هذا رمضان… سأغسل الأواني يوميا: حين يتحول شهر الغفران إلى جحيم صحون للنساء - Marayana - مرايانا
×
×

هذا رمضان… سأغسل الأواني يوميا: حين يتحول شهر الغفران إلى جحيم صحون للنساء

يحل شهر رمضان كالعادة، وتحل معه “محنة غسل الأواني”، التي تشكل عبئا نفسيا وجسديا ملحوظا بالنسبة لغالبية النساء المغربيات. فبعد يوم كامل من الصيام، من الفجر حتى المغرب وما بين ذلك من تحضير للفطور، ستكون المرأة، داخل عائلات كثيرة، مطالبة بجمع المائدة ومن ثمّ تنظيف كلّ صحونها، وما أكثر صحون مائدة رمضان… بما يحمله ذلك من مشقّة.

اليوم، صار الأمر عبارة عن ملصقات تهكمية افتراضية (طرولات). إذ، مِن ضمن ما تتذكره العديد من الفتيات من رمضان، هو تلك الفترة التي ستكون “مطالبة” أو “مرغمةً” فيها على غسل الأواني: “البنات، رمضان قرّب، شكون تغسل عليا الماعن”. بعض العائلات المغربية تشهد “حروبا طاحنة” بين البنات لاعتماد خاصية التّناوب يوميا على غسلها… فما حكاية غسل الأواني هذه يا ترى؟

“عقاب رمضانيّ يوميّ”

حين تثار لأميمة من فاس، (24 سنة) قصة غسل الأواني في رمضان، تراها كحكاية يومية تكتبها، ربما، كل فتاة مغربية في رمضان، داخل العائلات الفاسية، باستثناء بعض العائلات الثرية التي تستطيع أن تدفع ثمن امرأة للمساعدة أو لتضطلع بالمهمة.

لكن، هنا أيضا، حسب المتحدثة، “تكون امرأة هي من سيقوم بالأمر، وليس رجلاً مثلاً. هكذا جرت العادة. لا نجد أصلا هذا التفكير موجودا داخل العائلات القريبة منا ذهنيًّا واجتماعيًّا، أي التي تعتبر الذكور أيضا مطالبين بتأدية هذه المهام في رمضان. نحن لا نجزم عدم وجودهم، إنما نوضح أنّ العبء الأكبر في هذا الجانب يسقط علينا نحن البنات”.

أميمة، التي ترعرعت في دروب المدينة العتيقة بفاس، تجد أنّ “رمضان هو شهر ذو خصوصية عالية، ويحتل مكانة جد مهمة لدينا كمسلمين. لهذا، في هذا الشهر، كل سنة، تتنوع الوجبات وتكثر التّجارب. نحاول أن نبدع مأكولات جديدة: مملحات وحلويات. هذا يجعلنا نستغل أكبر عدد ممكن من الأواني المنزلية التي قد لا نتذكّرها إلاّ في رمضان”.

ثم تمضي قائلة: لكن… حين ينتهي الفطور، تتكدس كلّ أواني الطبخ وكذلك الصحون التي تناولنا فيها الطعام. أقوم بغلسها بشقّ الأنفس. لا أريد أن تقوم أمي بذلك. الأمر مرهق. حتى أني أعدّ غسلها “عقابا” حقيقيا وتعذيبا لن تشعر به إلا الفتاة التي كلما تذكرت رمضان تتذكر محنة غسل الأواني.

من ناحية أخرى، تقول أمينة، من مدينة أرفود، بجنوب شرق المغرب: “بدأت أشعر بنوع من الإرهاق قبل أن يدخل شهر رمضان حتى. الوضع صعب جدا، لأنه، مهما بلغنا مراتبا اعتبارية من الدراسة ومن الوعي، تذكرنا هذه المناسبة أنّ المطبخ لا يخرج من أفقنا. وأننا، ربما، سنظل مطالبات بالعودة إليه دائما. هذا مزعج من الناحية المبدئية طبعا”.

أمينة تستطرد مضيفة: “في الحقيقة، حين أتأمل الأمر جيدا، لا أعتبره مشكلة كبيرة ما دمت لا أشعر أنّ ذلك تصريفا لصور ميزوجينة. هكذا تربيتُ ولا أتأذى من ذلك. يعني لن أرفض يوما أن أقوم بالأمر، ليس لأنّني غير قادرة على الاحتجاج مثلاً”.

ولكن، تواصل أمينة، “لأنّه ليس لديّ أخ يفرض علي أن أقوم بذلك، أو يرفض القيام بذلك لأسباب جندرية، أو لأنه يعتبرها مهمة أنثوية. أما الآن، فمادام والديّ من عائلة متواضعة، فسأقوم بذلك، ليس بحبّ، لأنّ الأمر يُتعبُ حقًّا، ولكن لأنه ليس هناك بديلاً”

أمينة في حديثها إلينا تنظر إلى العائلات التي تتوفّر على عدد كبير من البنات، على الأقلّ أربعة أو ثلاثة، على أنّها عائلات “محظوظة”، بمعنى أنّه يمكن للبنات التفاوض والتعاون والتناوب على تنظيف “مواعين” المائدة في رمضان.

وهنا تفيد المتحدثة: لا أريد أن أقول عبر هذا إنّ الفتاة هي المطالبة حصراً بغسل الأواني المنزليّة في رمضان، فيمكن أن يكون ضمن العائلة شابّ “يساعد” أخواته ووالدته أو زوج “يساعد” زوجته.

في هذا السياق، نذكّر أننا في مرايانا، نعتبر الحديث عن “مساعدة” من طرف الزوج أو الأخ إقرارا ضمنيا بأن هذه المهام نسائية بالدرجة الأولى. لذلك، فالأفضل هو الحديث عن اقتسام المهام المنزلية وليس عن مساعدة طرف لطرف آخر.

كخلاصة، تقول أمينة: “هؤلاء، أي الإخوة أو الأزواج الذين يقتسمون المهام المنزلية، موجودون بالفعل. لكن، بما أنّ الثقافة الغالبة تبين أن الفتاة هي من تقوم بذلك، فلو كان التعاون بين الأخوات، فسيكون ذلك أرحم لكلّ واحدة منهنّ. وأرجو أن يتطور الأمر أكثر مستقبلا لكي ينخرط الشباب في اقتسام هذه المهمة أيضا.

مهمّة بحيلٍ أحيانا

زينب من الجديدة (22 سنة)، تفيد أنّ العياء الذي يفرضه صيام اليوم كاملاً، والمساهمة في إعداد الفطور، يجعلُ التفكير في عملية غسل الأواني يبدأ مبكرا، ما يدفعها أحيانا إلى ابتداع صيغ “للإفلات من هذا العقاب”.

تقول زينب: في أحيان كثيرة أتظاهر بأنّي مريضة، أو أنّ صيام اليوم يصيبني بالدوار. هذا يكون ناجعا في مرات كثيرة، فرغم أنّ أمي تشكّ بأنه ادعاء للمرض، تملصا من “مسؤولية الأواني”، لكنها لا تحبّ الضغط عليّ. كما أنّه في الأيام التي لا أمارس فيها حيلا، مثلا، يطلب مني أبي تأجيل غسل المواعين حتى يقترب العشاء، وحتى تنتهي كل السيتكومات التلفزية التي نتابعها جماعة.

زينب تعبّر في تصريحها لمرايانا عن المشاعر التي تخلقها لديها أجواء رمضان من لمّة استثنائية. لذلك، تقول: أفكر وأنا أتناول الفطور أن غسل الأواني سيستغرق مني وقتا طويلاً، وقيمة رمضان روحيا تكمن في لياليه، بما أنّني خلال النهار أكون شاردة الذهن.

تحبّ زينب أن تصلي التراويح كاملة، كما تقول، وأن يكون ذهنها خاليا من أي تفكير. لهذا تقول: فمثلا لو كنت أصلي وتذكرت أنني عليّ أن أعود للمنزل لأتم تنظيف المواعين المتبقية، سأرتبك. أمي تقوم بذلك في أحيان كثيرة. نحن عائلات متواضعة، وبالتالي وسائلنا في الغسيل لازالت تقليدية. معظمنا لا يتوفر على غسالة كهربائية تجعل العملية سهلة أو تعوض “أدوارنا”.

أمّا بثينة (28 سنة) من الرباط، فهي تصرّ أن تصف شعورها حين تلج المطبخ بعد أن يتم جمع صحون المائدة التي التف حولها كل أفراد العائلة. تقول: حين أرى الأواني مكدسة في حوض المطبخ، أشعر بالصّدمة. وحين أفكر فيها أشعر بها كديون ثقيلة في رقبتي. حتى لو كنتُ مجتهدة فهذه العملية بالذات تكلف جهدا بدنيا، خصوصا وأنا أضيف الخلّ والملح حرصاً على تنظيفها جيدا. فلو كان هناك جرح صغير، يبدأ الألم. لكننا منذ زمان، نضيف خلاّ وملحا أثناء تنظيف الأواني مراعاة للسلامة الصحية لكلّ أفراد العائلة.

عن الحيل التي يمكن أن تنتهجها بثينة في رمضان، تصرّح لمرايانا: أحيانا لنقص كمية الأواني، أتناول مباشرة من القدر حيث أطهو الطعام. يحدث أن أتناول السحور وحيدة. حينها، لا أستعمل الصحن أو “الزلافة”. هكذا أقتصد في عدد الأواني. وبعد الفطور، أشغّل الموسيقى التي أحبّ وأغسل الأواني وأنا أستمع إليها. يقول أفراد عائلتي إنّ الموسيقى حرام، خصوصا في شهر الغفران رمضان.

غير أنّه لولا الموسيقى، تقول المتحدثة، لحدث لي انهيارٌ عصبيٌّ في المطبخ أمام ذلك الكمّ من “المواعين”. كانت في زمن ما تثير جنوني لدرجة أكاد أكسرها كلها تفاديا لشرّها.

تجمل بثينة قائلة: أقدم لأختي الصّغيرة أحيانا هباتٍ وإكراميات أو أعدها باصطحابها معي للمسجد لأداء صلاة التراويح، فتقبل غسلها. لا أقوم بذلك دائما لأن أمي ترفض أن تتكلف أختي، نظرا لأنها لا تعرف كفاية كيف تقوم بذلك، لكني ألجأ إلى هذه الحيلة فقط حين أكون متعبة بشكل لا يمكن إطلاقا مقاومته. أتحدث الآن وأفكر أن رمضان قد حل. سأغسل الأواني يوميا، مجددا، بكلّ ما في ذلك من معاناة.

هي نفسها الحكاية كل “شهر غفران”…

يبدو في النهاية، وكأن الذكور فقط  يستحقون ذلك الغفران… وأن “جحيم المطبخ والأواني”، نسائي بامتياز!

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *