استعراض الجسد على الأنستغرام: بين “تسليع” الإنسان ومشكل تقدير الذات 2 - Marayana - مرايانا
×
×

استعراض الجسد على الأنستغرام: بين “تسليع” الإنسان ومشكل تقدير الذات 2\2

محمد شويكة: “ما الذي يدفع الشخص العادي المتوازن إلى تسويق نفسه بهذه الطريقة الاستعراضية التي تجعله شبيها بعارضات الهوى في المحلات الزجاجية أو راقصات “الستريبتيز”؟”.

تابعنا في الجزء الأول تفسير كلّ من الباحثين فريد الزاهي وزهور كرام، لمعنى حضور الجسد الأنثوي “أنستغراميا”، بعد أن صارت مشاركة صور الجسد أمورا روتينية وعادية لا نلقي لها بالاً من شدة تطبيعنا معها.

في هذا الجزء الثاني، نقدم رأيا أكاديميا آخر، مصحوبا بشهادات فتيات مغربيات تشاركن صور أجسادهنّ على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا أنستغرام.

شويكة: الجسد يحقق الترند

في حديثه لمرايانا، يرى الجامعي المتخصص في الصورة محمد شويكة أنّ قراءة هذا الموضوع رهينة باستنطاق كيف اجتهدت تكنولوجيا الصورة، المُلْحَقَة بوسائل التواصل الاجتماعي، في تطوير تقنياتها، فقد كثّفت الاشتغال على المرشّحات أو الفلترات التي تذكيها، وترتبط عضويا، عمليات التجميل المرتكزة على النفخ والشفط والقص والإضافة والتحول.

هذا الوضع جعلنا نطمس هوية النوع أي Genre بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، وكأننا ذاهبون نحو المعنى المثنوي للطبيعة: أنثى أو ذكر في ما يشبه التدمير الذاتي للأناالسامية المتفردة.

الفورة التكنولوجية، التي تُعَذُ وسائل التواصل الاجتماعي امتدادا لها، ساهمت، حسب شويكة، في تفجير طرائق التعبير التي تجاوزت كل التوقعات، وخرقت كل الأعراف والتقاليد المتعلقة بالأخلاقيات، بمعنى Déontologie. فصار جل الناس يتحدثون عبر الصورة عوض الكلمة أو الكتابة. وبَاتَ الاعتداد الفج بالذات سيد الموقف كأن يعلن الشخص عن قيامه بفعل روتيني من قبيل شرب فنجان القهوة مدعاة للإعلان والتفاخر.

يعتقد المتحدّث، هنا، أن الظهور بهذا الشكل ينم عن نقص مركب لدى الأنا الفاعلة، فضلا عن ذلك بروز ما يسمى بـ”المؤثرين” الذين لا يؤثرون بما اعتدنا أن يؤثر به الشخص، كامتلاك المعرفة أو العلم أو التفوق في مجال من مجالات الفن والرياضة أو غيرها من الممارسات المقبولة. فجل المؤثرات يؤثرن بالجسد أولا وأخيرا، وبالاستعراض الإيروتيكي أو الحركات المثيرة.

لهذا، يلاحظُ أنّ أغلب متتبعيهم هم من “طائفة” البصاصين ومحبي التلصص بالمعنى الَهَوَسِي للمصطلح، زد على ذلك أن المُؤَثِّرَ والمُتَأَثِّرَ في دوامة المرض النفسي ما دام الاستعراض المجاني للجسم، وطلب رؤية هذا يتجاوز حدود العرض الطبيعي.

أكثر من ذلك، خلق ذلك نوعاً من التّطبيع مع الأعطاب الجسديّة والأمراض البدنية والحالات المَرَضية، الذهنية أو العقلية البائنة، بحيث صار يكتسي بُعْداً مهما داخل منظومة القيم الاجتماعية الراهنة، أي المجتمع الافتراضي، لأن التسليع والتبضيع والطلب، معايير تحدد قيمة العرض، وتحقق الربح والفائدة، وتتبادل التعاكس، المرآوي، مع الواقع إلى درجة تكاد تخلط الحدود بين الوضعيات الواقعية والوضعيات الافتراضية لدى البعض.

“وإلا، فما الذي يدفع الشخص العادي المتوازن إلى تسويق نفسه بهذه الطريقة الاستعراضية التي تجعله شبيها بعارضات الهوى في المحلات الزجاجية أو راقصات “الستريبتيز”؟”، يتساءل شويكة.

في النهاية، يخلص الباحث إلى أنّه “من المحتمل، وفق مؤشرات موضوعية، أن يصير بيع الإنسان لنفسه مقبولا، اختياريا وطوعيا، لأن بيعه الجزئي، أمرٌ حاصل: هل جلب المال عن طريق تصوير الحياة “العادية أو الروتينية” مسألة تحقق المتعة كما يحققها فن الرقص أو التمثيل أو الغناء أو الموسيقى أو السينما أو المسرح أو فنون العرض عامة؟

وهل كل جسد يجلب الاهتمام ويحقق “التريند”؟ الجواب سلبي بالتأكيد، وذلك ما ينفي إضفاء طابع المتعة على مثل هذا “العرض”، ويحوله إلى امتداد هجين لمجتمع الفرجة الذي نعيش تغيراته الدراماتيكية.

مشكل تقدير الذّات

جهان (26 سنة)، مغربية تشارك الكثير من صورها على الأنستغرام، تعتبر أنّه في البداية، خلق لديها الأمر مشكلاً حقيقيًّا في تقدير الذات، نتيجة المراهقة. فما الحكاية؟ تجيب المتحدثة قائلة: كنتُ قبل تنزيل أي صورة أفكّر فيها وأتأملها وقد أمضي في تعديلها ساعات كثيرة، وحين أشاركها كنت أخشى ألا تعجب الآخرين. الآن الأمر غير مطروح، رغم أني أعدّلها، لكني أعرف أنها ستعجب الجميع بشكل مسبق.

بالنسبة لجيهان، فإنّ ما تقوم به لا يُقرأ بعمق “لأنه مجرد تفاصيل عفوية: مشاركة صورة وفقط. أحيانا أتعرّض للتّحرش، ومرة أخذوا صوري وأنشأوا حسابا مفبركا باسم مغاير لكن بصوري الشّخصية. طلبت من المتابعين أن يساهموا في عملية “التبليغ” المتاحة، فنجح الأمر وأغلق الحساب. الكلّ يعرف أنّ الصور وحدها الآن، بقدر ما تكون جميلة ومغرية، فهي تساهم في حصد المتابعين. هذه حقيقة. وفي النهاية، ما هو افتراضي، يبقى افتراضيا”.

من جهة أخرى، تعتزّ كوثر (25 سنة) بمشاركة صور جسدها بحكم أن “النوايا حسنة، وليست دعوة مبطنة لمضاجعة أحد، كما يعتقد الذين يراسلونني في الخاص دائماً. أعرف أنّ جسدي جميل، وأتقاسم صوري في فضاء مخصّص أصلاً للصّور. لكلّ اختياراته في الفضاء الرقميّ، هناك محجّبات أيضا. المشكل ليس في الصّور، بل في الذي ينظر لتلك الصّور، كيف يقرأها. ليست مشكلتي إذا مارس أحد الاستمناء على صوري، سيكون مشكلاً إذا طلبتُ منه ذلك، أو إذا كان يهمّني أن يحدث ذلك. أنا غير مهتمة، أنزّل صورة وأتجاوز مجمل التّفاصيل”.

كوثر في حديثها معنا تؤكّد أنّها مستعدة لمشاركة المزيد من الصّور في البحر وفي البيت وفي الأماكن التي ترتادها، أي الفضاءات التي تبرز جسدها. تقول: أشعر بالرّضى حين تبلغ صوري أرقاما عالية من الإعجابات. يجعلني ذلك متحمّسة للتفكير في صورة أخرى. قد أشارك حتى “ستوري” أحيانا، أي ليسَ منشوراً دائماً. الجسد ليس عقدة والتّصالح معه واجب.

يعود إلينا الباحث المتخصص في الصورة فريد الزاهي، ليبين ما يلزم أن نفهمه عموما من هذه المظاهر، وهو أنها مداورة للمراقبة الاجتماعية الواقعية التي يعاني منها الشباب، مهما كانت نواياهم ومقاصدهم، من جهة. من جهة أخرى، فهي تترجم رغبتهم في العيش في المظاهر باعتبارها سمة العصر الحالي، وانتحال أسلوب اجتماعي جديد في العيش والتواصل يرتكز على الجسد واللباس والحفلات واللذة الفردية والجماعية.

الصورة ومواقع التواصل الاجتماعي أضحت سندا لهذا الأسلوب الجديد في الحياة وفي بلورة الذات الفردية والجماعية. لهذا، يجد الزاهي أنّ انتقادنا لها بالنكران والتنديد يعني أننا لم نفهم شباب الجيل الجديد ولا مناحي وجوده ولا علاقته بفرديته وجسده من خلال الصور، ومن خلال اندراجه في مجموعات لها أهداف ومقاصد واهتمامات مشتركة تتمثل في خلق المتعة الذاتية والجماعية من خلال صورة الجسد واللباس والمظاهر الاحتفالية والموسيقية…

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *