اليوثانية (Euthanasia) أو “القتل الرحيم”: الحق في الموت؟ 2/1
تشكل اليوثانية إحدى أهم المظاهر الخلافية للعصر الحديث. فبين مؤيدين يرون أن لها من المميزات الكثير ويسعون بذلك إلى إقرارها قانونيا، وبين معارضين للفكرة برمتها وفي مقدمتهم الديانات الثلاث، يقع هذا الملف الذي سنحاول من خلاله سبر أغوار هذا الموضوع الشائك.
أقسم أبو الطب (أبقراط) ذات يوم أنه لن يعطي عقارا مميتا لأي إنسان سأله إياه. منذ ذلك الحين، تناط بالأطباء مهمة أساسية هي الحفاظ على الحياة لا العكس.
غير أنه، منذ مطلع القرن الماضي، يبدو أن تحولا جذريا سيطرأ على “الفهم الوجودي” لهذه المهنة؛ ذلك أن بعض الجمعيات الأمريكية ستتأسس على فكرة “الحق في الموت”، ستدعو إلى منح الإنسان حق تقرير مصيره فيما يخص الموت، لكن ليس بالانتحار هذه المرة، وإنما بما يسمى “اليوثانية”؛ أو”القتل”/”الموت” الرحيم.
يرى عدد من المهتمين أن لليوثانية جذورا تاريخية غابرة ترجع إلى الحضارة الإغريقية القديمة، إذ أنه كان من المتداول آنذاك قتل المواليد الذين يزدادون بتشوهات خلقية، كما كان مسموحا بمساعدة المرضى وذوي الجروح الخطيرة على إنهاء حياتهم.
يقول الكاتب الألماني “غوته”: “إن الدور الوحيد للطبيب هو الحفاظ على الحياة بصرف النظر عن قيمة الحياة في نظره، إذ أن ذلك ليس من اختصاصه، فإذا ترك الطبيب لنفسه تقييم قيمة حياة مريضه مرة واحدة، فإنه سيصبح بلا شك أخطر رجل في الدولة”. بينما يرى توماس هوردر عكس ذلك، أن “من واجب الطبيب إطالة أمد الحياة، لكن ليس من مهامه إطالة أمد الموت”.
اقرأ أيضا: وسط غياب دراسات مفسرة… ظاهرة الانتحار في المغرب تتفاقم في صمت! 2/1
هكذا، تشكل اليوثانية إحدى أهم المظاهر الخلافية للعصر الحديث. فبين مؤيدين يرون أن لها من المميزات الكثير ويسعون بذلك إلى إقرارها قانونيا، وبين معارضين للفكرة برمتها وفي مقدمتهم الديانات الثلاث، يقع هذا الملف الذي سنحاول من خلاله سبر أغوار هذا الموضوع الشائك.
اليوثانية قتل… ولكنه رحيم!
اليوثانية (Euthanasia)، كلمة إغريقية الأصل، وهي تتكون من مقطعين، Eu وتعني الرحيم أو المُيسّر، ثم Tathanos أي الموت أو القتل. بالتعبير العلمي المعاصر، هذه الكلمة يقصد بها تسهيل موت الشخص المريض الميؤوس من شفائه بناءً على طلب ملح منه مقدم للطبيب المعالج.
للقتل أو الموت “الرحيم” حسب مجموع المراجع التي تتناوله، تطبيقات مختلفة يمكن تلخيصها في أربعة، أولها القتل الفعال، ويكون عن طريق إعطاء المريض جرعة قاتلة من بعض المواد كالمورفين أو السيانيد بنية وضع حد لحياته أو معاناته، ويتفرع إلى ثلاث حالات، أولها الحالة الإرادية، أي أن المريض نفسه في كامل قواه العقلية يكتب طلبا يلح من خلاله على الرغبة في الموت أو بناءً على وصية مكتوبة كتبها سابقا. الحالة الثانية وهي اللاإرادية، يفقد فيها المريض وعيه وتتم عملية القتل/ وضع حد للمعاناة بناءً على تقدير الطبيب أو ولي أمره، إذا رأوا أن القتل/ الموت في صالحه. ثم الحالة الثالثة هي حالة يكون فيها المريض غير عاقل، ويتخذ قرار وضع حد لحياته/معاناته بواسطة الطبيب المعالج.
اقرأ أيضا: أسماء بن العربي تكتب: أنت مغربي؟ لا تمرض من فضلك
يقول الكاتب الألماني “غوته”: “إن الدور الوحيد للطبيب هو الحفاظ على الحياة بصرف النظر عن قيمة الحياة في نظره، إذ أن ذلك ليس من اختصاصه، فإذا ترك الطبيب لنفسه تقييم قيمة حياة مريضه مرة واحدة، فإنه سيصبح بلا شك أخطر رجل في الدولة”.
التطبيق الثاني لليوثانية هو المساعدة على الانتحار، إذ يقوم المريض بوضع حد لحياته بواسطة توجيهات من شخص آخر، إما بواسطة وسائل أو معلومات، تساعده على الموت. أما تطبيق اليوثانية الثالث فهو الموت غير المباشر، ويعني أن يعطي الطبيب أدوية مسكنة للآلام للمريض، قد يضاعفها بغرض السيطرة على الآلام أحيانا بالرغم من معرفته بأنها قد تؤدي إلى موت المريض. وأخيرا، القتل/الموت غير الفعال، ويتم برفع الأدوات التي تحافظ على حياة المريض كأجهزة التنفس الاصطناعي مثلا، بعد أن يكون قد حكم بموت دماغه ولا أمل في استعادة وعيه.
الجذور التاريخية
يرى عدد من المهتمين أن لليوثانية جذورا تاريخية غابرة ترجع إلى الحضارة الإغريقية القديمة، إذ أنه كان من المتداول آنذاك قتل المواليد الذين يزدادون بتشوهات خلقية، كما كان مسموحا بمساعدة المرضى وذوي الجروح الخطيرة على إنهاء حياتهم.
إلا أنه منذ تلك الحقبة، ظلت فكرة القتل/الموت الرحيم في سبات عميق إلى حدود بدايات القرن الماضي، تحديدا سنة 1906، عندما قدمت بالولايات المتحدة الأمريكية مُسَوّدة أول مشروع قانون للقتل الرحيم، ولكنها قوبلت بمعارضة شديدة.
اقرأ أيضا: زكية حادوش: الصيدلي إسكوبار… في الصحةِ والصيدلةِ وقوانينِ عام الفيل!
سنة 1920، سينشر كتاب بألمانيا يتضمن صورا لمجموعة من الأشخاص غير الأسوياء، واعتبرها الكتاب صورا لحياة لا تستحق أن تعاش ويجب محوها من أجل نقاء العرق البشري. بناءً على ذلك، سيتبنى النازيون هذا المعطى وسيقوم أدولف هتلر سنة 1939 بتشجيع الأطباء على إهمال المرضى حتى موتهم.
تعتبر هولندا اليوم أول دولة في العالم شرعت القتل/ الموت الرحيم قانونيا، سنة 2001، غير أنها حددت شروطا صارمة لهذا الأمر. وتعرف دول أخرى بتساهلها مع القتل الرحيم من خلال تجاوزها عن الثغرات القانونية التي يستغلها البعض للقتل/الموت الرحيم، كالدانمارك والسويد وسويسرا، وكذا أستراليا.
فيما بعد، زارت مجموعات من المستشارين المستشفيات لتقرير من يموت، وقاموا بإرسال هؤلاء إلى مراكز للقتل الرحيم. ولم يتوقف برنامج القتل الرحيم هذا إلا بعد تزايد النقد الشعبي له. غير أننا هنا، لم نكن أمام نقاش سؤال الموت الرحيم كما هو مطروح اليوم، ولكننا بالأساس، كنا أمام إيديولوجية عنصرية مارست القتل باسم العرق النقي.
بعد ذلك، توالى تأسيس جمعيات الموت الرحيم بشكل محتشم في بعض دول العالم. ففي سنة 1975 مثلا، ظهرت في هولندا حركة الموت الرحيم، فأنشأت صندوقا لمساعدة الأشخاص الراغبين في وضع حد لحياتهم، وقد تلقت 25 طلبا للمساعدة غداة تأسيسها.
بالمقابل، ظهرت جمعيات أخرة تناهض هذه الفكرة لدواع إنسانية، كـ”المنظمة العالمية لمناهضة القتل الرحيم”، ومنظمة “لسنا موتى بعد”.
إلى ذلك، تعتبر هولندا اليوم أول دولة في العالم شرعت القتل/ الموت الرحيم قانونيا، سنة 2001، غير أنها حددت شروطا صارمة لهذا الأمر. وتعرف دول أخرى بتساهلها مع القتل الرحيم من خلال تجاوزها عن الثغرات القانونية التي يستغلها البعض للقتل/الموت الرحيم، كالدانمارك والسويد وسويسرا، وكذا أستراليا.
في الجزء الثاني: كيف تنظر الديانات الثلاث إلى اليوثانية؟ وهل تعد الأخيرة تخليصا للمريض من آلامه الجسدية والنفسية التي ما عاد يطيقها، أم أنها تحد للمشيئة الإلاهية؟
لقراءة الجزء الثاني: الموت الرحيم: تخليص للمريض أم تحد للمشيئة الإلاهية؟ 2/2