متصل، أكَّد محمد الساسي، أن الاحتفاظ بالفصل 491 وما يليه من القانون الجنائي المتعلق بالخيانة الزوجية والمشاركة فيها معناه “وضع العازب في وضع أسوء من وضع المتزوج، مادام أن تحريك المتابعة في الخيانة الزوجية يتوقف على وضع شكاية من الزوجة أو الزوج المتضرر”.

حسب محمد الساسي، فإن تحريك المتابعة بالنسبة للعازب تكون مباشرة وبدون شكاية، كما أن سحب الشكاية يؤدي الى سقوط الدعوى العمومية في حق الزوج أو الزوجة المتورطين في الفعل، بينما لا يستفيد شريكه غير المتزوج من ذلك.

الساسي اعتبر أن “الإبقاء على مثل هذا النص سيفتح باب الاعتداء على الحرمات إذا أن الناس الذين ليدهم علاقات جنسية في دوائر مغلقة، ونطرق عليهم الباب لنتساءل ماذا يفعلون؛ في تلك اللحظة التي تقوم فيها الضابطة القضائية بطرق الباب، ما هو الأساس القانوني لهذا التدخل، ولماذا نفترض سوء النية؟ فإذا كان الأساس هو اشتباه أن يكون هناك رجل وامرأة يمارسان الجنس، فهذا معناه عمليا تجريم الاختلاء، ومن قال بأن اختلاء رجل بامرأة من حيث المبدأ يجب أن يجرم، فهو يتعسف على النص القانوني وعلى مبدأ الشرعية الجنائية.

الساسي أشار إلى أنَّ المطالبة برفع التجريم عن العلاقات الرضائية بين الراشدين لا تعني بتاتا الإباحية، كما لا تعني إمكانية استباحة الفضاء العام، الذي يبقى خاضعا لتأطير مجموعة من القواعد التي تنظم العيش المشترك، معتبرا أن الفصل المتعلق بتجريم الاخلال العلني بالحياء كاف لمنع ممارسة العلاقات الرضائية بين الراشدين في الفضاء العام.

من جهته، أنس سعدون، الباحث في فريق عمل “المفكرة القانونية”، عضو مؤسس لنادي قضاة المغرب وللمرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية، ورئيس سابق لخليّة التكفّل بالنساء والأطفال ضحايا العنف، قدم مداخلة بعنوان: “تقاطعات في حماية الحق في الحياة الخاصة”، انطلق فيها من بيان الأهمية التي أضحى يحتلها هذا الموضوع في النقاش العمومي أمام التحديات التي تفرضها التحولات التكنلوجية والعلمية، ومن ضمنها ما يطرحه الذكاء الاصطناعي من تحديات مستجدة.

أنس سعدون اعتبر أن الواقع، في كثير من الأحيان، أصبح يتجاوز النصوص القانونية، رغم لجوء المشرع في كل مرة إلى إدخال تعديلات تشريعية متعددة؛ معتبرا أن حماية الحق في الحياة الخاصة لا تستوجب بالضرورة تدخل المشرع الجنائي، إذ أنه يمكن توفير الحماية من خلال قواعد المسؤولية المدنية القائمة على التعويض، فضلا عن الأدوار التي تقوم بها اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية.

واستعرض ، الباحث في فريق عمل “المفكرة القانونية” عددا من الأحكام القضائية الصادرة في مجال حماية الحق في الحياة الخاصة، من بينها حكم المحكمة الإدارية بالرباط الذي اعتبر أن “تضمين شهادةِ عمل موظف ملاحظةً تشير إلى غيابه بسبب مضاعفات مرضه، يشكل مساسا بمعطياته الشخصية الحساسة، مما يبرر تدخل دور القضاء الاستعجالي لرفع هذا الاعتداء المادي”.

كما أشار أنس سعدون إلى حكم المحكمة التجارية بالدار البيضاء بأداء شركة للإنتاج تعويضا لورثة فنان مشهور عن الضرر الذي لحقهم عن انتهاك حرمة حياتهم الشخصية، وأكدت المحكمة أنه، بعد اطلاعها على سيناريو المسلسل ومشاهدة أربع حلقات منه، تبين لها أنه تطرق أيضا لحياة شخصيات بعض المدعين وهم المدعية والدة الفنان الراحل، وأخواته، وكذا صهره زوج أخته، وهو ما يعد انتهاكا للفصل 24 من الدستور الذي خول لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة.

من جهة أخرى، أشار سعدون إلى عدد من الإشكاليات التي تثيرها مشاريع تعديل القوانين، ومن أبرزها مشكل تضمين معطيات تتعلق بالحياة الخاصة في صلب الأحكام القضائية في الجزء المتعلق بالوقائع.

كما تطرق المتحدث لإشكالية عدم احترام الحق في خصوصية الضحايا في بعض المحاكمات الزجرية، بما في ذلك قضايا الأحداث، لأن السرية مفروضة حينما يكون الحدث متهما، ولا تكون مفروضة حينما يكون الضحية طفلا، وهو ما يؤدي في بعض الأحيان الى انتهاك الحق في خصوصية الضحية الحدث.

أطوار الندوة عرفت تفاعلا كبيرا بين الحاضرين، حيث أكدت الوزيرة السابقة نزهة الصقلي على ضرورة مراعاة أثر بعض القوانين على النوع الاجتماعي، مستحضرة التطبيقات العملية للفصول المتعلقة بالحريات الفردية.

المتحدثة أشارت إلى أن غالبية النساء ضحايا جريمة الخيانة الزوجية يتنازلن لفائدة أزواجهن دون أي شروط، بل ولا يقدمون أي شكاية؛ بينما يكون تنازل الرجال ضحايا هذه الجريمة مشروطا إما بتنازل زوجاتهم عن مستحقاتهن أو عن حضانة الأطفال.

الصقلي قالت إنَّ الفصول المتعلقة بالاغتصاب تؤدي بعدد من الضحايا اللواتي يقدمن شكايات أمام القضاء إلى متابعتهن بجرائم أخرى في حالة عدم إثباتهن وقوع الاغتصاب…

كما ركزت مداخلات أخرى على أهمية احترام القانون لحريات الأفراد ولقناعاتهم ولخياراتهم في الحياة، ومراعاة الضرورة والتناسب في كل القيود التي يفرضها المشرع.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *