من الولايات المتحدة الأمريكية، عمر بوم يكتب: مستقبل الديانة اليهودية في نسختها المغربية
لايزال يهود المغرب أينما حلوا وارتحلوا، ومهما استقروا خارج المغرب، يؤمنون بخصوصيتهم الثقافية المغربية والدينية والتي تميزهم سواء في المغرب أو خارجه إلى الآن عن باقي مدارس وفصائل الديانة العبرانية. …
لايزال يهود المغرب أينما حلوا وارتحلوا، ومهما استقروا خارج المغرب، يؤمنون بخصوصيتهم الثقافية المغربية والدينية والتي تميزهم سواء في المغرب أو خارجه إلى الآن عن باقي مدارس وفصائل الديانة العبرانية. غير أن مفهوم الدين عند يهود المغرب، أصبح منذ خمسينيات القرن الماضي عرضة لتأثير مفاهيم يهودية خارجية وعلى راسها طائفة خاباد لوباڤيتش. فكيف دخلت الطائفة للمغرب؟ وكيف أثرت مع مرور الأيام على مغربية الديانة اليهودية؟
يعود ظهور طائفة خاباد لوباڤيتش الى عام 1755 على يد الحاخام شنور زلمان الروسي النشأة، وهي في الأصل منبثقة عن طائفة الحريديم الارثوذكسية.
تشبه خاباد لوباڤيتش، في تراتبيتها التنظيمية، الصوفية من حيت بنائها على نظام يقوم على وراثية وتعاقبية بين ما يسمى عند المتصوفة ببنية الشيخ والمريد، بحيث يؤمن أتباع الحاخامات وأسلافهم عند خاباد لوباڤيتش بوراثية القيادة الدينية. كما يؤمنون بظهور ما يسمى “مشياخ” أو المسيح اليهودي المنتظر والمخلص للطائفة من الدنيا. وكان آخر حاخام عندهم هو مناخيم شنيرزون والدي توفي عام 1994 ودفن في نيويورك ولا يوجد لحد الآن أي رئيس للطائفة حيث يؤمن اتباع خاباد لوباڤيتش بظهور المسيح اليهودي في مكان ما في المستقبل.
في أواخر الخمسينات، طلب مناخيم شنيرزون من الملك محمد الخامس رخصة فتح مقر للطائفة في المغرب. بعد موافقة السلطان، عين الحاخام الأكبر يهودا ليب راسكن ممثله في المغرب حيت استقر في الدار البيضاء عام 1960
كيف نشأت العلاقة بين خاباد لوباڤيتش ويهود المغرب؟ وماهي فوائد وعواقب احتكاك حاخاماتها بيهود المغرب؟
ارتبط تاريخ خاباد لوباڤيتش في المغرب باسم الحاخام “يهودا ليب راسكن”، الذي يعد من الأسماء التاريخية المشهورة عند الطائفة. لقد عمل الحاخام يهودا ليب راسكن لمدة تفوق أربعين عاما ممثلا للطائفة في المغرب. هو من مواليد روسيا سنة 1933.
التقى الحاخام يهودا ليب راسكن في كازاخستان أيام الحرب العالمية الثانية برائد الطائفة الحاخام ليفي إسحاق شنيرزون وابنه مناخيم شنيرزون الذي سيرثه بعد ذلك، وهناك ربط علاقة قوية مع الزعيم الروحي لخاباد لوباڤيتش حيت سيصبح عمليا، خادمه اليومي أو بتعبير المتصوفة مريده المطيع.
بعد وفاة الحاخام ليفي وصعود ابنه مناخيم شنيرزون عام 1951، التحق الحاخام يهودا ليب راسكن بمناخيم في منطقة كراون هايت بنيويورك وأصبح من المقربين للحاخام وواحدا من يعرفون ب “الأولاد الروس” الدين حظوا بثقة الزعيم. في أواخر الخمسينات، طلب مناخيم شنيرزون من الملك محمد الخامس رخصة فتح مقر للطائفة في المغرب. بعد موافقة السلطان، عين الحاخام الأكبر يهودا ليب راسكن ممثله في المغرب حيت استقر في الدار البيضاء عام 1960. يعد مقر خاباد لوباڤيتش في مدينة الدار البيضاء أقدم محطة لطائفة الحريديم الارثوذكسية خارج مقر نشأتها. كما أن المغرب وتونس هما البلدان الوحيدان في العالم حيث يزاول حاخامات الطائفة وأتباعها نشاطهم الديني بحرية ودون أية عوائق.
بحكم عدد المغاربة اليهود الهائل في منتصف القرن الماضي، قررت رئاسة الطائفة التمركز في المغرب لنشر معتقداتها و الحفاظ على البعد الديني اليهودي المغربي، الذي يشبه في بعض مفاهيمه معتقدات وطقوس خاباد لوباڤيتش.
بعد أكثر من أربعة عقود في المغرب خلفت طائفة خاباد لوباڤيتش الأرثوذكسية أثرها على مفاهيم الديانة اليهودية في نسختها المغربية من حيث اللباس وحتى بعض التقاليد والممارسات والتفسيرات الدينية للعديد من الأمور الحياتية.
يعد مقر خاباد لوباڤيتش في مدينة الدار البيضاء أقدم محطة لطائفة الحريديم الارثوذكسية خارج مقر نشأتها.
في وقت بدأ فيه حاخامات ورجال دين يهود المغرب يغادرون المغرب، برزت مجموعة لخاباد لوباڤيتش واشتغلت في صمت وخفاء على الساحة الوطنية لتقديم خدمات اجتماعية واقتصادية وعقائدية على مستوى التراب الوطني، حيت مولت المدراس ووفرت مساعدات للعائلات المعوزة.
اقرأ لنفس الكاتب: فزاعة التقية في زمن الإسلاموفوبيا
بالمقابل، وفيما يخص علاقتها بمؤسسات الدولة، فقد التزمت خاباد لوباڤيتش بمبدأ “الضيف” وتجنبت التدخل في الأمور السياسية والدينية للملكة. كما أن مؤسساتها في مدينة نيويورك استقبلت العديد من المغاربة اليهود الذي هاجروا في أواخر الستينيات إلى أمريكا. ويعتبر الدعاء لملوك المغرب من أساسيات بعض المراسيم الموسمية الدينية عند حاخاماتهم، وهو ما يفسرونه باعترافهم بجميل محمد الخامس.
اليوم، ينتشر حاخامات من أصول مغربية تلقوا تعليمهم الديني في معاهد دينية تدعى يشيڤا في القدس ونيويورك وتورنتو وليون ولوس انجليس وكاراكاس وباناما ستي وبوينوس أيريس وأشدود وأشكلان…
على الرغم من دورهم في الحفاظ على مقومات الديانة اليهودية في نسختها المغربية، إلا أن التركيز على التعليم الديني فقط، يفقد العديد من أطفال العائلات اليهودية، وخاصة النساء من أصول مغربية، فرص الشغل في ميادين علمية مختلفة غير الحقل الديني.
يعتبر الدعاء لملوك المغرب من أساسيات بعض المراسيم الموسمية الدينية عند حاخاماتهم، وهو ما يفسرونه باعترافهم بجميل محمد الخامس
كذلك، وعلى الرغم من النظرة الدونية لأتباع خاباد لوباڤيتش في أمريكا وإسرائيل، فإن وزنهم السياسي في العقود الأخيرة، يبقى أقوى مما كان في الماضي، أيام كان زعيمهم مناخيم شنيرزون على قيد الحياة. فرجال السياسة من قبيل صهر ترامب جريد كوشنير وهيلاري كلينتون، ورجال الأعمال من صنف جاي شوتنستاين ونجوم الرياضة كنجم لوس انجليس لبران جيمس، يزورون مقراتهم ومعابدهم بغية بركتهم؛ فخصوصية الايمان بأهمية زيارة الأضرحة وبركة الأسياد عند يهود المغرب، يعد من مميزات خاباد لوباڤيتش كذلك. هذه الخاصية، إلى جانب خاصية الأرثوذكسية، جعل المغاربة اليهود يتبنون بعض تعاليم مناخيم شنيرزون خاصة في وقت عانوا فيه من عنصرية الأشكناز وعدم قبول مفهومهم الديني في إسرائيل.
يخاف العديد من اليهود المغاربة على مستقبل دينهم الوطني وخصوصيته التي ارتبطت دوما بجدورها المغربية. إلا أن العديد من معتنقيها يرون أن الديانة اليهودية في نسختها المغربية، مادامت محافظة على ارتباطها بتقاليد الهيلولة وميمونة وقراءة التوراة بالطريقة المغربية التقليدية، لا خوف عليها حتى وإن استمرت في احتكاكها اليومي بفصائل يهودية أشكنازية كانت أم سفاردية في المغرب أوخارجه.
مراجع
– Aomar Boum, “A Moroccan Kabbalist in the White House: Understanding the Relationship between Jared Kushner and Moroccan Jewish Mysticism.” Jewish Social Studies 22 (3): 146-157, 2017.
– Gil Daryn, “Moroccan Hassidism: The Chavrei Habakuk Community and the Veneration of Saints.” Ethnology 37 (4): 351-372, 1998.
– Yael Keshet and Ido Liberman, “Seeking Empowerment and Spirituality in the Secular Age: Secular and Traditionalist Israelis Consulting Rabbis.” Sociology 48 (1): 92-110, 2014.
– Daphne Lazar, “Chabad Lubavitch: The Centrality of the Rebbe in the Movement during his Lifetime and after his Death.” M.A. Thesis, Concordia University, Montreal, Canada, 1996.
– Douglas Mitchel and Leonard Plotnicov, “The Lubavitch Movement: A Study in Contexts.” Urban Anthropology 4(4): 303-315, 1975.
– Moshe Shokeid, “From Personal Endowment to Bureaucratic Appointment: The Transition in Israel of the Communal Religious Leaders of Moroccan Jews.” The Journal of the Scientific Study of Religions 19(2): 105-113, 1980.
– Walter Zenner, “Saints and Piecemeal Supernaturalism among the Jerusalem Sephardim.” Anthropology Quarterly 38 (4): 201-217, 1965.
عمر بوم باحث مغربي ـ أمريكي حاصل على الدكتوراه من جامعة أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية. يشتغل حاليا كأستاذ في شعبة الأنثروبولوجيا بجامعة كاليفورنيا بلوس انجليس، متخصص في الأقليات الدينية والعرقية في العالم العربي وشمال افريقيا.