جميلة بوحيرد: نذرت شبابها لاستقلال بلدها الجزائر، ثم حين استقل… تنكر لها! 2/2
قبل السابع من مارس 1958، موعد تنفيذ حكم الإعدام، ثار العالم في وجه فرنسا، وأخذ يطالب الأمين العام للأمم المتحدة حينذاك، داغ همرشولد، بإنقاذ جميلة بوحيرد… وذلك ما كان!
عرفنا في الجزء الأول من هذا البورتريه أن جميلة بوحيرد اعتبرت أحد الأسماء البارزة في الساحة النضالية الجزائرية أثناء الاستعمار الفرنسي، حد أن حكمت عليها سلطات الاستعمار بالإعدام، بعدما ألقي القبض عليها، إذ كانت على رأس لائحة المطلوبين… فما كان مصير جميلة بوحيرد بعد حكم الإعدام؟
قررت فرنسا، محاكمة جميلة، والحكم كان الإعدام!
عندها، رددت جملة ستشتهر كثيرا فيما بعد:
“أعرف أنكم تحكمون علي بالإعدام. لكن، لا تنسوا أنكم، بقتلي، تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم. ومع ذلك، لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة”.
هذه الكلمة، قالتها جميلة وضحكة تعلو محياها، فأثارت غضب القاضي الذي لم يهضم جينات النضال التي تحملها، فنهرها مستغربا: “لا تضحكي في موقف جد”. لكن جميلة لم تكن تعلم حينذاك وهي تخرج من قاعة المحكمة مؤمنة بقدرها، أن قضيتها قد امتدت إلى كل بقاع العالم.
قبل السابع من مارس 1958، موعد تنفيذ الحكم، ثار العالم في وجه فرنسا، وأخذ يطالب الأمين العام للأمم المتحدة حينذاك، داغ همرشولد، بإنقاذ جميلة. وذلك ما كان، حيث رضخت فرنسا للأمر الواقع، فأجلت تنفيذ الإعدام، لتغيره فيما بعد إلى حكم بالسجن المؤبد.
اقرأ أيضا: فرحات حشاد… أيقونة النضال التونسية
مع ذلك، يروى عن جميلة أنها كانت تقول في فترة سجنها: “كنت أفضل الموت على أن أعيش حياة المعتقل. ليتهم أعدموني، لكنت استرحت من العذاب الذي أعانيه الآن”.
“أعرف أنكم تحكمون علي بالإعدام. لكن، لا تنسوا أنكم، بقتلي، تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم. ومع ذلك، لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة”.
أربع سنوات بعد ذلك، ستستقل الجزائر. من جملة مآثر هذا الاستقلال، خروج جميلة بوحيرد من السجن. وسنة 1965، ستتزوج من محاميها الشهير جاك فيرجيس، الذي يعرف بلقب “محامي الشيطان”، ذلك أنه ممن دافع عن مناضلي جبهة التحرير الوطني الجزائرية.
ستواصل جميلة عملها النضالي بعد الاستقلال، إذ تولت قيادة اتحاد المرأة الجزائري. غير أن خلافاتها ستشتد مع الرئيس الجزائري آنذاك أحمد بن بلة، بعد أن طالبت بقانون متطور للأسرة.
هكذا، حين لم تتحمل المزيد من “الخذلان”، قررت الاستقالة من عملها، والتواري عن العمل النضالي… إلى الأبد.
يندر، منذ ذلك اليوم، أن تظهر جميلة بوحيرد أمام الملأ بالرغم من تاريخها النضالي، الذي تعد به رمزا للتحرر الوطني في الجزائر.
انفصلت جميلة بوحيرد عن زوجها المحامي سنة 1991، وعاشت بعد ذلك وحيدة في الجزائر دون عمل يعيلها، إلا من راتب تتقاضاه من الدولة، وستظل على حالها ذلك إلا من بعض الأنشطة الاجتماعية التي تحضرها من وقت لآخر.
اقرأ أيضا: المهدي بنبركة… من المعارضة والنضال الأممي إلى “الأسطورة”! 1\2
ولربما نسيتها الجزائر ونسيت جزءاً من تاريخ بلاد صنعته امرأة من طينة استثنائية.
رفضت بوحيرد اقتراح طبيب فرنسي بتسجيل نفسها في الشبكة الاجتماعية الفرنسية لتستفيد من الرعاية الصحية، إذ تساءلت: “كيف أعالج بأموال الدولة التي حاربتها؟”.
سنة 2009، ستنشر جميلة بوحيرد مقالا في الصحف الوطنية الجزائرية، تطالب فيه الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة بالالتفات إلى وضعها المأساوي والاهتمام بها ورفاقها في النضال، بعدما عجزت عن تأمين دوائها.
هذه الصرخة ستعقبها موجة استياء عارمة من الشارع الجزائري وتعاطف كبير منه، عملوا على إثره بجمع مساعدات شعبية لفائدة جميلة بوحيرد. جاء ذلك في وقت رفضت فيه بوحيرد اقتراح طبيب فرنسي بتسجيل نفسها في الشبكة الاجتماعية الفرنسية لتستفيد من الرعاية الصحية، إذ تساءلت: “كيف أعالج بأموال الدولة التي حاربتها؟”.
اقرأ أيضا: سعيدة المنبهي… ثورية لم يقتلها الموت 2/1
من وقت لآخر، تشيع أخبار عن وفاة جميلة بوحيرد، كما فعل البرلمان التونسي حين قرأ الفاتحة على روحها سنة 2015 (اعتذر فيما بعد)، لكنها لا زالت بيننا تظهر بين الفينة والأخرى للعلن، كما فعلت حين حضرت مهرجانا سينمائيا في مصر فبراير الماضي (2018)، وحظيت بتكريم فيه، باعتبارها أحد رموز المقاومة النسائية التي وسمت عهد الاستعمار.
لقراءة الجزء الأول: جميلة بوحيرد.. الجزائرية التي جلدت بنضالها مقصلة المستعمر الفرنسي! 2/1