مرايانا في قلب الأطلس: طفُولة عنوانها المعاناة… بالجُملة! (صور) 2 - Marayana - مرايانا
×
×

مرايانا في قلب الأطلس: طفُولة عنوانها المعاناة… بالجُملة! (صور) 2\2

من البديهي أن يُصاب التلاميذ بالعياء بعد قضاء كلّ تلك المشقّة، بينما استرجاع الطاقة المستنزفة في الطريق يأخذ وقتا مهمًّا، وهو ما يُفوّت على الصّغار جزءاً أساسيًّا من الدّرس.

تستمرّ مرايانا في استقراء مِحنة الطفولة بالأطلس، انطلاقاً من أطفال دوار إم تيغانمين بجماعة زاوية أحنصال نواحي أزيلال جهة بني ملال خنيفرة.

في الجزء الأول، رافقنا الفريق المكوّن من خمسة أطفال، طيلة الطّريق الخطيرة والطويلة الفاصلة بين الدوار والمدرسة، وعرضنا أهمّ مخاطرها على النّاشئة.

في هذا الجزء الثاني، تلجُ مرايانا، صحبة الأطفال، إلى قلب المدرسة، وتلتقي الإدارة والأطقم التّربوية، لفهم مدى انعِكاس ما أسميناه “بمحنة الطريق”، في الجزء الأول، على حصيلة ومردوديّة أطفال دوار إم تيغانمين الدراسية.

سؤالُ المردودية

وصلنا إلى المدرسة قبل الوقت المحدد للدراسة. المدرسة صغيرة، تشملُ فقط ثلاثة أقسام إسمنتية، ومكتب المُدير في مدخل المَدرسة.

قدّم لنا محمد بنسعيد، نائب مدير المدرسة، معطيات رقمية بخصوص عدد أطفال دوار إم تيغانمين بالمدرسة. يوجدُ في المستوى الأول 8 تلاميذ؛ وفي الثاني 4؛ وفي الثالث 13؛ وفي الرابع 1؛ وفي الخامس 6؛ وفي السادس 2، وهو ما مجموعه 34 تلميذاً من الدوار يدرسون في المدرسة المركزية لزاوية أحنصال.

أمّا بخصوص المردودية، فبين نائب مدير المدرسة المركزية لزاوية أحنصال، محمد بنسعيد، وأستاذة المستويين الأوّل والثاني ابتدائي بالمدرسة عائشة فريد، وأستاذ المستوى الخامس والسّادس ابتدائي محمد نازيه، هناك إجماعٌ على أنّ أداء ومردوديّة وحَصيلة تلاميذ دوار إم تيغانمين تبقى جد ضعِيفة إجمالاً، مع وجود استثناءات، لكنها لا تخلق مفارقة واضحة.

في حديثه لمرايانا، يعتبرُ محمد بنسعيد أن الجُهد المبذول في الطريق نحو المدرسة هو، قطعاً، عاملٌ رئيس في هذا الضّعف؛ بحيثُ ينعكسُ تلقائيًّا على المردُودية. من البديهي أن يُصاب التلاميذ بالعياء بعد قضاء كلّ تلك المشقّة، بينما استرجاع الطاقة المستنزفة في الطريق يأخذ وقتا مهمًّا، وهو ما يُفوّت على الصّغار جزءاً أساسيًّا من الدّرس.

ما قالهُ بنسعيد يؤكّدهُ أستاذهم محمد نازيه، حيثُ يقول: يطرحُ هذا البعد مشكلاً من ناحيّة الوقت، خصوصاً في الصّباح. مثلاً، لا يحضرُ كثيرٌ منهم إلاّ بعد انتهَاء درسِ التّركيب أو الإملاَء، كأن يصل إلى القاعة على الثامنة والنصف.

حينها، يضيفُ نازيه، يجدنَا نُقبل على درسٍ آخر. بالتالي، فهذا التلميذ المتأخر سيخسرُ الحصة الأولى. ليس هناك سبيل للإعادة من البداية احتراماً للوقت، وليس ثمّة متسعٌ لكي يستدرك التلميذُ ما فاته. بمعنى أنّ مشاكل الطريق والمسافة والزمن، يجترونها معَهم حتى نهاية الرّحلة الابتدائية.

نازيه يضيف إنّه، حين تمطرُ السماء بغزارة شديدة مثلاً، “نُسجل دائماً حالات غياب التلاميذ القادمين من دوار إم تيغانمين، مقارنة مع القادمين من دوار أكدّيم على سَبيل المثال. أضف إلى ذلك أنهم لا ينجزون تمارينهم. يعللون ذلك بقولهم إنّهم وصلوا متأخرين أو مُصابين بالعياء. بالتالي لا يستطِيع الأستاذ فِعل أي شيء لأنه يعرف معاناتهم عن كثب”.

تردّدُ عائشة فريد، أستاذة الصفّ الأول والثاني، ذات الحِكاية، إذ تقولُ إنّ الأطفال يصلون إلى القسم وجسَدهم مكبّل بالبرد الذي طوّقهم طيلة الطريق. بعضهم يتوجه بطلب وحيد فقط منذ بداية الدّرس: أستاذتي، إنني أشعر بالبَرد، أريد أن أجلس بجانب المِدفأة.

“حين يقُولون ذلك، لا أستطِيع سُؤالهم بخصوص الواجبات أو أي شيء آخر. يهمني وقتها، فقط، أن يعودُوا إلى طَبيعتهم المفقُودة بسبَب تسَاقط الثلوج أو الأمطار. أما في الصّيف الحار، فهم ينامُون وسَط الحصّة بفعل الإنهَاك”، تقول فريد بحزن شديد.

ثمّ تقول المتحدثة: تتداخَل عندي الوظِيفة التربوية بالشعور الطبيعي الإنسانيّ، فكيف أقسُو على طفل أو طِفلة قادمين بأحْذية رثّة وأحياناً نعلٍ صيفيّ في برد يمزّق الجلد. الأمر لا يؤثر عليهم فقط، بل عليّ أيضا كأستَاذة. إنني أبني تجاههم أحاسِيساً قوية من الحبّ والرّغبة في أن يتطوّر أداؤُهم الدّراسي، خصُوصاً في المُستويات الدّنيا الأساسيّة. لكن الوضع الحاليّ صعب ومؤسف”.

تجملُ فريد حديثها لمرايانا قائلة، بأنّه “حين تهطل الأمطارُ بغزارَة، أمنعُهم من أخذ محافظهم لكي لا تبتل، فكيف سينجزُ التلميذ واجباته ومِحفظته في القسم؟ وكيفَ أسمح لهم بأخذها ثم تفسد الدّفاتر والكتب، لأنهم سيذهبُون سيراً على الأقدَام بدُون مظلّات؟ كل هذا يؤثّر على مردوديتهم وحصيلتهم”.

نقلٌ مدرسيّ ومدرسةٌ فرعية؟

يقولُ محمد بنسعيد، نائبُ المدير، إنّ قيمة التمدرس تظلّ غائبة عن وعي الآباء في نسبة كبيرة منهم. لذلك، فبرنامج تيسير شجّع الآباء على تدريس أبنائهم بمقابل مالي شهريًّا: 60 درهمًا لكل تلميذ، لفائدة المستويين الثاني والأول ابتدائي؛ و80 درهمًا للمستويين الثّالث والرّابع؛ و100 درهمًا لكلّ تلميذ في المستويين الخامس والسادس. هذه المنحة مقيّدة بشَرط ألاّ يتغيّب أكثر من ثلاثة أيام، وإلا حُرم منها. بهذا المعنى، يكُون حضُور أغلب التّلاميذ جسديًّا فقط من أجل استفادة الأسر من المنحة.

لذلك، يعتبر بنسعيد أنه من الضّروري التذكيرُ بأنّ مُشكل النّقل المدرسي يتعلقُ أساساً بخلل في وعي الآباء، لأنهم ينتظرون أن يتم إنجاز كل شيء من طرف الدولة والجمعويين، في حين أنّه كان بإمكانهم دفع مبلغ رمزي بقدر 30 درهماً ليستفيد الأبناءُ من النقل المدرسي لمّا طُلب منهم ذلك.

