حزب الأصالة والمعاصرة: لعنة الولادة… ووجع الفطام
في الآونة الأخيرة، كلما ذكر حزب الأصالة والمعاصرة، إلا ورافقته أحاديث طويلة عن متابعات الفساد التي طالت بعضَ قادته وأعيانه. لهذا، لجأ الحزب إلى شكل جديد من القيادة، في محاولة منه لتصفية تركة يكثر حولها القيل والقال.
منذ نشأته في أيادي “أمينة”، وهو تحت “العناية التامة”، وعلى مرآى ومسمع الأحزاب والمهتمين بالشأن السياسي والحزبي. يُوصف بأنه حزب السلطة وبأنه تنظيم ولد في السر وخرج للعلن في سن البلوغ.
بين ميلاد حركة لكل الديمقراطيين سنة 2007، على يد مستشار الملك فؤاد عالي الهمة، وميلاد حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2008، برئاسة حسن بن عدي، اليساري السابق الذي لم يجد له اليومَ مكاناً داخل الأصالة والمعاصرة، وما وصله الحزب الآن… مسافة ألف ميل تحت رعاية السلطة.
منذ نشأته، بنى حزب الأصالة والمعاصرة سردياته على محاربة خصمه التاريخي “الإسلاميين”. غير أن الحزب الذي خُلق ليواجه الإسلاميين ويُحطم أحلامَ 20 فبراير المتلاشية، سيجعل من الأعيان ورجال الأعمال وشخصيات نافدة، قادةً له، ليُطبع عليه، إلى جانب كونه حزب السلطة، أنه حزب الأعيان.
مؤخراً، ارتبط اسم حزب الأصالة والمعاصرة بأسماءَ مُتابعة على خلفيات الفساد السياسي والمالي، كما ارتبط بملف تجار المخدرات، وهو اللقب الذي كان غريمه الإسلامي يواجه به الرأي العام، مفيداً أن البام أصل تجاري فاسد، وحزب مخدرات وفساد.
لم يكن أمام حزب الأصالة والمُعاصرة بعد الأحداث الأخيرة، والتي أعادت النقاش حول ضم الحزب للفاسدين، إلا أن يحاول إيجاد سبيل للنفاد من توصيف الفساد والعلاقة مع السلطة، فما كان عليه إلا أن يُجدد هياكله باختيار جديد وغريب… وهو القيادة الثلاثية.
يوم السبت 10 فبراير 2024 ببوزنيقة، انتخب الحزب كل من فاطمة الزهراء المنصوري ومحمد المهدي بن سعيد وصلاح الدين أبو الغالي قادة له. وقد تم الإعلان عن فاطمة الزهراء المنصوري منسقة للقيادة الوطنية الجديدة.
حزب هش ومسؤولية مشتركة
محمد شقير، باحث أكاديمي ومحلل سياسي، يقول في حديث لمرايانا إن القيادة الثلاثية أو ما سميَّت بالقيادة الجماعية، هي ليست سبقاً في تاريخ الأحزاب. فقد كانت هناك تجربة مع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي كان أول من يتبنى هذا النوع من التسيير الجماعي.
حسب شقير، فإن ما وصل إليه الحزب، بسبب تداعيات قضية إسكوبار الصحراء، ساهم في اللجوء إلى القيادة الثلاثية، بحكم أنه كان من المرتقب أن فاطمة الزهراء المنصوري هي التي ستتولى خلافة عبد اللطيف وهبي.
علاقة بالأمين العام “السابق”، فقد غادر وهبي، وقرر عدم الترشح لولاية جديدة، في محاولة منه لترك الساحة فارغة أمام القيادة المحتملة “فاطمة الزهراء المنصوري”، وذلك ما كان، لتعلن ترشحها وحيدة لقيادة البام، ثم لتعلن بعدها اقتراح قيادة ثلاثية للحزب.
بالعودة لشقير، فإنه يقول: “ربما تخوف المنصوري من تحمُّل وزر هاته الخلافة جعلها تلجأ إلى هذا النوع من القيادة. زد على هذا إن الأزمة أثرت بشكل كبير على الحزب وخلقت فيه عدة انقسامات وتجاوزات. لهذا، تم اللجوء إلى القيادة الثلاثية للحفاظ على توازن ما بين مكونات الحزب”.
حسب شقير، إذا ما لاحظنا القيادة الثلاثية، فإنها تعكس ثلاثة مناطق داخل الحزب، المنصوري ممثلة مراكش، بن سعيد ممثل الرباط، ثم أبو الغالي ممثل الدار البيضاء. اللجوء لهذا النوع من “التخريجات”، كان من بين أهدافه رأب الصدع وعدم السماح بأي انقسام داخل الحزب، بسبب تورط منتخبي الحزب في ملفات الفساد المعروضة على القضاء.
يشدد شقير على أن القيادة الأساسية والفعلية هي لمنسقة الثلاثي، فاطمة الزهراء المنصوري، فحتى الرسالة الملكية توجهت باسم المنسقة في البداية، وبعدها تمت تهنئة باقي مكونات القيادة.
حزب الأعيان وبقايا التيارات
يعتبر شقير أن “البام” في عمقه، هو تنظيم لِلَم مجموعة من التيارات، من ضمنها تيارات يسارية وتيارات أخرى، فحزب الأصالة والمعاصرة لم يكُن يوما حزبا يساريا. هو حزب استقطب بعض الفعاليات اليسارية التي هي الآن جمدت عملها داخل الحزب أو ابتعدت عنه بشكل مباشر.
حسب شقير، فـ “الحزب فيما بعد، عمل على استقطاب الأعيان للحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية. هؤلاء حاولوا تسيير وتوجيه الحزب وفق مصالحهم وصار الحزب للتغطية وإضفاء الحصانة على مجموعة كانَ قد سماها بنكيران “المتاجرون في المخدرات”.
يقول شقير: “ربما مسألة الأعيان هي التي أصبحت تميز حزب الأصالة والمعاصرة، وجعلت منه منذ انطلاقته، حزب انتخابات، على غرار باقي الأحزاب الأخرى. وهذا ما جعله يبتعد عن كل ما هو مرتبط بالتوجه اليساري”.
حزب من ذهب
ياسين حسناوي، صحفي ومحلل سياسي، يرى خلال حديث لمرايانا أن التركيبة الجديدة لحزب الأصالة والمعاصرة لا ينص عليها قانون، بل هي بدعة. لكن، يبدو أن الأمانة العامة فعليا هي بيد فاطمة الزهراء المنصوري، فيما يبقى محمد المهدي بن سعيد وصلاح الدين أبو الغالي كمساعدين.
حسب حسناوي، فإن حزب الأصالة والمعاصرة وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب. والجميع يعرف أن السياقات التي ولد فيها الحزب، كانت سياقات خاصة، الهدف منها محاربة الإسلاميين، وقد قالها أمين عام سابق لحزب الاصالة والمعاصرة.
يقول المتحدث: “طيلة هده المدة، ومنذ التأسيس إلى اليوم، لم يشارك حزب الأصالة والمعاصرة في الحكومة. إلا في هذه الحكومة، بعد تحالف ثلاثي هيمن على الحكومة والبرلمان والجماعات الترابية، بما في ذلك الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الترابية”.
يضيف حسناوي: “السؤال المثير هنا، هو، كيف نفسر أن عددا من المعتقلين والمتابعين اليوم، منتمون لحزب الأصالة والمعاصرة، ومتهمون أو مشتبه فيهم بكونهم يتاجرون في المخدرات؟”.
حزب المصالح الذاتية
يقول حسناوي: “شاهدنا في مداخلة لفاطمة الزهراء المنصوري، عقب الإعلان عن القيادة الثلاثية، كيف رددت كثيرا أن “البام ليس فوق القانون”. هذه العبارة بالضبط، أنا أرى أنها رسالة للحزب، وقد توصل بها وفهمها الحزب، ومفادها أنه لا أحد في هذا البلد فوق القانون”.
حسب المتحدث: “في فترة من الفترات، أصبح يتردد على مسامعنا أن البام حزب لحماية المصالح الذاتية، ولعل خير دليل على ذلك وجود عدد من الأعيان الذين يشاركون في الحكومة أو ضمن الفريق البرلماني أو يقودون جماعات ترابية”.
يتجه المحلل للقول بأن هناك أمورا كانت داخل حزب الأصالة والمعاصرة لا تبشر بالخير. البام وصل اليوم إلى مؤتمره الخامس بـ 6 أو 7 أمناء عامين، إضافة إلى هاته التركيبة الثلاثية الغريبة.
حسب حسناوي، فإن حزب الأصالة والمعاصرة، في عهد عبد اللطيف وهبي، خسر نقاطا كثيرة، فوهبي أساء كثيرا لحزب الأصالة والمعاصرة في خرجاته، في تهكمه على المغاربة، في شكاياته المتكررة والعديدة بالصحفيين.
محاولات كثيرة يخوضها حزب الأصالة والمعاصرة وقياداته الجديدة للتأكيد في أكثر من فرصة أنَّ الحزب يشتغل داخل القانون، وأنه سيتم التشديد في مسألة الترشح باسم الحزب، في محاولة لمحو العلاقة السابقة مع مسؤولين فاسدين خلفَ القضبان.
فهل سينجح الحزب في محو هاته العلاقة التي امتدت لسنوات طويلة؟ وإذا ما نجح في ذلك هل سينجح في التقليص من صورة العلاقة بالسلطة والأعيان التي ظلت لصيقة له لسنوات طويلة؟