من نواكشوط إلى دكار… شاعرية متاعب السفر في أفريقيا 2/3 - Marayana - مرايانا
×
×

من نواكشوط إلى دكار… شاعرية متاعب السفر في أفريقيا 2/3

أؤمن أن طيبة القلوب تظهر في سحنة الوجوه. عندما تبادلت أطراف الحديث مع سنغاليين خلال الطريق، لامست صدقهم وبساطتهم. تنبيهي لعدم وضع التذكرة في الجيب الخلفي لتفادي السرقة. مسارعة خمسة سنغاليين لإنقاذي بعد أن علقت رجلي في مستنقع؛ هي أكثر من تفاصيل… بل أملٌ في أن البشر يمكن أن يعيشوا دون “دغل”، ومشاعر مسمومة، وعلاقات سامة.
السائق يعيد تشغيل السيارة كل نصف ساعة، يتوقف دون تبرير، يدخل الطريق السيار على بعد أربعين كيلومترا من الوصول لدكار ثم يغادره. تشعر أنه إنسان يمكن أن يفعل ما يشاء وقت ما شاء.

بعدما تعرفنا في الجزء الأول على تفاصيل الرحلة من الصحراء المغربية إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط، نكتشف، في هذا الجزء الثاني، الشق الأكثر صعوبة وإثارة في هذه الرحلة البرية في اتجاه السنغال.

… استيقظت. لم أتأمل صباح نواكشوط كثيرا. الصباح عدو أبدي للتأمل. إنه وقت الجلبة، وملاحقة وسائل النقل، ولجم التثاؤب اليائس.

حملت أغراضي من النزل وبحثت عن سيارة مهترئة تنقلني إلى “روسو موريتانيا”، المنطقة الحدودية لموريتانيا مع السينغال.

الشكوك حول مسار العبور للسنغال (هناك مئات الشهادات لسياح تعرضوا للنصب في معبر روسو، خصوصا أصحاب السيارات والدراجات) جعلت لمغادرتي موريتانيا شعورا باردا… محروما من التأملات الأخيرة، ولوعة مغادرة الأمكنة.

المحطة الطرقية في نواكشوط، تسمى “كاراج”، الانتظار الطويل في “كاراج روسو”، دام لساعتين، قبل أن يقطعه قدوم الراكب الأخير لحافلة صغيرة، تسع بالكاد لسبعة أشخاص، لكن عشرة أرواح يجب أن تتكدس فيها.

رحلة ثلاث ساعات في طريق يملأها الرحل، والقليل من الخضرة التي تشكل نشازا ساحرا في بلد كله صحارٍ.

التوقف الوحيد كان في مدينة تكنت، لكن مغادرتها كانت مثل عملية قيصرية في طريق مكدسة بالمارة والسيارات.

عند الوصول لروسو، حشرت نفسي مع سنغاليين كي لا يتربص بي المحتالون الذين يتصيدون السياح والغرباء، لأتفاجأ بشخص في مدخل مكتب الشرطة يطلب مني رشوة بـ10 أوقية للدخول، قبل التوجه لمكتب آخر للحصول على ختم مغادرة موريتانيا.

العبور إلى السنغال عبر نهرها كان شاعريا وبسيطا، قارب صغير بـ30 أوقية (كل الأثمنة المذكورة تعود لصيف سنة 2022) ينقل الناس في رحلة لخمس دقائق إلى الضفة الأخرى. توزيع سترات النجاة يجعل من لحظة العبور محاكاة سخيفة لقوارب الهجرة السرية.

ختمٌ وإجراءات بسيطة في ”روسو السينغال”، المنطقة الحدودية للسنغال مع موريتانيا، ثم التوجه لمحطة سيارة الأجرة… مناشدةً لدكار.

تاكسي دكار ليس سيارة أجرة حسب الأعراف: هو مجرد سيارة رونو عتيقة أهلكها الزمن. 7500 فرنك أفريقي للوصول لأهم مدينة في بلد التيرنغا.

الطريق للعاصمة السنغالية كان ساحرا. طبيعة خلابة، متخمة بخضرة آسرة، في مسار يمر على مدن شهيرة كسان لويس وتييس.

أؤمن أن طيبة القلوب تظهر في سحنة الوجوه. عندما تبادلت أطراف الحديث مع سنغاليين خلال الطريق، لامست صدقهم وبساطتهم. تنبيهي لعدم وضع التذكرة في الجيب الخلفي لتفادي السرقة. مسارعة خمسة سنغاليين لإنقاذي بعد أن علقت رجلي في مستنقع؛ هي أكثر من تفاصيل… بل أملٌ في أن البشر يمكن أن يعيشوا دون “دغل”، ومشاعر مسمومة، وعلاقات سامة.

السائق يعيد تشغيل السيارة كل نصف ساعة، يتوقف دون تبرير، يدخل الطريق السيار على بعد أربعين كيلومترا من الوصول لدكار ثم يغادره. تشعر أنه إنسان يمكن أن يفعل ما يشاء وقت ما شاء.

في مشهد هوليودي، وقبل وصولنا الوشيك للمعبر الحدودي روسو، جاء شخص يمتطي دراجة نارية، واستلم جميع جوازات سفر الراكبين. اكتشفت بعد ذلك أنه رجل سلطة، ويمكنني استعادة جوازي عند الوصول، والحصول على ختم دخول السنغال من الشرطة.

دكار

الحلم…

يتلاشى تعب الطريق الطويل أمام دفء شعور الوصول لصقع بعيد في العالم (على الأقل، عالمي الصغير والحميمي).

ختمت يومي بتأمل مقولة في حائط استقبال الفندق: “السفر هو الشيء الوحيد الذي تشتريه ويجعلك أغنى”.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *