لعبة الذكر والأنثى: بين تمجيد الرجل ونبذ المرأة
في الفن كما في الحياة، الرجل ينطلق مع الريح ويحمل مشعل النور المزيف. يلهو كما يشاء ويغير الأدوار كما يشاء وينتصر عندما يشاء، وتصفق له كل الأيادي؛ ويترك خلفه جسدا منهكا كاد أن يتحلل من كثرة الغياب والنسيان. ويحمل بين كتفيه رأسا مرتبا أحسن ترتيب، أرهب المالك وأفزعه فأمر بفصله عن الجسد حتى يمتلك الجسد ويستمتع به بمباركة مجتمعية آيلة للسقوط.
مازال العديد من الرجال في مجتمعاتنا يعتبرون أن المرأة تدخل ضمن ممتلكاتهم الخاصة؛ ولا يحق لها أن تتخطى السور الذي رسموه لها. لا تتحرك إلى الأمام إلا باستشارتهم. ماعدا هذا، فهم يعتبرون الأمر خروجا عن طاعتهم وعن الطريق المستقيم الذي رسموه لها. لأنه هو، الرجل، كما يعتقد، مالك للمعرفة وللحقيقة. وما هي إلا جسد بدون عقل ولا فكر ولا روح وجد للفراش فقط. لا يحق لها التفكير بدونه، ولا التعبير بدونه، ولا الصراخ بدون رأيه.
غريب أمر هذا الرجل المشرقي أو المغاربي المليء بالتناقضات، يعشق المرأة كـ “وليمة على الفراش” كما قال نزار قباني ويكرهها كفكر يحلل ويناقش.
ما الفرق بين الحيوان والإنسان؟ سؤال طرح علينا في بداية تعليمنا الأولي. كانت الإجابة الجميلة: العقل. كم هو رائع هذا العقل الذي يميزنا عن الحيوان الذي يتحرك بغريزته فقط. هل الرجل يتحرك بغريزته فقط؟ سينتفض كالعادة ويقول كالعادة بأنه غير مسؤول بتاتا والمرأة هي الجانية على نفسها. كلام يحمل تناقضا صارخا. كيف تكون هي المسؤولة وهي غير العاقلة؟ كيف يمكن الجمع بين هذين المتناقضين؟ سيستمر في الصراخ والاحتجاج، ويدفع الكلام من فمه دفعا عله يصيب الهدف. ويقول” نعم هي المسؤولة بخروجها إلى أماكن خاصة بالرجل فقط”.
لكن، أنت ترفض تشبيهك بالحيوان لأن لك عقلا تميز به سلوكك. والرجل العاقل يستعمل عقله ولا يتبع شهواته حتى لا يشبه الحيوان.
إذن، فالمرأة التي تلومها وتدينها يا سيدي هي أعقل منك لأنها تستعمل عقلها ولا ترغب في الدخول معك في مباراة أنت الخاسر فيها و”تتحكم في شهواتها. إذن، فهي أقوى منك”، كما قالت نوال السعداوي.
يمكننا أن نلعب لعبة أخرى. ما رأيك؟ لنفترض أن للمرأة إحساسا وشعورا، لأن التربية التي تتلقاها الفتاة تحرم عليها حواسها وتنكر عليها عواطفها حتى تنسى بأنها إنسان له الحق في الحب كما في الكراهية. سنقوم بعملية الافتراض الذي يحمل بين طياته حقيقة موجودة.
لماذا لا تقتحم عليك إذن عزلتك الخشنة وتلومك على إثارتها؟ هل الإثارة ملزمة للمرأة فقط؟ أم أن المرأة تستعمل العقل الذي تربت عليه في بدايات نشأتها الأولى، ولا تتبع شهواتها بدون حسيب؟
ستقول بأن ما يحل للرجل لا يصح للمرأة؟ كيف؟ إذن، المرأة لا عواطف لها؟ لماذا إذن، نمارس عليها التشديد والرقابة؟ هل جسد الرجل لا يثير المرأة؟ لماذا لا ترفع المرأة صوتها وتقول بكل حرية بأنها تعشق الرجل؟
ستقول لي والعنف يتطاير من ملامحك وربما تتمنى أن أصمت لأنك لا تحب المرأة التي تطرح الأسئلة: “لأن ذلك فيه “وجع دماغ”. ما هذه الوقاحة؟ أنت تريدين إفساد بناتنا؟”.
لعبة جميلة يا سيدي أليس كذلك؟ لكنها مؤلمة لأنها تستعمل العقل. وأنت ترفض استعمال العقل الذي يميزك عن الحيوان. وترفض العقل، لأنه يخلخل ويزيح النوم الثقيل عن الجفون. وكل من استيقظ للتو من سباته الطويل، سيسأل ويسأل. وفي السؤال إحراج وتغيير وتجديد…
كما تعلم يا سيدي، الفن يهذب الذوق ويسمو بالروح. وليس سهلا أن تكون فنانا راقيا. والرقي يتجلى في كل سلوكياتك حتى البسيطة منها. لأن الفنان جزء لا يتجزأ من ذاته. في مجتمعنا، لما نسأل الفنان الرجل، خاصة في مجال التمثيل، نبدأ بسؤال أخلاقي لكي نحاكم الفن، هل ترضى لزوجتك أو أختك أو ابنتك بأداء هذا الدور أو ذاك؟ السؤال يحمل ضمنيا الملكية وحمولة ثقافية ذكورية آتية من زمن اعتقدنا أنه ولى. ثقافة تعتبر أن “المالك” هو الذي يشرع ويقرر. سيقول هذا الفنان الذي يحمل بين ضلوعه ثقافة غابرة في الزمن: لا. لن أسمح.
ما هذا التناقض؟ نحرجه أكثر ونقول: لماذا؟ ألا يعتبر ما تقوم به فنا منزها عن كل ابتذال؟ نعم، ولكن …لا يستطيع أن يحلل أو حتى يقنع. نعيد الكرة مرة أخرى لأن في السؤال الاستفادة، لكن، يا سيدي العاقل، أنت تقوم بهذه الأدوار عن قناعة. وما الفن سوى إبداع وسمو بالروح في كل تجلياته؟ سيقول على مضض: نعم، ولكن …لا يستطيع مرة أخرى تبرير سلوكه المتناقض المبني على “لعبة الذكر والأنثى” كما فال المفكر سليم دولة. لعبة تمجد الرجل في كل شيء، وتنبذ المرأة في كل شيء. ولم يتمكن الفن من زعزعة ترسبات تحولت إلى أفكار جاهزة غير قابلة للتغيير.
فلنغير وجه اللعب مرة أخرى، ونسأل فنانة: ما رأيك في الأدوار التي تلعبينها؟ كيف ينظر إليك الآخر؟
حتى في سؤالنا للمرأة الفنانة ننزع عنها صفة الإنسان ونجردها من كل ملابسها وننعتها بأقبح النعوت ونشعرها بأنها ملك للآخر. لماذا لا نسأل عن رأيها في الرجل الذي يلعب هذه الأدوار؟ رأيها غير مهم لأنها لا إرادة لها كما العبيد لا رأي لهم ولا سلطة لهم على أجسادهم.
في الفن كما في الحياة، الرجل ينطلق مع الريح ويحمل مشعل النور المزيف. يلهو كما يشاء ويغير الأدوار كما يشاء وينتصر عندما يشاء، وتصفق له كل الأيادي؛ ويترك خلفه جسدا منهكا كاد أن يتحلل من كثرة الغياب والنسيان. ويحمل بين كتفيه رأسا مرتبا أحسن ترتيب، أرهب المالك وأفزعه فأمر بفصله عن الجسد حتى يمتلك الجسد ويستمتع به بمباركة مجتمعية آيلة للسقوط.