من الولايات المتحدة الأمريكية، محمد سعيد يكتب: لا للتحدث باسم المكون المسيحي
إن خطر الكذب أنه يجعلنا غرباء في واقع نحن جزء منه، وخطر الغباء أنه يجعلنا راضين عن هذا الاغتراب. لكن ماذا سيحدث إذا جمع المرء بين آفة الكذب والغباء؟
في مقال لنا بعنوان “كلام بالنيابة عن الشعب” منذ سنوات (1)، تكلمنا عن مسألة التحدث باسم الآخرين وبأنها مسألة دنيئة وخسيسة، مستحضرين ما قاله “جيل دولوز” (1925 – 1995) لمشيل فوكو (1926 – 1984) سنة (1972): “أنت أول من علّمنا أن الكلام نيابة عن الشعب والآخرين مسألة نذلة وخسيسة”!
في كل مرة، نسمع أحد المدعيين يقول الجملة التالية: “هناك مليون مسيحية ومسيحي بالمغرب” (2)، “ليست هناك تمثيلية للمسيحيين إلا اتحاد المسيحيين المغاربة” أو “اتحاد الكنائس المغربية“، فنطرح السؤال، من أين سقطت هاته الاتحادات أو غيرها ليتحدثوا باسم المسيحيين؟ حينما يقول أحدهم: “لا أحد يستطيع أن…”، “الكل يعترف بأن…”، نعلم حينها، أن ما سيتبع هذه العبارات هو الكذب والشعارات الفارغة.
لقد سبق أن ردت إحدى الأخوات (إيمان) ببرنامج “مسيحي مغربي” (3) على هؤلاء المدعين وهاته الاتحادات، متحدثة عما جاء بأحد التحقيقات الصحفية، متسائلة، عما هو هذا الاتحاد للمسيحيين المغاربة؟ ومن أين أتى؟ وهل هناك جهة ما وراءه؟ وكيف لشخص أو أشخاص غير معروفين داخل النسق المسيحي أن يتحدثوا باسم المسيحيين المغاربة؟
لقد غدا من السهل أن يتكلم البعض باسم الآخرين أو نيابة عنهم. تتناسل هاته المجموعات التي تتحدث باسم المكون المسيحي المغربي، وأصبح الكلام باسم أي شيء مهنة الكثيرين وإرادة قوية عمياء. إن ثقافة الإنسان وكرامته وسموه كلها أمور تنحصر في كونه لا يسمح لنفسه بالتحدث والكلام باسم الآخرين أو نيابة عنهم؛ لكن أن يتكلم عن نفسه وباسمه الخاص.
هذا لا يعني أن كل شخص يجب أن لا ينتج غير سيرته الذاتية وذكرياته ورحلاته وصباه، وأن يتكلم عن أناه، فالذي يتكلم أصالة عن نفسه ونيابة عن غيره لا يعدو أن يكون دجالاً محترفاً للكذب والمناورات والشعارات. بل الأكثر من هذا، فإن عبارات من قبيل: “لا أحد يستطيع أن ينكر، والكل يعترف، والجميع متفق على…” إلخ، لا تتضمن الكذب والشعارات الفارغة فحسب، بل تتضمن سلسلة من الإقصاءات والتهميش والعنف ضد الآخر، فهي لا تأخذ في عين الاعتبار الفرق والتعدد والاختلاف.
هذا ما نستوقفه ونلاحظه ونحن نقرأ تحقيقات صحفية ومقالات عديدة بخصوص “المسيحية بالمغرب” صادرة عن صحفيين أو متحدثين باسم المكون المسيحي المغربي. المؤسف هو مغالطة الرأي العام على يد هؤلاء المدعيين ومن وراءهم، متناسين أن المغاربة المسيحيين لم يفوضوهم للتحدث باسمهم. من هذا المنظور، فهم يكرسون الكذب والبهتان على شريحة من المجتمع المغربي اختارت بمحض إرادتها الرسالة التبشيرية المسيحية كرسالة خلاص لها.
لقد أدهشني أحد الفيديوهات بموقع مغربي، لأحد المدعين، بقوله بوجود مليون مسيحية ومسيحي مغربي منذ سنوات، كما أدهشتني مقالات وحوارات حديثة مع بعض المتمسحين ولا أقول “المسيحيين”. إنني هنا لا أكتب شيئا خارج الذات كما تقول الكاتبة “مارغريت دوراس”. ذلك ما لاحظته وأنا أتكلم مع زمرة من المسيحيين المغاربة عن هذا الوضع الإعلامي المُزري، الذي يسوقه بعض الوصوليين والمعجبين بفن انتحال دور من يتحدث نيابة عن الآخرين؛ إذ التكلم نيابة عن الآخرين ليس سوى محاولة لتحويلهم إلى موضوع وتبديدهم بدل النظر إليهم كذوات. شر البلاء هو الركوب على الأحداث واستغلال الظروف والقفز على المناسبات، ولعب دور الضحية وتقمص شخصية المضطهد، والبحث عن شرعية ومشروعية من خلال توظيف سيناريو الأقليات، وزرع الفتنة بين المغاربة. المسيحيات والمسيحيون المغاربة لا يسعون إلى الفتنة، بل المطالبة بترسيخ “حرية المعتقد” دستوريا ليزول هذا اللبوس.
إن خطر الكذب أنه يجعلنا غرباء في واقع نحن جزء منه، وخطر الغباء أنه يجعلنا راضين عن هذا الاغتراب. لكن ماذا سيحدث إذا جمع المرء بين آفة الكذب والغباء؟
إن الفرق بين الحقيقة والكذب، هو أن الكذب يمكن أن يرحل لألف كيلومتر عبر العالم، بينما لا تزال الحقيقة تلبس حذاءها. لكن، عندما تبدأ الحقيقة في المشي، فإنها لا تتوقف عنه أبدا، بينما يموت الكذب بعد أول ألف كيلومتر. قول ربع الحقيقة نوع من الكذب يسمى “الكذب الخطير”، أي ربط حقيقة بخيط زائف كلعبة “رولاند”، وهذا الكذب غالبية أصحابه شبه متدينين، فاحترزوا من الكذبة والذئاب الخاطفة التي تأتي في ثوب حملان.
وأخيرا، أوجه رسالة للمسيحيات والمسيحيين المغاربة من أجل نضال ذكي، نضال يبتغي معاقبة جيوب التحدث باسم المسيحيين داخليا وخارجيا بالفضح والنقد المتواصلين. بهذا، يمكننا إقامة “شوكة نقدية” تقاوم استسهال الوصوليين والانتهازيين والباعة الدينيين.
الهامش:
1 – كلام بالنيابة عن الشعب / جريدة هيسبريس الإلكترونية (19 نوفمبر 2016)
2 – منصة أصوات مغاربية (15أبريل 2023).
3 – برنامج مسيحي مغربي، الحلقة (268).