من مصر، محمد حميدة يكتب: الأسوار العازلة… أوروبا وتصدير أزمة “الهجرة” - Marayana - مرايانا
×
×

من مصر، محمد حميدة يكتب: الأسوار العازلة… أوروبا وتصدير أزمة “الهجرة”

قدر الدول المغاربية أنها تعد نقطة العبور الأقرب تجاه أوروبا من أفريقيا.

محمد حميدة، صحافي مصري

وصلت أزمة الهجرة بمستوياتها”الشرعية وغير النظامية”، إلى مرحلة بالغة الخطورة، في ظل تداعيات آنية ومستقبلية تفاقمها الأوضاع الاقتصادية والتحولات الحاصلة على الصعيد العالمي.

منذ فترة طويلة وعبر مقاربات متباينة، شددت أوروبا من إجراءاتها للحفاظ على أمنها على حساب الدول المغاربية، عبر بناء “جدار عازل” للحد من الهجرة غير الشرعية والشرعية معا، أمام المهاجرين من دول جنوب الصحراء والدول التي عانت سنوات طويلة من استعمار الدول الأوروبية لها، دون تنمية أو استقرار، دفع إلى الواقع الراهن.

الأرقام المعلنة لمنظمة “اليونيسيف” تشير صراحة إلى تفاقم الأوضاع، رغم المحاولات كافة. بالنسبة لليونيسيف، فإن ما يقترب من 300 طفل فقدوا، في هذا النصف الأول من العام 2023، أثناء سعيهم للهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط من شمال أفريقيا إلى أوروبا، فيما أكدت منظمة الهجرة أن 441 مهاجرا لقوا حتفهم في رحلات العبور في الربع الأول فقط، أي أكثر من 110 شخصا شهريا. إجمالا، سجل أكثر من 20 ألف وفاة، منذ عام 2014، غرقا في البحر خلال رحلة العبور لأوروبا.

حسب أرقام المنظمات الرسمية، جرى إنقاذ نحو 300 ألف شخص أثناء محاولتهم العبور البحر المتوسط.

كل الأرقام السابقة تشير إلى أن “الأسوار العازلة” التي تسعى أوروبا لبنائها منذ سنوات في دول شمال أفريقيا لم ولن تجدي نفعا، وهو ما تكشفه مؤشرات العام الحالي التي كانت الأعلى؛ فيما يكمن الحل في إيجاد آليات حقيقة لمعالجة الأزمة في موطنها، وليس في بلاد العبور.

قدر الدول المغاربية أنها تعد نقطة العبور الأقرب تجاه أوروبا من أفريقيا، في المقدمة منها تونس والمغرب وليبيا، وهي محطة للعبور وليست مقصدا للعيش أو البقاء هناك.

أذكر في العام 2019، خلال تجولي في أحياء الدار البيضاء بالمغرب، أني وجدت العشرات من المهاجرين غير النظاميين الذين ينتمون لدول الساحل والصحراء يتجولون في شوارع المدينة بشكل لافت، منهم من يطلب المساعدة المالية، ومن يحاول بيع بعض الأغراض للسيارات المارة.

اتبع المغرب مقاربة قبل سنوات تهدف لدمجهم، عبر تنظيم عمليات خاصة بتسوية وضعية الآلاف منهم، وإتاحة العمل لهم للبقاء هناك بشكل نظامي، وهو جانب إنساني وأخلاقي ربما فضله المغرب على جوانب أخرى. لكن العديد من الجرائم التي حدثت فيما بعد كانت بمثابة جرس إنذار، وتوشك أن تتفاقم مستقبلا.

تونس بدورها كانت على مسافة قريبة من المقاربة المغربية، إذ أتاحت فرص العمل والبقاء لمن هم دون وثائق أو انتهت فترة تأشيرتهم لسنوات طويلة منذ 2011.

قضية التحويلات المالية بقيمة ثلاثة مليارت دينار تونسي، للمهاجرين غير النظاميين الذين يفترض أنهم قدموا إلى تونس لمغادرتها نحو أوروبا لا للبقاء فيها بالنظر لوضعيتها الاقتصادية، وحدها تفتح الباب أمام سيل من التساؤلات، بشأن الجهات التي تقف خلف هذه التحويلات، والأهداف المرجوة، وكيفية السماح بمرورها عبر أنظمة مصرفية محكمة، وما يمكن أن يترتب على بقاء الآلاف في مدينة واحدة من المهاجرين من مشكلات محتملة.

ما يحدث في الجنوب الليبي من محاولات لتوطين المهاجرين هناك، ودعم المنظمات الأوروبية والحكومات لشخصيات ليبية متورطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في عملية الاتجار بالبشر، يأتي ضمن نفس الأهداف، من أجل الحد من الوصول لأوروبا، وغض الطرف عما يحدث داخل مراكز الاحتجاز، وحتى عن إغراق المهاجرين في عرض البحر من قبل قوات بعض الدول، كما جرى مؤخرا بشأن واقعة اليونان، وما سبقها من وقائع مماثلة.

بالنظر للمشاهد السابقة، يمكن اعتبار الهدف الأوربي المعلن هو توطين المهاجرين في الدول الثلاث بأي ثمن، وإبعاد أكبر نسبة من الهجرة غير الشرعية وحتى الشرعية، وإيقاف هذه القوافل عند خطوط محددة في الدول المغاربية حتى وإن كان بإغراقهم في البحر. هذا ما يلاحظ في الدعم الذي تقدمه الحكومات الأوروبية، والمساومات التي جرت مع تونس أخيرا، مقابل أن تحول أراضيها لمراكز إيواء؛ قد تصبح في المستقبل قنابل موقوتة وأعباء حادة على الدول المغاربية، من أجل أمن أوروبا التي سلبت ثروات أفريقيا، ويمكن النظر عميقا لسياستها المتبعة.

عملت السياسة الأوروبية منذ فترة على وضع آليات قانونية الإجراءات، لكن تطبيقها يهدف لتصدير الهجرة إلى بلدان أخرى، وبناء “أسوار عازلة” للهجرة في دول الضفة الأخرى. يمكن فهم ذلك جيدا من الضغط على اليونان والمطالب باستبعادها من منطقة شنغن السنوات الماضية، بعد مرة أولى اضطرت فيها لوضع قيود على سياسة اللجوء، حيث بلغت نسبة رفض طلبات اللجوء عام 2003 نسبة 99.9%.

تستعمل الدول الأوروبية العديد من الوسائل للضغط على دول شمال أفريقيا عبر الدعم المالي لبناء مراكز إيواء للمهاجرين، أو ما تصفه بسياسة تطوير مكافحة الهجرة غير الشرعية، واستحداث الفروع لمنظمات الهجرة ومفوضية اللاجئين وغيرها من المنظمات المعنية، والتي تهدف بالطبع لصناعة”الأسوار العازلة” من الناحية الإجرائية عبر مراكز الإيواء ومنظمات الهجرة واللاجئين، وخلق تحالف للجهود الأمنية مع هذه الدول، وإبطاء حركة التدفقات، حيث يجرى تقييم طلبات اللجوء في هذه الدول وقبول نسبة ضئيلة جدا منهم. وبمجرد رفض الطلب في بلد ما، لا يمكن صياغته في بلد آخر؛ وهي بذلك تمنع الانتقال لدول الاتحاد كافة عبر الرفض في أي دولة من الدول المغاربية، ومعها يبقى المهاجر في هذه الدول.

كما تعمل المنظمات الأخرى على دعم تجهيزات مراكز إيواء المهاجرين للحد من الانتقال إلى السواحل الأخرى، فيما تقوم الدول الأوروبية بانتقاء المهاجرين الذين تحتاج إليهم، لتسمح بعد ذلك بمرور فئة من المهاجرين وإبقاء الفئات الأخرى في مراكز إيواء وشوارع تونس وليبيا والمغرب؛ مما قد يهدد أمنها واقتصادها، نظرا لعدم انخراطهم حتى في العمل، باعتبار أن هدفهم المرور منها وليس البقاء فيها. هذا الأمر يعد بمثابة أزمة يمكن أن تؤسس لسنوات فوضى، وحينها لن تكف المنظمات الغربية ذاتها عن الحديث عن حقوق الإنسان الذي سلبت ثرواته قديما وحياته في عرض البحر آنيا.

في الأخير، لا يمكن التعامل مع المهاجرين على أنهم جناة، لكن لا يجب إغفال المخاطر الناجمة عن الوضعية الراهنة، وتفضيل أمن أوروبا على أمن الدول المغاربية.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *