هدرٌ واحتجاج ورفض لـ “التجميد”: التعليم بالمغرب إلى أين؟ - Marayana - مرايانا
×
×

هدرٌ واحتجاج ورفض لـ “التجميد”: التعليم بالمغرب إلى أين؟

بعد المحاولات الرامية إلى إيجاد حلول، فُرض على الأساتذة والأستاذات الدخول في احتجاجات تصعيدية، فيما يمكن العودة لمَقرات العمل في أقرب وقت، بعد تسوية الأوضاع، وفي حالة ما استجابت الحكومة لمطالب الشغيلة التعليمية، التي تُعتبر مطالب مشروعة وطبيعية، لتعلقها بتوفير الكرامة لعموم نساء ورجال التعليم وتسوية الملفات العالقة بالالتزام بالاتفاقات السابقة.

تتواصل احتجاجات الأساتذة والأستاذات، في ظل تزايد الرفض لمخرجات الحوار الذي عقده رئيس الحكومة عزيز أخنوش، مع النقابات يوم الإثنين 27 نونبر، في محاولة لإيجاد حل لملف التعليم.

الحكومة عبَّرت عن استعدادها لما سماه البعض تجميدا، في حين أن الواضح لحدود الآن، أن الأمر يتعلق فقط، بتعديل النظام الأساسي، ‏وتضمينه تحسينَ دخل موظفات وموظفي القطاع. كما قالت الحكومة إنها ستتوقف عن الاقتطاع من أجور رجال ونساء التعليم. وقال رئيس الحكومة، عقب اجتماعه مع النقابات التعليمية، إنه جرى التجاوب مع العديد من مطالب النقابات، والتشديد على ضرورة استئناف الدراسة.

أخنوش قال إن اللجنة الوزارية ستعقد اجتماعات لمناقشة تعديل النظام الأساسي والعمل على إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المطروحة. فيما تم تحديد تاريخ 15 يناير المقبل كموعد نهائي من أجل التوافق بين جميع الأطراف حول النظام الأساسي الجديد لموظفي التربية الوطنية.

في سياق متصل، لم تقف شرارة الاحتجاج عند الشغيلة التعليمية، وزادت حدتها في بعض المدن رفضاً لقرار “التجميد”، الذي اعتبرته الشغيلة التعليمية “تهربا” للحكومة من إيجاد حلول لملف التعليم.

واشترط الأساتذة، مقابلَ عودتهم للأقسام، الاستجابة للمطالب المرفوعة، بدلَ التنصل من المسؤولية، متهمين شكيب بنموسى بمحاولة الالتفاف على مطالب الأساتذة لربح الوقت، ومحملين كذلك مسؤولية هدر الزمن المدرسي للحكومة والجهات الوصية.

اتهامات متبادلة… والضحية واحد

في المقابل، لا زالت عدة مُدن مغربية تشهد احتجاجات لآباء وأمهات وأولياء التلاميذ، الذين دعوا إلى إيجاد حلول لعودة الأساتذة والأستاذات للمدارس، واستمرار الدراسة، منددين بهدر الزمن المدرسي.

هذا وخاض أولياء التلاميذ، يوم الثلاثاء 28 نونبر 2023، وقفة احتجاجية أمام وزارة التربية الوطنية بالرباط، مطالبين بالاستجابة لمطالب الأساتذة، وداعين إلى عودة التلاميذ للأقسام والعمل على إيجاد حل للنظام الأساسي بدلَ تجميده.

الحكومة سبقَ وأشعلت فتيل الاحتجاج عبر ناطقها الرسمي مصطفى بايتاس، ولم تكن تبدِ أي استعداد للجلوس لطاولة الحوار مع الأساتذة والأستاذات، حيث قال بايتاس، في لقاء سابق، إن الحكومة ستتجه نحو الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل رفضا للنظام الأساسي الجديد.

في ظل هذا الوضع، يطفو على السطح، تبادل الاتهامات بهدر الزمن المدرسي، حيث توجه العديد من الأطراف أصابع الاتهام نحو الشغيلة التعليمية، معتبرين أن الأساتذة مسؤولين عن هذا الهدر، فيما يعتبر آخرون أن الوزارة الوصية هي التي أوصلت الشغيلة التعليمية إلى نفق مسدود وهي المسؤولة عن إغلاق الأقسام.

دفعٌ نحو الإضراب

عبد الوهاب السحيمي، فاعل تربوي، يقول في حديث لمرايانا، إنه في ظل هاته الوضعية المتسمة بالأزمة، تطفو على السطح اتهامات حول هدر الزمن المدرسي، يكون الأستاذ، في الغالب، محورها.

حسب السحيمي، فهي اتهامات متوقعة، إذ بحسبه، ليست هذه المرة الأولى التي يُتَّهم فيها الأستاذ بكونه سبباً في هدر الزمن المدرسي. نساء ورجال التعليم اليوم، يواصل المتحدث، حريصون كل الحرص على مصلحة المتعلم، وهو ما يؤكده انتظار وعدم خوض الشغيلة التعليمية لمعارك نضالية، طيلة سنتين قبل الآن.

يقول السحيمي: “كنا ننتظر من الحكومة أن تُسرع لتسوية الملفات العالقة؛ غير أنها، للأسف الشديد، عوض أن تُبادر بالحل، تفاجأنا بأنها سارعت لإصدار هذا النظام الأساسي المعيب والتراجعي، الذي قضى على ما تبقى من مكتسبات ورجال التعليم”.

