عثمان بن عفان بين سرديات الدفن في مقابر المسلمين واليهود - Marayana - مرايانا
×
×

عثمان بن عفان بين سرديات الدفن في مقابر المسلمين واليهود

انقسم المسلمون حول سردية دفن عثمان بن عفان بين من يقول إنه دفن في حش كوكب، وبين فئة أخرى تعتبر أن هاته السرديات مردها للشيعة، في محاولة للنيل من الصحابة وتاريخهم. بالتالي، يُكَذبون هاته السردية مؤكدين أن المكان المذكور كان في ملكية عثمان، وليسَ مقبرة يهودية كما تدَّعي بعض الروايات.

التاريخ الإسلامي مليء بالسرديات المتضاربة. في الكثير من حكاياته، الحدث واحد… والسرديات عنه كثيرة، مختلفة… ومتضاربة.

في الغالب، يصعب التأكد من صحة هاته السرديات، فلكل واحدة منها مُسوغاتها ومبرراتها. هذا ما وقفنا عنده في حادث وفاة عثمان بن عفان.

انقسم المسلمون حول سردية دفن عثمان بن عفان بين من يقول إنه دفن في حش كوكب، وبين فئة أخرى تعتبر أن هاته السرديات مردها للشيعة، في محاولة للنيل من الصحابة وتاريخهم. بالتالي، يُكَذبون هاته السردية مؤكدين أن المكان المذكور كان في ملكية عثمان، وليسَ مقبرة يهودية كما تدَّعي بعض الروايات.

دفن في الخفاء

يقول ابن كثير في كتاب البداية والنهاية: (وأما موضع قبره، فلا خلاف في أنه دفن بحش كوكب شرقي البقيع). وقال: (ثم كان دفنه ما بين المغرب والعشاء خيفة من الخوارج (رابط نحو مقال الخوارج جزء 1)، وقيل بل استؤذن في ذلك بعض رؤسائهم، فخرجوا به في نفر قليل من الصحابة، وذكر منهم طلحة والزبير وعلي). وقال أيضاً: (وقد عارضه بعض الخوارج وأرادوا رجمه، وإلقاءه عن سريره، عزموا على أن يدفن بمقبرة اليهود بدير سلع، حتى بعث علي رضي الله عنه (رابط نحو مقال حسين الوادعي: علي بن أبي طالب كما لم تعرفه من قبل) إليهم من نهاهم عن ذلك).

أما في “مجمع الزوائد ومنبع الفوائد” لـ “الحافظ الهيثمي”، فنجد: (عن مالك قال: قتل عثمان فأقام مطروحاً على كناسة بني فلان ثلاثاً، وأتاه اثنا عشر رجلاً منهم جدِّي مالك بن أبي عامر، وحويطب بن عبد العزى، وحكيم بن حزام، وعبد الله بن الزبير وعائشة بنت عثمان، معهم مصباح في حُق، فحملوه على باب وإن رأسه تقول على الباب طق طق، حتى أتوا البقيع فاختلفوا في الصلاة عليه فصلى عليه حكيم بن حزام أو حويطب بن عبد العزى شك عبد الرحمن. ثم أرادوا دفنه فقام رجل من بني مازن فقال لئن دفنتموه مع المسلمين لأخبرن الناس غدا، فحملوه حتى أتوا به حِشَّ كوكب، وهو بستان تدفن فيه اليهود موتاها، فلما دلوه في قبره صاحت عائشة بنت عثمان فقال لها ابن الزبير: أسكتي فوالله لئن عدت لأضربن الذي فيه عينك، فلما دفنوه وسووا عليه التراب، قال لها ابن الزبير: صيحي ما بدا لك أن تصيحي. وقال مالك: وكان عثمان بن عفان قبل ذلك يمر بحش كوكب فيقول: ليدفنن ههنا رجل صالح).

جاء في لسان العرب لمحمد بن منظور: سمي به ذا الاسم لأَنهم كانوا يَذْهبون عند قضاء الحاجة إِلى البَساتين. وقد جاء في معجم البلدان لمؤلفه ياقوت بن عبد الله الحموي أن حش كوكب بفتح أوله وتشديد ثانيه وبضم أوله أيضا والحش في اللغة البستان وبه سمي المخرج حشا لأنهم كانوا إذا أرادوا الحاجة خرجوا إلى البساتين.

قُتل عثمان وأرسل دمه على المصحف، ومكثَ بعدها ثلاثة أيام مطروحا على “كناسة بنى فلان”، وهي مكان لوضع القمامة، وفق ما جاء في تاريخ الأمم والملوك لابن جرير الطبري.

عدد الروايات التي تؤيد قتل عثمان ورميه في كناسة ثم دفنه في حش كوكب متعددة، منها المعجم الكبير للطبراني، ومعرفة الصحابة لأبي النعيم الأصبهاني، ومجمع الزوائد للهيثمي، والطبقات الكبرى لابن السعد، وتاريخ المدينة لابن شبة النميري، وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر…

طعونٌ شيعية

في الجهة المُقابلة، جاء في كتاب “تهذيب الكمال في أسماء الرجال” للحافظ المزي، ضد رواية الدفن بحش كوكب، أن “الطعون الكاذبة قد تعددت، وهي طعون يوجهها أهلُ الأهواء والبدع لصحابة رسول الله، وعلى رأسهم الشيعةُ الذين يطعنُون في أبي بكرٍ وعمر وعثمان، بل وجلِّ الصَّحابة الكرام رضوان الله عليهم، ولا شكَّ أنَّ الطَّعن في الصَّحابة طعنٌ في النَّبي صلَّى الله عليه وسلم، بل يقول النسائي رحمه الله: “إنَّما الإسلام كدارٍ لها باب، فبابُ الإسلام الصَّحابة، فمن آذى الصَّحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الدَّار”.

حسب الكثير من الدراسات المنشورة والآراء المعاكسة لسردية دفن عثمان في مقبرة اليهود، أن عثمانُ بن عفَّان من أكثر الصحابة الذين طعن فيهم الشيعة. رأي نجد له سندا عند ابن المطهّر الحِلِّي، الذي يقول إنَّ: “الصحابة تبرَّؤوا منه، فإنَّهم تركوه بعد قتله ثلاثةَ أيَّام لم يدفنوه، ولا أنكروا على من أجلب عليه من أهل الأمصار، بل أسلمُوه، ولم يدافعوا عَنه، بل أعانوا عليه، ولم يمنعوا من حصرِه، ولا من منع الماء عَنه، ولا من قتلِه، مع تمكُّنهم من ذلك كلِّه، وروى الواقدي: أنَّ أهل المدينة منعوا من الصلاة عليه حتى حمل بين المغرب والعتمة، ولم يشهد جنازته غير مروان وثلاثة من مواليه، ولما أحسُّوا بذلك رموه بالحجارة، وذكروه بأسوأ الذكر، ولم يقع التمكُّن من دفنه إلا بعد أن أنكر أمير المؤمنين المنع من دفنه”.

الحشُّ المذكور في الروايات ليس مقبرةً يهودية، حسب ما ترويه الروايات السنية، مشيرة إلى أن البستان هو في ملكية عثمان، وزاده للبقيع استنادا إلى رأي ابن عبد البر، وهو مؤرخ سني مالكي أندلسي، روى أن كوكب هو أحد الأنصار، وبالتالي فإن الحش ليسَ مقبرة يهودية، بل هو بستان تابع لأملاك عثمان.

جاء في كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الأندلسي، ما يكذب كون حش كوكب مقبرة لليهود: “وأما قول من قال إنه رضي الله عنه أقام مطروحاً على مزبلة ثلاثة أيام فكذب بحت، وإفك موضوع، وتوليد من لا حياء في وجهه. بل قتل عشية ودفن من ليلته رضي الله عنه، شهد دفنه طائفة من الصحابة وهم جبير بن مطعم وأبو الجهم بن حيفة وعبد الله بن الزبير ومكرم بن نيار وجماعة غيرهم. هذا ما لا يتمارى فيه أحد ممن له علم بالأخبار، ولقد أمر الرسول برمي أجساد قتلى الكفار من قريش يوم بدر في القليب، وألقى التراب عليهم وهم شر خلق الله تعالى، وأمر أن يحفر أخاديد لقتلى يهود قريظة وهم شر من وارته الأرض، فمواراة المؤمن والكافر فرض على المسلمين. فكيف يجوز لذي حياء في وجهه أن ينسب إلى علي وهو الإمام ومن بالمدينة من الصحابة أنهم تركوا رجلاً ميتاً ملقى بين أظهرهم على مزبلة لا يوارونه ولا يبالي مؤمناً كان أو كافراً. ولكن الله يأبى إلا أن يفضح الكذابين بألسنتهم، ولو فعل هذا علي لكانت جرحة فيه؛ لأنه لا يخلوا أن يكون عثمان كافراً أو فاسقاً أو مؤمناً؛ فإن كان كافراً أو فاسقاً عنده فقد كان فرضاً على علي أن يفسخ أحكامه في المسلمين، فإذا لم يفعل فقد صح أنه كان مؤمناً عنده؛ فكيف يجوز أن ينسب ذو حياء إلى علي أنه ترك مؤمناً مطروحاً ميتاً على مزبلة لا يأمر بمواراته”.

 

مقالات قد تهمك:

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *