أبو القاسم الزهراوي… الأندلسي الذي وضع أسس الجراحة الحديثة
اسمه: أبو القاسم الزهراوي…
وصف مئات الأمراض وكيفية علاجها، وابتكر عشرات الأدوات الجراحية التي ما زالت تستعمل إلى اليوم…
عرفت الأندلس، خلال فترة التواجد العربي، حضارة علمية لا مثيل لها آنذاك… قد لا يكفي كتابٌ لعدّ العلماء والفلاسفة والأطباء الذين قدّمتهم للإنسانية.
… ومن أعظم العلوم التي برع فيها هؤلاء؛ الطّب والصيدلة. ابن زهر واحد ممن برعوا، ابن باجة أيضا وابن طفيل وابن البيطار… الأسماء أكثر من أن تُحصى.
لكن… ثمة اسمٌ لا يستقيم نسيانه في حديثنا هذا بعدما وصفه التّاريخ بـ”أب الجراحة الحديثة”.
أبو القاسم الزهراوي
ولد أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي، عام 936م، في مدينة الزهراء التي بناها أمويّو الأندلس شمال غرب مدينة قرطبة، وتوفي بها عام 1013م.
يُعرف في الغرب باسم “Abulcasis”. وكان من أعظم أطباء العصر؛ نابغة تخصص في الجراحة… أيام لم يكن أحد يضاهي العرب في الطب!
ابتكر الزهراوي أكثر من 200 أداة جراحية، وقد رسم تصاميمها بدقة في كتبه لمن أراد أن يصنعها… بعض هذه الأدوات ما زال يُستعمل إلى يومنا هذا، ومن أشهرها: الحقنة، ملقط التوليد، الإبرة والخيط الجراحي، اللاصق الطبي…
الزهراوي، مع نبوغه وما قدّمه في الطب والجراحة، لم يشتهر سوى بعد وفاته بقرن أو أكثر.
نذر حياته، بصغير تفاصيلها وكبيرها، لهذا العلم وللكتابة فيه… كان طبيب الخليفة عبد الرحمن الناصر، وابنه المستنصر، ومع ذلك… لم يستهوه البلاط!
حتى إن بعض المصادر التاريخية تصفه بـ”طبيب الفقراء”، إذ كان يُخصص نصف نهاره لمعالجة الفقراء من المرضى… مجانا؛ تقرّبا من الله.
أولى الإشارات عن الزهراوي وردت في كتابات ابن حزم الأندلسي، الذي عاصره في أواخر حياته فعدّه من أعظم أطباء الأندلس.
… في سيرة مثل هذه، لن يبدو غريبا شحّ ما بلغنا عن نشأة الزهراوي وكيف أخذ ينبغ… لكن، يكفي القول إنه عاش بقرطبة في أوج حضارتها.
يقول عنه المؤرخ ابن أبي أصبيعة في “عيون الأنباء في طبقات الأطباء”:
ظلت الموسوعة التي ألفها، بعد ترجمتها إلى اللاتينية في القرن الـ12م، المصدر الأساسي للمعرفة الطبية والجراحية في أوروبا لأزيد من خمسة قرون.
“خلف بن عباس الزهراوي كان طبيبا فاضلا خبيرا بالأدوية المفردة والمركبة، جيد العلاج، وله تصانيف مشهورة في صناعة الطب، وأفضلها كتابه المعروف بالزهراوي، وله من الكتب “كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف”، وهو أكبر تصانيفه وأشهرها، وهو كتاب تام في معناه”.
التصريف لمن عجز عن التأليف
انتهى الزهراوي من تأليف “التصريف لمن عجز عن التأليف” عام 1000م. موسوعة تقع في ثلاثين مجلدا غطّت كل ما تعلّق بالطب والصيدلة أيامه، وكل ما خبر من علم على مدى أكثر من نصف قرن من ممارسة الطب.
يقول ابن حزم الأندلسي في الرسائل عن هذه الموسوعة: “وكتاب التصريف لأبي القاسم خلف بن عباس الزهراوي، وقد أدركناه وشاهدناه، ولئن قلنا إنه لم يؤلَّف في الطب أجمع منه، ولا أحسن للقول والعمل في الطبائع لنُصدّقن”.
ألّف الزهراوي كُتبا عديدة مثل “نور العين”، “تفسير الأكيال والأوزان”، “المقالة في عمل اليد”… ومع ذلك، ظلت موسوعته تلك الأشهر.
أتت هذه الكتب على تفصيل نحو 325 مرضا، مع طرق علاجها.
غير أن أبرز ما تضمّنته وما أكسبه لقب “أب الجراحة الحديثة” ذاك، ما ورد فيها عن الجراحة من تفاصيل وتوسعه في ما ينجحها ويفسدها؛ ناهيك عن رسوم توضح أدوات جراحية ابتكرها وصمّمها بنفسه…
ظلت هذه الموسوعة، بعد ترجمتها إلى اللاتينية في القرن الـ12م، المصدر الأساسي للمعرفة الطبية والجراحية في أوروبا لأزيد من خمسة قرون.
ابتكارات
ابتكر الزهراوي أكثر من 200 أداة جراحية، وقد رسم تصاميمها بدقة في كتبه لمن أراد أن يصنعها…
الزهراوي كان أول من توصل إلى طريقة لربط الأوعية الدموية النازفة… وأول من وصف عملية قسطرة القلب وابتكر أدوات إجرائها…
بعض هذه الأدوات ما زال يُستعمل إلى يومنا هذا، ومن أشهرها: الحقنة، ملقط التوليد، الإبرة والخيط الجراحي، اللاصق الطبي…
كما له ابتكارات أخرى ينهجها الجراحون إلى اليوم، مثل استخدام الحبر لتحديد موضع الشف على جسم المريض قبيل الجراحة…
كان أيضا أول من استخدم الحرير في خياطة الجروح، وأول من اعتمد القطن كضمادة توضع على الجرح… جبر الكسور بالجبس كذلك من ابتكارات الزهراوي.
أوّل من…
لن تكفي بضعة أسطر للإشارة إلى كل ما كان الزهراوي سبّاقا إليه في الجراحة… حتى إن بعض ما صار الغرب يفتخر باختراعه، كان أبو القاسم قد أشار إليه قرونا قبل ذلك…
يُنسب إلى الطبيب الفرنسي غوستاف لوبون قوله إن “الزهراوي أشهر جراحي العرب، وصف عملية سحق الحصاة في المثانة على الخصوص، فعُدّت من اختراعات العصر الحاضر على غير حق”.
فالزهراوي، كما يثبت ذلك كتابه “التصريف”، كان أول من توصل إلى طريقة لربط الأوعية الدموية النازفة… وأول من وصف عملية قسطرة القلب وابتكر أدوات إجرائها…
… وأول من مارس التخييط الداخلي بإبرتين وخيط واحد… وأول من عالج البواسير الشرجية، وأول من ابتكر مقصلة لاستئصال اللوزتين… وتوسع على نحو غير مسبوق في طب الأسنان وجراحة الفكين…
كان أول من استخدم الحرير في خياطة الجروح، وأول من اعتمد القطن كضمادة توضع على الجرح… جبر الكسور بالجبس كذلك من ابتكارات الزهراوي.
… وأول من ابتكر آلة لمعالجة انسداد فتحة البول الخارجية عند الأطفال حديثي الولادة… وأول من توسع في التوليد وطرق تدبير الولادات العسيرة، وكيفية إخراج المشيمة الملتصقة (وهو عضو داخلي يتصل بالجنين عن طريق الحبل السري)، والحمل خارج الرحم، والجنين الميت، وأول من استعمل آلات خاصة لتوسيع عنق الرحم…
غير ذلك كثير… يقول المؤرخ دونالد كامبل، في كتابه “الطب العربي”، إن “طرق الزهراوي ألغت طرق جالينوس، وحافظت على مركز متميز في أوروبا لخمسمائة عام… كما ساعد على رفع مكانة الجراحة في أوروبا المسيحية…”.
… وذاك ما تؤكده أيضا شهادة للمستشرق جاك ريسلر عن الزهراوي في كتاب “الحضارة العربية”:
“وشرح جراح كبير-هو أبو القاسم الزهراوي علم الجراحة، وابتكر طرقا جديدة في الجراحة وامتد نجاحها فيما وراء حدود إسبانيا الإسلامية بكثير، وكان الناس من جميع أنحاء العالم المسيحي يذهبون لإجراء العمليات الجراحية في قرطبة”.
اقرأ أيضا:
- تاريخ الدواء: الصيدلة… من أدوية يحضرها الطبيب لمريضه إلى صناعة تدر الملايير 3/2
- من أشهر المتهمين بالإلحاد في التاريخ الإسلامي: أعظم أطباء الإنسانية… الرازي (الجزء الرابع)
- فيديو. مريم الإسطرلابي… اخترعت “الإسطرلاب المعقد” الذي يستمد منه اليوم نظام الـGPS والأقمار الصناعية طريقة اشتغالها…
- التاريخ الإسلامي لإسبانيا… من حضارة غير مسبوقة إلى محنة الدم والدين والطرد 1\10
- ابن باجة… فيلسوفٌ ظُلِمَ حياً وميتاً