بحضور مميز في المؤتمر العالمي لإلغاء عقوبة الإلعدام: هل يقترب المغرب من إلغاء الإعدام؟
أحمد حاو لمرايانا: المغرب يبادر إلى تقديم طُروحات جرّيئة في هذا الصدد، وحضوره بهذا الثقل ضمن المؤتمر هو في حد ذاته تذكير دائم بأنّ الرّغبة موجودة.
عبّرت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عن انخراط المغرب في سيرورة الاتجاه نحو إلغاء عقوبة الإعدام، نظراً لأنّ نضال المجتمع المدني حول هذه القضية، “هو أولاً، وقبل كل شيء، نهج يهدف إلى أن يصبح رفض القتل باسم القانون هو الأصل في كل مكان، من خلال تسليط الضوء على مختلف المناطق الرمادية التي تضفي الشرعية على هذه العقوبة السالبة للحياة”.
لذلك، قالت بوعياش على هامش المؤتمر العالمي الثامن ضد عقوبة الإعدام، الذي احتضنه العاصمة الألمانية برلين من 14 إلى 18 نونبر 2022، إنّ تحقيق ضمان فعلي للحق في الحياة يبقى قائما ومشروعا، باعتباره حقا طبيعيا ومطلقا، بدونه لا يمكن ممارسة أي حق آخر، وهذا هو هدفنا الأساسي.
لكنّ… بوعياش ترى أيضا، أنّه للقيام بذلك، “ثمّة حاجة إلى أدوات وتقنيات واستراتيجيات لمواجهة الحجج المناقضة للإلغاء، وتصحيح التصورات الخاطئة لدى من يحملونها، على جميع الجبهات، سياسيا وقانونيا وثقافيا. ولن يتمّ ذلك سوى إن كان بطريقة شاملة ومتعددة الأبعاد. ولعلّ هذا بالفعل ما سيساعد في إخراج الفاعل السياسي، أيضا، من حالة التردد والخوف، وتوجيه الاهتمام بالمقابل صوب الجرأة والعقل والإنسانية”.
أيضا، لم تخف بوعياش رغبتها في أن يتمّ تحديد الأولويات الاستراتيجية التي ينبغي أن تكون بمثابة بوصلة لتعميق الفهم والتعبئة، وتراعي مختلف الطروحات التي لابد أن تساهم في عملية الإلغاء الفعلي لعقوبة الإعدام؛ كما يجب تنسيق إجراءات المناصرة ودعم عمل الجهات الفاعلة التي تساهم في إلغاء عقوبة الإعدام عبر تسليط الضوء على القضايا في منطقتهم، وذلك من خلال تقديم محتوى عملي لهم.
عبد الله مسداد، الكاتب العام للمرصد المغربي للسجون، يعتبر أنّ تواجد المؤسسة بألمانيا للمشاركة في المؤتمر، نابع من الحرص الدائم للمجتمع المدني المغربي في تمثيل المغرب بشكل وازن في الملتقيات المماثلة، لأن المعركة مشتركة؛ فمنذ تأسيس المرصد المغربي للسجون، أدمج في قانونه الأساسي العمل من أجل إلغاء هذه العقوبة، كما بادر إلى تأسيس الائتلاف المغربي ضدّ عقوبة الإعدام، وعلى المستوى الدولي انخرط في الائتلاف الدولي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، وكان له شرف المشاركة في عدة مؤتمرات، منها هذا الذي تنظمه الجمعية الفرنسية “جميعا ضدّ عقوبة الإعدام”، كل ثلاث سنوات.
مسداد في تصريحه لمرايانا يرى أنّ مشاركة الوفد المغربي هذه المرّة مشاركة وازنة وهامة، حيث هناك رواق خاص بالمغرب للتعريف بالإشكالية وعراقيل الإلغاء، وتقريب مختلف سكان العالم من بنية عقوبة الإعدام بالمغرب. مشاركتنا في أشغال المؤتمر مكنتنا من إبلاغ عدة مواقف للحركة الحقوقيّة بالمغرب بخصوص الموضوع، يقول مسداد، وهذه المرّة تكمن أصالة الدورة في تقديمها الكلمة للشباب وإشراكهم في مجال حقوق الإنسان بما أنّ التغيير يبدأ باستهداف تصويب الوعي لدى الأجيال المقبلة.
هنا، يعتقد المتحدّث أنّ في هذا الأمر رهان كبير؛ ويمكن للشباب في المغرب وفي البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحقق مكاسب وتقدما هامًّا في هذا الملف. ملفّ المعركة للانتصار في الحق في الحياة وما يرتبطُ بها، يستدعي أن يصادق المغرب على البروتوكول الاختياري الثاني، وأيضا إلغاء كل القوانين التي تنص على الحكم بالإعدام والتصويت الإيجابي لفائدة وقف تنفيذ عقوبة الإعدام؛ مع الأسف المغرب امتنع عن التصويت في اللجنة الثالثة بالأمم المتحدة، لكننا… نأمل أن يتدارك هذا الموقف الذي سيكون بشهر دجنبر المقبل بالجمعية العامة للأمم المتحدة.
من زاوية أخرى، يقول أحمد حاو، وهو مغربي ومحكوم سابق بالإعدام إنّ “المفارقة التي يمكن أن نستشفّها هنا أنني محكوم سابق بالإعدام، وأنا اليوم أحضر في أكبر احتفال دولي لإلغاء هذه العقوبة المتوحّشة. الحضور هنا يشكّل لي جبرا للضرر، ويجعلني أتأكد باستمرار أنّ هناك عالما بعيدا عما نتصوره، أنّ هناك أفقا وخيطا علينا ألا نفلته. كنت أنتظر الموت مع كلّ صوت مفاتيح قرب الزّنزانة، أو خطوات الحارس، إلخ”.
حاو يضيف في تصريحه لمرايانا على هامش المؤتمر العالمي الثامن ضد عقوبة الإعدام أنه، حين كان معتقلاً، لم تكن ثمة منظمات نشيطة لإلغاء عقوبة الإعدام بالمعنى المؤسساتي بالمغرب. لكن، “كلما حضرت هذا المؤتمر أقول إنه ربما لم أكن لأحيا، لو أعدمتُ، حتى أكتشف ما الذي سيحدث. وكيف سينبعث هذا النور من داخل أنفاق السجون التي عشت فيها. لقد عشت ذلك الخوف، وذلك القلق، ولا أريد لأحد أن يعيشه. لهذا أنا هنا لأشارك تجربتي وأبين شناعة الوضع على كلّ الأصعدة. ليس لدينا خيار آخر سوى حذف عقوبة الإعدام من القوانين الوطنية والدولية عموما”.
في النهاية، يعتقد حاو أنّ المغرب يبادر إلى تقديم طُروحات جرّيئة في هذا الصدد، وحضوره بهذا الثقل ضمن المؤتمر هو في حد ذاته تذكير دائم بأنّ الرّغبة موجودة. الطّريق شاق فعلاً، لكن من الجيّد أن نعرف أنّ الجهود تسعى إلى الأفضل، بالفعل. لذلك، ما عشته وما أعيشه يوحي إلينا بشيء واحد: ما الذي سنستفيده لو تم إعدام هذا الرجل؟ وهل الإعدام سيكون حلا للحسم مع حدوث ما اقترفه؟ رغم أن سبب اعتقالي كان متعلقا بالنضال الحقوقي في سنوات الرصاص؛ في الأخير كل هذا حولني، فيما بعد، إلى مدافع عن خيار الإلغاء، باعتباره الأكثر واقعية ورحمة، بما أنّ هناك بدائل ممكنة.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- المدير العام لجمعية ECPM: “القتل المقنّن” لم يعد له مكانٌ في عصرنا، والمغرب يقترب من إلغاء عقوبة الإعدام
- ما دام لا ينفذها… لماذا لا يُعدم المغربُ “العقوبةَ العظمى” (الإعدام)؟ 1\2
- المغرب… المقاطعة وحراك الريف! أزمة تواصل المؤسسات السياسية؟
- ادريس بن زكري… سيرة مهندس العدالة الانتقالية بالمغرب! 2/1
- منظمة العفو الدولية: عمليات الإعدام في العالم تراجعت عام 2018 وهذا ما ندعو إليه الحكومة المغربية