حسب المتحدث، فبعد المحاولات الرامية إلى إيجاد حلول، فُرض على الأساتذة والأستاذات الدخول في احتجاجات تصعيدية، فيما يمكن العودة لمَقرات العمل في أقرب وقت، بعد تسوية الأوضاع، وفي حالة ما استجابت الحكومة لمطالب الشغيلة التعليمية، التي تُعتبر مطالب مشروعة وطبيعية، لتعلقها بتوفير الكرامة لعموم نساء ورجال التعليم وتسوية الملفات العالقة بالالتزام بالاتفاقات السابقة.

يقول الفاعل التربوي: “آمل أن تُسوى الوضعية للعودة بسرعة لمقرات أعمالنا. غير ذلك، فنحن مجبرون على الاستمرار. ما نؤكد عليه، أنَّ قلوبنا على المصلحة المتعلم. لكن المؤسف أن للحكومة رأيا آخرا وهي تدفعنا قصرا للذهاب في أشكال احتجاجية”.

احتجاج أوقاتَ الفراغ

مصطفى الكهمة، عضو لجنة الإعلام “للتنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد”، يؤكد خلالَ حديث لمرايانا أنَّ المعارك التي خاضتها الشغيلة التعليمية لم تكن من خلال الإضراب، وذلك من أجل المحافظة على الزمن المدرسي للتلاميذ والتلميذات.

يؤكد مصطفى الكهمة أن بداية الاشكال الاحتجاجية كانت خارج أوقات العمل، أي خارج الزمن المدرسي للتلميذات والتلاميذ، من خلال وقفات ومسيرات احتجاجية خلال أيام الأحد والعطل، مرورا لاحتجاجات خلال فترات الاستراحة فقط.

حسب المتحدث، في ظل نهج سياسة الآذان الصمَّاء من طرف الوزارة الوصية، وسياسة تغليط الرأي العام الوطني وتغليط الاساتذة والاستاذات، من خلال خرجات إعلامية لممثلي وزارة التربية الوطنية، لجأت الشغيلة التعليمية الى إضراب إنذاري لمدة يوم واحد فقط حتى تستجيب الجهات المعنية للمطالب العادلة والمشروعة.

مُجبرون لا مُخيَّرون

يقول مصطفى الكهمة: “في ظل التجاهل والتغليط، وجدت الشغيلة التعليمية نفسها مجبرة على الاحتجاج من خلال الإضراب، وهو ما يتم الاجهاز عليه من طرف الحكومة والوزارة من خلال فرض الاقتطاعات من الأجور.

الجدير بالذكر في هذا الجانب أن الاقتطاع من أجور المضربين يتم وفق قانون مؤطر، كما أنه ممارسة تعرفها عدد من الدول الديموقراطية، وهو محط نقاش في عدد من البلدان وليس المغرب فقط.

حسب عضو التنسيقية، فإننا أمام ازدواجية متمثلة في ضرب الحقوق والمكتسبات، وضرب الحق في الإضراب والمطالبة بالحقوق، وهذا اتجاه نحو ضرب حق التلميذات والتلاميذ في تعليم قار ومجاني، من خلال استهداف وزارة التربية الوطنية الشغيلة التعليمية عبر فرض النظام الأساسي.

السؤال المطروح، وفق المتحدث، هو: كيف يمكن أن نضمن تعليما قارا وذا جودة للتلميذات والتلاميذ، في ظل وضع مهني مُزري للشغيلة التعليمية؟ الأكيد أن هنالك تناقضاً كبيرا بين هذين المعطيين.

يتجه المتحدث إلى أنه لا يمكن إنجاح شعارات جودة المنظومة التعليمية التي تتبجح بها الوزارة الوصية، في ظل وضع مزري للشغيلة التعليمية، لأن أهم شرط لتوفر التعليم الجيد والمستقر للتلاميذ والتلميذات، هو اشتغال الشغيلة التعليمية في ظروف ملائمة. بانعدام هذا الشرط، يقول المتحدث، ينعدم وجود تعليم مجاني ومستقر وبجودة.

احتقان مُستمر ومتزايد في ظل استمرار تصعيد الأطر التعليمية، وتزايد التنديد بما آلت وما ستؤول إليه الأوضاع، خصوصا بعد الحوار مع النقابات، والذي أفضى إلى تجميد النظام الأساسي. هذا التجميد الذي لم يقبله الأساتذة.

فهل تتجه الحكومة بعد هذا الرفض إلى الجلوس إلى طاولة الحوار مع التنسيقيات وتجاوز النقابات، التي تطالها انتقادات كثيرة من لدن الأساتذة في الآونة الأخيرة، معتبرين أن التنسيقيات هي الممثل الأوحد للأستاذة؟

في انتظار توفر أجوبة ممكنة خلال القادم من الأيام، يبقى الرقم الوحيد المغيب في معركة كسر الأضلع هذه، هو العنصر الأساسي في المعادلة، التلميذ…

التلميذ، الذي فرض عليه التعليم بالقطاع العام.

وفرض عليه تأدية ثمن معارك لم يخترها… وفرض عليه التواجد خارج المكان الوحيد الذي يفترض أن يكون فيه: المدرسة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *