الفودكا: قصة ماء حياة روسيا
ليست الفودكا مجرد مشروب عادي، ولكنها علامة روسية بامتياز ارتبطت بهذا البلد وبتاريخه حتى غدت وجها له، في هذا المقال نتتبع قصة الفودكا وتاريخها مع روسيا
لا يمكن الحديث عن الفودكا، دون أن تقفز روسيا للأذهان، كما لا يرد اسم روسيا إلا وتأتي الفودكا للذهن…
مشروب أصبح وطنيا، ولقب بماء الحياة، لدرجة دفعت الغرب، خلال الحرب الباردة، إلى اعتباره أحد واجهات الصراع بين المعسكرين.
في هذا المقال، نتعرف على قصة “ماء الحياة” الروسي.
اشتقت كلمة “فودكا” من كلمة “فودا” التي تعني الماء باللغات السلافية. بالتالي، فالفودكا تعني “ماء الحياة”. بحسب بعض الروايات التاريخية، فإن ظهور الفودكا الأول في روسيا يرجع إلى القرن الرابع عشر الميلادي، عندما تذوق وفد روسي في القسطنطينية مشروب روح العنب، فأعجبوا به. حال عودتهم لروسيا… قاموا بصناعة أول جهاز تقطير للكحول.
نظرا لأن مناخ روسيا لا يسمح بنمو العنب، فقد شرع الروسيون في تقطير الكحول من الحبوب والبطاطس، حيث حملت أسماء كالنبيذ المقطر، والنبيذ الساخن، والنبيذ المحترق والنبيذ المر… إلخ. وقد استعمل هذا الكحول في إعداد الصبغات الطبية والعطور، إلى أن جاء “الطاعون العظيم” سنة 1348، والذي جعل كثيرا من الناس يجربون شربه على سبيل العلاج.
اقرأ أيضا: من تاريخ الخمر: ما حكاية تدرج الإسلام في النهي عن شرب الخمر؟ (الجزء الثاني)
بحسب بعض الروايات، فإن راهباً يدعى إيزيدور، قام سنة 1430 بصنع أول وصفة فودكا روسية داخل دير يقع بقلب الكريملين. لكن الأكيد أنه خلال الفترة بين 1448-1478، تم اختراع تكنولوجيا تقطير الكحول من الحبوب والمواد الخام المحلية، وبدأ صنع مشروب محلي على غرار الكونياك الفرنسي والويسكي الاسكتلندي، والذي انتشر بشكل واسع. هذا الانتشار السريع دفع القيصر إيفان الثالث إلى سن قانون سنة 1478 تحتكر الدولة من خلاله إنتاج “النبيذ من الحبوب”، وفي عهده ظهرت الحانات للمرة الأولى.
القرن التاسع عشر سيشكل نقطة مفصلية في تاريخ الفودكا، إذ سيتوصل العالم الروسي ديميتري ماندلييف للتحديد العلمي لأفضل نسبة للكحول المستخدم في الفودكا بين 40 و60 بالمئة، كما قدم أطروحته لنيل درجة الدكتوراه “حول خلط الماء بالكحول”.
خلال عهد الإمبراطور بطرس الأول (بيير الكبير)، وبفضل إصلاحاته التي حولت روسيا من قيصرية إلى امبراطورية، عمل الأخير على تشجيع استهلاك الروسيين للكحول بسبب المداخيل الضخمة التي كانت تجنيها الدولة منه. كما عمل على تقنين شرب الروس له، إذ عرفت عنه قولته: “لا يجب أن نشرب لا قليلا، ولا كثيرا… فقط القدر الكافي”، كما أنشأ “ميدالية الخزي للعربدة”، وهي عبارة عن ميدالية تزن أزيد من ست كيلوغرامات، كان يجبر المعربدين على حملها.
ابتداء من سنة 1751، سيحمل الفودكا اسمه الذي عرف به للآن، على عهد الامبراطورة إليزافيتا بيتروفينا. الأخيرة قامت بالسماح للنبلاء بإنتاج الفودكا في ملكياتهم، مقابل رسوم يدفعونها نظير ذلك، وهو ما ساعدها على محاربة الإنتاج السري للكحول، كما ساهم في ظهور العديد من أنواع وأصناف الفودكا الروسية.
في سنة 1789، اقترح الكيميائي المعروف في سانت بطرسبرغ “توفي لوفيتس”، استخدام الفحم لتصفية مشروب الفودكا من أجل تحسين جودته، كما بدأ التركيز على البطاطس في تقطير الكحول أكثر من باقي الحبوب، لكلفة الأولى المنخفضة.
القرن التاسع عشر سيشكل نقطة مفصلية في تاريخ الفودكا، إذ سيتوصل العالم الروسي ديميتري ماندلييف للتحديد العلمي لأفضل نسبة للكحول المستخدم في الفودكا بين 40 و60 بالمئة، كما قدم أطروحته لنيل درجة الدكتوراه “حول خلط الماء بالكحول”.
سنة 1978، ستنشب معركة أخرى حول الفودكا الروسية، وصلت إلى التحكيم الدولي، إذ اعتبرت عدد من الدول الغربية أن بولندا كان لها حجر السبق في ظهور الفودكا، قبل روسيا؛ لتنشب بين البلدين معركة حول إثبات أقدمية الفودكا عندهما.
ألغي احتكار الدولة للفودكا من طرف القيصر نيكولاي الأول سنة 1828، حيث ظهرت للوجود علامة سميرنوف الشهيرة. كما تم تسجيل أول براءة اختراع للفودكا باسم “موسكو الخاصة” سنة 1894.
مع مطلع القرن العشرين، وأمام شيوع الكحول وتأثيرها على الجنود الروس المشاركين في الحرب العالمية الأولى، اضطرت الحكومة إلى فرض حظر على إنتاج وبيع الفودكا أواخر سنة 1914. استمر العمل بهذا القانون حوالي عشر سنوات، إلى غاية 26 غشت 1923، عندما ألغى جوزيف ستالين قرار حظر الفودكا، التي أصبحت تعتبر مشروبا وطنيا.
خلال سبعينيات القرن الماضي، ستدخل الفودكا صراع الحرب الباردة، إذ عمل المعسكر الغربي على مقاطعة الفودكا الروسية، وقام بالتشكيك في أحقية نسبتها لروسيا. استندت الدول الغربية في ذلك على قانون الحظر الذي سنته روسيا سنة 1914. عدد من الشركات طالبت، إثر ذلك، بأحقية امتلاك العلامة التجارية للفودكا، وهو ما رد عليه الاتحاد السوفياتي، معتبرا أن قانون الحظر لسنة 1914 يؤكد وجود صناعة الفودكا قبلها.
سنة 1978، ستنشب معركة أخرى حول الفودكا الروسية، وصلت إلى التحكيم الدولي، إذ اعتبرت عدد من الدول الغربية أن بولندا كان لها حجر السبق في ظهور الفودكا، قبل روسيا؛ لتنشب بين البلدين معركة حول إثبات أقدمية الفودكا عندهما. هذه المعركة استعملت فيها المخطوطات والوثائق القديمة، وتمكن الاتحاد السوفياتي من حسم الخلاف بعد أربع سنوات، إثر تقديمه لوثائق تِؤكد ظهور الفودكا عنده على الأقل سنة 1430، في حين عجز البولنديون عن تقديم وثائق حول الفودكا قبل القرن السادس عشر.