هو مبلغ رمزي فقط لدعم الكازوال والسائق، حسب محمد بنسيعد، لأنه “في بعض الدواوير، يدفع الآباء من 60 إلى 70 درهما، ليرسلوا أبناءهم للتمدرس. لا نعارضُ الرأي القائل بأنّ الأمر، ربّما، يتعلّق بهشاشة حقيقيِّة هناك في ذلك الدوار، لكن النقاش راعى ذلك وجعل مبلغ 30 درهماً رمزيًّا، لكنه يبدو صعباً جداً في نظر أولياء التّلاميذ”.

بنسعيد يعتبرُ أيضا أنّ الأمر يعوزه مجهود وانخراط من طرف الآباء، فمادام هناك تعويض من طرف برنامج تيسير، فيمكن استغلال قدر من ذلك التعويض البسيط في النقل المدرسي.

عبد الجبّار، والدُ أحد التلاميذ من الدوار، يصرح لمرايانا أن الآباء يعوّلون على الجمعويين لتوفير النقل المدرسي للأطفال؛ ويضيفُ أنّ الجمعويين يعرفون أنّ الفقر بلغ مداهُ في الدوار، وأن الهشاشة فعلت فعلتها بالساكنة. لذلك، هذا المبلغ، الذي يعتبرونه رمزيا وبسيطا، هو ذو قيمة كبيرة بالنسبة إلينا”.

من جهة أخرى، يؤكّد الجمعوي محمد بنسعيد (قريب المتحدّث الأول) أنّهم طالبوا المديرية الإقليمية للتعليم، مراراً، وعززوا الطّلب بلائِحة التلاميذ، بغيةَ بناء قسم بالدوار، لإعفَاء هؤلاء الأطفال الأبرياء من مشقّة الطريق هذه، والتي تؤدّي عادةً إلى الهَدر المدرسي من طرف تلاميذِ دوار إم تيغانمين.

يعتبر بنسعيد، رئيس جمعية تاغيا، أنّ ردّ المُديرية كان مخيّباً للآمال، لأنهم يعتَبرون أنّ عدد التلاميذ لا يرقى إلى تلك الضّرورة المُلحة لبناء قسم أو مدرسة وتخصيص موارد بشرية للسّهر عليه. المديرية تنظرُ إلى المَسألة من زاوية أنّ عدد التّلاميذ من الدّوار في كل مستوى لا يتجاوز ثلاثة إلى أربعة أو خمسة. بالتالي، هل من الضّروريّ تخصيص أستاذ لكلّ مستوى يتضمن هذا العدد من التلاميذ فحسب؟

تُعلّقُ عائشة فريد بأنّه يمكنُ طلب قسم يجمعُ المستويات الأولى الثلاث: الأول والثاني والثالث، ويخصّصُ له أستاذٌ واحد. هذه المُستويات الدّنيا هي التي تعاني الأمرّين. بذلك، هذا القسم سيكون تابعاً للمدرسة المركزية بزاوية أحنصال ويدخل ضمن معدّاتها و… مواردها البشرية.

في نهاية “الرحلة”، عادت مرايانا من زاوية أحنصال، ومعها سؤال يؤرقها: إلى متى ستبقى هذه الطّفولة مشوّهة بهذا الشّكل؟

هذه العزلة، هذا الحصار، هذه الهشاشة الاجتماعية وضعف البنيات التحتية، هل يمكنُ أن يتحالفوا لنسف جهود الدولة في محاربة الهدر المدرسي وإعادتها إلى نقطة الصّفر؟ أم أن جهود الدولة نفسها، لا تتوجه نحو “تفاصيل” تشكل صلب المشكل؟

نغادرُ الأطلس في هذه الأثناء، وكلّنا أمل أن نسمع خبراُ سعيداً لهؤلاء المَلائكة… الذين لم يرتكبوا خطأ قطّ، سوى أنهم ولدوا في جزء من المغرب المنسي… “المغرب غير النافع”!

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *