أعداد الشكايات متذبذبة: المجلس الوطني لحقوق الإنسان يصدر تقريرا حول التبليغ عن العنف ضد النساء
سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ارتفاع تزايد حالات التبليغ عن العنف ضد النساء، إذ بلغت عدد الشكايات المسجلة بالنيابات العامة سنة 2020 ما مجموعه 64251 شكاية، موزعة بين 53552 شكاية عادية، و10699 إلكترونية. سنة 2021 سجلت ما مجموعه 96276 شكاية، فيما سجلت سنة 2022 ما يناهز 75240 شكاية.
ويرى المجلس في ملخص تنفيذي لتقرير حول “تشجيع التبليغ عن العنف ضد النساء والفتيات ومناهضة الإفلات من العقاب”، أنّ ارتفاع عدد الشّكايات المسجّلة يعكس مجهودات خلايا التّكفل بالنساء ضحايا العنف في تشجيع التبليغ ودعم الناجيات من العنف وتوجيههن.
مخلصات هامّة
من بين المخلصات الأساسية التي يعرضها التقرير، أنّ ارتفاع عدد الشكايات يبرز انعكاسات دخول قانون محاربة العنف ضد النساء إلى حيز التنفيذ، حيث ساهم في توسيع قاعدة التبليغ، خصوصا أن هذا القانون قام بتجريم مجموعة من الأفعال غير المجرمة.
لكن التقرير يظهر، أيضا، أنّ ثمة تفاوت بين المحاكم من نفس الدرجة وأحيانا بين المحاكم مع اختلاف درجاتها بخصوص تكييف مجموعة من الأفعال المتشابهة نتيجة عدم وضوح التعريفات وعدم تجريم مجموعة من الأفعال، كما يسجل وجود توجه نحو إعطاء الطابع الجنحي لقضايا عنف ضد النساء، بينما كان يفترض أن يتخذ بعضها طابع الجنايات.
التقرير كشف أيضا أن القانون الجنائي لا يتضمن تعريفا واضحا لمفهومي الاغتصاب وهتك العرض، كما لا يجرم الاغتصاب الزوجي بنص خاص، وأنّ قانون مكافحة الاتجار بالبشر لا يدقق مفهوم “استغلال وضعية الهشاشة في تعريف الاتجار بالبشر”، كما لا ينصّ على عدم مسؤولية ضحايا الاتجار بالبشر عن الأفعال غير القانونية المرتكبة تحت الإرغام أو المرتبطة مباشرة بهذا الاتجار.
إضافة لذلك، يجد التقرير محدودية في إعمال تدابير الحماية خاصة في قضايا الجنايات، وعدم إعمال قانون حماية الضحايا والشهود في جرائم العنف ضد النساء، وكذا عدم تخصيص جلسات خاصة بجرائم العنف ضد النساء ومحدودية اتخاذ إجراءات لتخفيف أعباء المحاكمة على الناجيات من العنف من خلال عدم تفعيل سرية بعض جلسات الاستماع إلى الضحايا وعدم منع إجراء المواجهة بينهن وبين المعتدين خاصة في قضايا الاعتداءات الجنسية على النساء والفتيات.
المجلس الوطني لحقوق الإنسان ينبّه كذلك لمحدودية وصول الناجيات من العنف إلى المساعدة القضائية والقانونية، مما يؤثر على مسارهن في الانتصاف، ناهيك عن ضعف الخدمات الطبية المجانية المقدمة إلى الناجيات من العنف والتي تقتصر على الشواهد الطبية ولا تشمل الرعاية الطبية اللاحقة وخاصة في حالة الاعتداء الجنسي.
كما يشدد تقرير المجلس على صعوبة المساطر المتعددة للتبليغ عن العنف، بما فيها إشكاليات الاختصاص المكاني وتحميل النساء الناجيات من العنف والضحايا عبء الإثبات، مما يؤثر على مسار التبليغ. كما أن تجريم المبلغات وإمكانية متابعتهن من أجل العلاقات الرضائية بين الراشدين يضعف معدلات التبليغ عن جرائم العنف.
لكن… الخطير، أنّ المجلس يبرز كيف تتنازل الضحايا عن الشكاية في قضايا العنف القائم على أساس النوع، وكيف ينعكس ذلك على مآل القضية وعلى العقوبة المحكوم بها بغض النظر عن نوعية القضية،
وهو ما يزيد من فرص تعريض الضحايا لضغوطات للتنازل ويسهم في الإفلات من العقاب.
توصيات المجلس
أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بضرورة استبدال مصطلحي الاغتصاب وهتك العرض بمصطلح “الاعتداء الجنسي”، الشامل لكل أشكال الاعتداء بالإكراه على أي جزء من جسد الضحية، بما في ذلك الإيلاج باستخدام أدوات، بغض النظر عن جنس الضحية وجنس المعتدي، وتجريم الاغتصاب الزوجي، وتجريم إكراه الغير على القيام بدون رضاه بأفعال ذات طبيعة جنسية مع شخص ثالث.
المجلس أقر كذلك العمل على إعادة النظر في تصنيف جريمة الاغتصاب واعتبارها جريمة ضد الحق في الأمن الشخصي والسلامة البدنية والجنسية والنفسية للأفراد، وليس كاعتداء على الأسرة والأخلاق، ومن ثم إعادة تعريف “التحرش الجنسي” باعتباره شكلا من أشكال التمييز ضد المرأة بتوضيح مفهوم الإمعان.
بالإضافة لذلك، طالب مجلس بوعياش بإعادة تعريف جريمة “التمييز” وفق التعريف الوارد في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة التي تعرّفه بأنّه كل “تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر.
المؤسسة الدستورية تقترح كذلك تحديد أمد تقادم الدعوى العمومية بالنسبة لجرائم العنف ضد النساء في فترة كافية ومتناسبة حسب خطورة الجريمة المرتكبة، وظروف الضحية؛ وإلغاء الفصول من 489 الى 493 من القانون الجنائي ذات الصلة برفع التجريم عن العلاقات الرضائية بين الراشدين؛ إضافة إلى تجريم كل صور تزويج الطفلات وتجريم المشاركة في ذلك.
كلمة الرئيسة
في كلمتها، قالت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إنّ هذه المعطيات، ذات الصلة بمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، رغم أهميتها، إلا أنها، قد لا تعكس الحقيقة، لأنه ثمة اختلاف بين المعدلات المعلن عنها وواقع العنف. كما أن المعطيات لا تعكس عدد ضحايا الجرائم المرتكبة والتي لا تصل إلى علم السلطات المكلفة بإنفاذ القانون.
بوعياش أضافت، على هامش عرض نتائج التقرير يوم 10 مارس 2022، أنّ المجلس سجل اختلافا بين المعطيات المسجلة لدى مصالح الأمن الوطني والدرك الملكي ورئاسة النيابة العامة، والقضايا التي تصل إلى المحاكم والتي يصدر بشأنها حكم نهائي. هذا الاختلاف بين المعطيات المعلنة والحقيقية جعل المجلس الوطني لحقوق الإنسان يطلع على عينة من 180 حكما اختيروا بطريقة عشوائية، مع مراعاة التنوع الجغرافي ومختلف درجات التقاضي والتي تغطي الفترة الممتدة منذ دخول قانون 103.13حيز التنفيذ في شتنبر 2018 إلى غاية نونبر 2022.
رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أكدت أنّ الالتزام لمحاربة العنف ضد النساء، هو أكثر من دعم لضحايا من طرف فاعلين ذاتيين، بحيث “إننا بحاجة لبيئات داعمة بآلياتها وأدواتها، تشجع الناجيات من العنف على البوح والتبليغ عن الجرائم المرتكبة ضدهن، والحصول على الاستقبال الملائم والتوجيه والدعم الضروريين والتنسيق ومراعاة الحق في الخصوصية والسرية وحماية كرامتهن في كافة الإجراءات بما فيها البحث والتحقيق والتقاضي واتخاذ التدابير اللازمة لمنع الانتقام من النساء اللواتي يلتمسن اللجوء إلى نظام العدالة“.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- المدير العام لجمعية ECPM: “القتل المقنّن” لم يعد له مكانٌ في عصرنا، والمغرب يقترب من إلغاء عقوبة الإعدام
- ما دام لا ينفذها… لماذا لا يُعدم المغربُ “العقوبةَ العظمى” (الإعدام)؟ 1\2
- المغرب… المقاطعة وحراك الريف! أزمة تواصل المؤسسات السياسية؟
- ادريس بن زكري… سيرة مهندس العدالة الانتقالية بالمغرب! 2/1
- منظمة العفو الدولية: عمليات الإعدام في العالم تراجعت عام 2018 وهذا ما ندعو إليه الحكومة المغربية