التريب (TRIP)… رحلة استكشاف وعلاج وقصص إنسانية خلف الجبال - Marayana - مرايانا
×
×

التريب (TRIP)… رحلة استكشاف وعلاج وقصص إنسانية خلف الجبال

“من التجارب المؤثرة والتي أتذكرها باكيا، هي حينما أكون بالقرى البعيدة ألتقي أناساً بُسطاء، يقدمون لي الطعام، يدعونني لجلسات الشاي وللحلول ضيفا عندهمك رغم العوز والفقر وقصر اليد، إلا أنهم كرماء وبيوتهم كثيرة الرماد مناطق التخييم في المغرب”.
عن التريب (TRIP)

يقول الأديب توماس ستيرنز إليوت: “ارتحلوا… انطلقوا أيها الرحالة، فأنتم لستم نفس الأشخاص عند بدء الرحلة”.

هكذا حاول إليوت أن يعبر عن تجربة السفر، التي تقدم دروسا للمسافرين…

ماذا إن كان هذا السفر بطعم المغامرة والترحال؟ سيكون أجمل بكثير!

“التريب” (Trip) نوع من المغامرات، فالتريب، أو الترحال، وسيلة رائعة للهروب من روتين الحياة اليومية واستكشاف ثقافات جديدة ومشاهدة معالم سياحية رائعة، وعيش تجارب جديدة عصية على الفهم دون اكتشافها عن قرب.

بغض النظر عن الوجهة التي يختارها الناس، فإن “التريب” يوفر فرصةً للتعلم الذاتي؛ طرق الحياة، العادات وغيرها. التريب هو اكتشاف لأشخاص جدد، تكوين صداقات، بحث عن أماكن للراحة أو التداوي، وأحيانا من أجل أنشطة تطوعية.

ملاذ وعلاج نفسي

تجربة وليد في التريب والتخييم كانت منذ الصغر. يقول: “بحكم انتمائي لمدينة زاوية الشيخ (إقليم بني ملال)، مدينة الماء والوديان والطبيعة، كنا نسترق بعض اللحظات للتخييم أياما معدودة، إما في نهر أم الربيع أو شلالات بويكنداز بالمنطقة. هكذا انطلقت شرارة عشق التريب لدي”.

يعتبر وليد أن “الأصل في كل هاته التجارب، أنها تجاربُ وجودية أكتشف فيها عوالم جديدة، مناطق صعبة وأناساً جدد”.

حسب وليد، فأن “التريب” لا يعني السفر والترحال والتخييم فقط، بل هو ملاذ، “وبحكم أنني مصاب باضطراب المزاج، كان اللجوء إلى بحيرة أݣلمام أزݣزا لمدة 10 أيام، ملاذا أقرب لعزلة روحية أثرت عليَّ جسديا ونفسيا”.

يقول المتحدث، “خضت تجارب عديدة في مناطق مختلفة، شرقا وغربا وجنوبا، كانت من بينها رحلات الجنوب الشرقي: طاطا، كلميم، طنطان وصولاً إلى بوجدور. أذكر، مثلا، أن أصعب تجربة عشتها، كانت في منطقة قرب طاطا. كنا نقطع مسافات طوال للحصول على الماء للشرب”.

عيش وتقبل الآخر

أيوب هو كذلك من عشاق التريب، يسافر بدراجته التي أسماها منار ودميته كمال. يؤكد أيوب في حديث لمرايانا أن التريب هو “تجربة نحبها بشغف كبير دون أن نشعر بذلك، كل واحد منا يهوى السفر، يرغب بعيش تجربة جديدة والتعرف على أناس جدد. خلال السفر تكتشف ثقافات جديدة، أناساً جدد… يبقى الاختلاف في الصيغة والوسيلة، إما عن طريق الأوطوسطوب أو عبر الحافلة وغيرها”.

يقول أيوب: “عشقي للسفر يدفعني للبحث عن تجارب كل مرة، إلى أن جربت السفر عبر الدراجة الهوائية. كانت بدورها تجربة تعاشُ ولا تحكى، وفي القريب سأسعى للسفر عبر وسيلة لم يسبق أن جربها المسافرون وهواة التريب”.

حسب أيوب، فأن “التريب مدرسة؛ علمني اكتشاف قدراتي في الصبر، القوة، التحمل، خصوصا إذا ذهبت وحدك كما هو الحال بالنسبة لي. أسافر دوما وحدي. هكذا أجد راحتي، أستمتع أكثر، أكتشف قدراتي، أكتشف أفكار جديدة”.

“علمني التريب أن أحدث كل الناس، أتقاسم معهم عشقي للسفر.” هكذا تحدث أيوب الذي يضيف أن: “السفر يفتح الروح على آفاق أجمل، تعلمت احترام الاختلاف انطلاقا من لقائي مع أناس يختلفون عني في الدين، الثقافة، اللغة وغيرها”.

التريب بالنسبة لأيوب هو الاعتماد على النفس، “أن تُعد فطورك وحدك وتفكر بغيرك، أن تجد حلولاً لأي مُشكل قد يُصادفك؛ المبيت في العراء، إيجاد المكان المناسب لبناء خيمتك، أحوال الطقس، كل ما تقوم به وحدك في رحلتك”.

يضيف أيوب: “من التجارب المؤثرة والتي أتذكرها باكيا، هي حينما أكون بالقرى البعيدة ألتقي أناساً بُسطاء، يقدمون لي الطعام، يدعونني لجلسات الشاي وللحلول ضيفا عندهمك رغم العوز والفقر وقصر اليد، إلا أنهم كرماء وبيوتهم كثيرة الرماد”.

أصعب تجربة مررت بها، يقول أيوب، “حين كنت بنواحي بني ملال في منطقة إمسفران. لم أصعد باكرا فوصلت القمة في الظلام. أردت الهبوط فإذا بي أكتشف أن بطارية هاتفي قد نفدت، كما أني لم أحمل معي ما يكفي من الطعام ومعدات الماء”.

“قضيت وقتا طويلا في الطريق، وقد نال مني العياء والجوع، واضطررت لتغيير الطريق بسبب الوادي الذي لا يمكن أن أعبره هكذا. بعد سير طويل، عدت للطريق وصولا إلى المكان الذي وضعت به خيمتي. كانت هاته أصعب تجربة مررت بها”.

تِرحال وتطوُّع

للتريب أبعاد متعددة، إما قصد الترحال والبحث عن تجارب وجودية، كما هو الحال عند أيوب ووليد، أو لأغراض أخرى. بالنسبة لمحمد العبودي، وهو رئيس جمعية “المتطوعون الرُّحل”، رأيا آخر، فإن التريب هو أيضا وسيلة للاشتغال في المناطق النائية.

يقول محمد في حديثه لمرايانا إنه يشتغل في مجالي الصحة والتعليم في المناطق المهمشة التي “نتعرف عليها خلال تجاربنا السفرية. مناطق قد نعجب بأجوائها الباردة والصعبة، غير أننا نكتشف أن أهاليها يعانون بشكل كبير، وهو ما دفعنا لخوض هاته التجربة”.

من هنا، كانت فكرة زيارة هاته المناطق ومساعدة الأهالي وتقديم خدمات تطوعية، وتقديم الدعم للأطفال، من خلال تجهيز مكتبات وغيرها، وتنظيم قوافل طبية للمرضى في هاته المناطق التي تعرف صعوبات في الطقس وصعوبة المسالك وغيرها.

التريب ليس عشوائيا

حمزة بابوري، مهتم بالتريب ومعد محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، يتقاسم من خلاله تجربته في التريب، ويقدم نصائح للمهتمين، واللوازم الخاصة بكل رحلة، يحكي تجربته لمرايانا معتبرا هو الآخر أن التريب تجربة وثقافة.

“تجربتي كانت في البداية مع شباب خبروا التريب. تعلمت معهم الأساسيات وبدأت بعدها أتعلم وأشتري معدات الترحال، هكذا بدأت أكتسب تجاربَ، وبدأت أتقاسمها مع المهتمين من خلال إنتاج محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي”. يقول حمزة.

بالنسبة لحمزة، التريب هو ثقافة جديدة أصبحت تنتشر اليوم، إلا أن هناك عشوائية في التعاطي معه، تشكل خطرا على أصحابها، خصوصا حين يسلكون طرقا صعبة لا يعرفون عنها الكثير، وأساسا منها بعض المناطق في الجبال، والتي تستوجب الحيطة والحذر.

يورد حمزة أن من أصعب التجارب التي مر بها: “كنت نواحي دمنات (إقليم أزيلال) وكانت هناك عاصفة ثلجية، كنا حينها بالجبل فانعدمت الرؤيا، ولم نعد نعرف أي طريق نسلك وأي اتجاه… وفي أي مكان نحن”.

هي تجارب وجودية ومنفردة يلجأ من خلال رواد التريب إلى الجبال بحثا عن حياة أخرى هروبا من مشاق وأتعاب الحياة اليومية. وفي أحيانَ أخرى يكون التريب فرصة لاكتشاف عوالم جديدة وخوض رحلات وأسفار تطوعية وفي قوافل إنسانية. فالترحال ليس متعة فقط وإنما غوص في التاريخ والثقافة والتعرف على هويات واكتساف أناس يعيشون في مناطق نائية.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *