العدالة الجبائية في المغرب: عدالة عنوانها الأكبر… تهرّبٌ ضريبيٌّ! 2 - Marayana - مرايانا
×
×

العدالة الجبائية في المغرب: عدالة عنوانها الأكبر… تهرّبٌ ضريبيٌّ! 2\2

الإشكال الأخطر الذي يترجمه التهرب الضريبي عندنا في المغرب، له علاقة بالثقافة والتشكيل الذهني والبناء المجتمعي للفاعل الاقتصادي؛ ذلك لأنّ التهرب الضريبي يقود إلى ما يمكن أن نسميه التمرد الضريبي لدى البعض، الذي يعتبر نفسه غير محظوظ ويقع عليه وزر احترام الضّرائب، في ظل وجود فئة أخرى لا تؤدي جبايات أساساً.

في الجزء الأول من هذا الملف، تبيّن أننا، بالفعل، لم نصل بعد إلى العدالة الضريبية في المغرب كما هو متعارف عليها في المعايير الدولية.

في هذا الجزء، نرصد مشكل التهرب الضريبي، فيما يتعلق بالضريبة على الشركات، ونقدم نظرةً عن مشروع القانون الجديد المتعلق بالإصلاح الجبائي.

من الواضح أن رهان الفاعلين الاقتصاديين، لازال هو الوصول إلى عدالة ضريبية تروم تحقيق المساواة بين جميع الملزمين، كيفما كان مستواهم، حسب دخل كل ملزم.

بمعنى أن كل ملزم يؤدي نفس المستوى حسب دخله، بغضّ النّظر عن قطَاعه أو عن الفِئة الاجتِماعية التي ينتمي إليها، فالكل يجب أن يكونوا سواسية أمام قانون الضّريبة… غير أنّ التّهرب الضّريبي في المغرب، لا يسمحُ بذلك!

معضلة التهرب الضريبي

بالنّسبة للضّريبة على الشّركات، الحيف الأكبرُ أن 78% من المُسجّلين رسمياً، حسبَ تقرير المجلس الأعلى للحِسابات، يصرّحون، بصِفة دائِمة، بأنّهم لم يحقّقوا أي ربح.

البقية التي تصرّح بالأرباح، فـ96% منها تصرّح بربح أقلّ من 300 ألف درهم، لأن السّعر ينزل بنسبة 10%… ويتساءل نجيب أقصبي: أين هي 30% التي تتحدث عنها الدولة ويتحدث عنها الوزراء والمستثمرون؟

لا شكّ أنّ هناك شركات تجني أرباحاً خيَالية، مثل الشركات الكبرى، وتدفع بالفعل نسبة 30%. لكن ذلك ظاهريا فقط، لأنه يتمّ التّحايل على الأرباح؛ وهذا يُدخلنا، بعمق، في نطَاق ما يُسمى بالتّهرب الضّريبي L’évasion fiscale.

التهرب الضّريبي يعكس مدى قدرة الملزمين على الاستعمال الماكرِ للثغرات القانُونية. إذ هنا، يدخُل الخُبراء القانُونيون والاقتصاديون والمحاسباتيون… إلخ. من بين هذه الحيل مثلاً، أن تقُوم الشركة بنفخ معدل النفقات، وتقليص معدل المداخيل.

مشكل الضّرائب على الشركات هو التّهرب الضّريبي، وهو العنوان الأكبر لانعدام العدالة الضريبية في البلد. كثرة التوصيات واستمرار القانون لعقود من الزمن يبين تواطؤ الدولة… لأنه، لو كانت هناك إرادة سياسية، لما وجد الملزمون ثغرات قانونية في المغرب، يقول الباحث في الاقتصاد.

المحلل الاقتصادي الطّيب أعيس، يشاطر نجيب أقصبي الرأي، ويعتبرُ أنّ التهرب الضريبي معضلة كبرى يعاني منها الاقتصاد الوطني.

التهرّب الضريبي، وفق ما أوضحه أعيس لمرايانا، يمس مُختلف الفئات، وعلى رأسها المشتغلة في الاقتصاد غير المهيكل أو “غير المرئي” أو “تحت الأرضي، الذي يتحرك وينتعش خارج القانون، ويتهرب من أداء الضرائب وغير معني بالضريبة عموماً.

كما أنّ هناك مؤسسات ومقاولات وشركات يتسم تسييرها بانعدام النزاهة، فتتهرب كذلك من الضريبة. إلا أنّ إدارة الضرائب ينبغي أن تقوم بدورها في المراقبة وفي التتبع، وفي مراجعة المؤسسات المالية التي توجد بخصوصها شبهة التّهرب من الأداء الضريبي، يقول الطيب أعيس.

أكثر من ذلك، يصيب التهرب الضريبي الخزينة العامة بالضرر، ويضعف مجهود الدّولة في الاستثمار وفي توفير البنى التحتية والخدمات الاجتماعية، كما قد يدفعها إلى الاقتِراض، ويرفع من كلفة الدين ويؤدي إلى غياب التوازن في مالية الدولة، وهي إشكاليات تجترها من سنة إلى أخرى.

إضافة إلى أنّ التهرب الضريبي يطرح إشكالاً كبيراً، وهو أنه يمس التنافس والمنافسة الشريفة بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين.

من جهة أخرى، يرى الباحث في الاقتصاد، مهدي فقير، أنّ الإشكال الأخطر الذي يترجمُه التهرب الضّريبي عندنا في المغرب، له علاقة بالثقافة والتشكيل الذهني والبناء المجتمعي للفاعل الاقتصادي.

ذلك لأنّ التهرب الضريبي يقود إلى ما يمكن أن نسميه التمرد الضريبي لدى البعض، الذي يعتبر نفسه غير محظوظ ويقع عليه وزر احترام الضّرائب، في ظل وجود فئة أخرى لا تؤدي جبايات أساساً.

يضيف فقير في تواصله مع مرايانا، أنّ هذا التّمرد يمكن مواجهته عن طريق تجديد التشريعات المتعلقة بالرقابة الضريبية، وإقرار نظام رقابة صارم، متوازن، لكنه تدريجي ومتدرج، يمكن في نهاية المطاف من أن يمتثل الجميع للقانون الضريبي أو العدالة الجبائية.

منظمة أوكسفام، في تقرير صدر عام 2019، كانت قد أشارت إلى أنّ المغرب يفقد ما يصل إلى 2.45 مليار دولار بسبب التهرب الضريبي والاحتيال من شركات متعددة الجنسيات… لذلك، طالب المختصون بإصلاح القانون المؤطر للجبايات في المملكة المغربية!

نحو تعديل القانون

يونس مليح، الباحث في القانون والمتخصص في العدالة الضريبية، يفصح عن ثغرات قانونية فيما يتعلق بالعدالة الجبائية.

هذه الثغرات، حاولت المُناظرات السّابقة حول العدالة الضريبية إبرازها، سواء من خلال المناظرة الأولى التي تؤرخ في 26 نونبر من سنة 1999، أو الثانية في 2013 أو الثالثة في سنة 2019، والتي كانت مختلف عناوينها تضع الأصبُع على إشكَال العدالة من حيثُ أداء الضرائب.

مليح يقول في حديثه لمرايانا إنه يمكن إجمال هذه الثّغرات القانُونية، على مستوى الكم والعدد الكبير في التصاريح الضريبية، وكذا تلك المعدّة للأداء الضريبي بالنسبة للضرائب الثلاث: IR وIS وTVA، الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة.

التصاريح المعدّة باللغتين العربية والفرنسية، تُشكل عبئاً وثقلاً على الملزمين، خصوصا بالنّسبة للفئة التي ليست لها دراية أو معرفة بالمادة الضريبية، وبكيفية ملء هذه التّصاريح والإقرارات التّقنية، يضيفُ مليح.

بحسب الباحث، فإن “نظامنا الضريبي المغربي، وبالأخص المدونة العامة للضّرائب، تتّسم بعدَم الوضُوح وعدم المقرُوئية، الأمر الذي جعلَ من الصّعب حتّى على مُوظفي الإدَارة والممارسين المُتخصّصين استيعابه جملةً وتفصيلاً”.

كما أن هذا النظام يؤدي إلى زعزعة ثقة الملزَمين بالإدارة الضريبية، بالإضافة إلى تشتّت النماذج الضريبية المعدّة من طرف هذه الإدارة، والتي تحتوي على رموز غير مفهومة ولغة فرنسية غير مفهومة لدى غالبية الملزمين، الأمر الذي يضرب في العمق مبدأ العدالة الضريبية في هذه المِسطرة.

لذلك وغيره، من التوصيات الواردة في المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات التي نظمت سنة 2019، والهادفة إلى إصلاح عميق للنظام الضريبي، تمت المصادقة على قانون إطار يتعلق بالإصلاح الجبائي.

مشروع القانون هذا يحمل رقم 69.19، وصادق عليه المجلس الوزاري المنعقد يوم الخميس 8 يوليوز 2021، برئاسة الملك محمد السادس، وسيشكّل مرجعاً أساسياً يؤطر السياسة الجبائية للدّولة.

من المنتظر أن يتمّ تنزيل هذا الإصلاح، من خلال تدابير ذات أولوية خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك في أفق “إرساء سياسة جبائية عادلة ومنصفة ومتناسقة وفعالة وشفافة، في إطار السعي إلى تعزيز مساهمة جبايات الدولة والجماعات الترابية في تمويل سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية”، حسب ما جاء في مشروع القانون.

ضمن الأهداف الأساسية لهذا القانون، والتي نصّت عليها المادة 3 منه، تخفيض العبء الجبائي على الخاضعين للضريبة، بالموازاة مع توسيع الوعاء الضريبي، وتكريس مبدأ حيادية الضريبة في مجال الضريبة على القيمة المضافة… وذلك عبر توسيع نطاق تطبيقها وتقليص عدد الأسعار وتعميم الحق في استرجاعها.

كما نصّت المادة 4 على أنه سيتم التوجّه تدريجياً نحو سعر موحد فيما يخص الضّريبة على الشركات، لا سيما بالنسبة إلى الأنشطة الصناعية؛ وتطبيق سعر موحد فيما يخص الأسعار المتعلقة بالأنظمة التفضيلية المطبقة بمناطق التسريع الصناعي والخدمات.

هذا بالإضافة إلى المُساهمة برسم الضريبة على الشّركات، فيما يخصّ المؤسّسات والمقاوَلات العمومية والشّركات التي تزاول أنشطة مقنّنة، أو في وضعية احتكار أو احتكار القلة، والتخفيض التدريجي لأسعار الحد الأدنى للضريبة.

كتعليق، يقول المهدي فقير لمرايانا إنّ هذا القانون يندرجُ في إطار العهدة الأولى للحكومة الحالية، وهو قانون لا بد منه لوضع الخطة العريضة للإصلاح الضريبي وإخراجه من النّمطية والبلقنة واللاعدالة.

قوته، حسب فقير، تكمن في كونه “إطاراً عاماً يحتاج، فقط، إلى كثير من الجرأة السياسية لأجرأته، كما يحتاجُ إلى عديد من الأفكار لخلق روافع جبائية حقيقية وتوجيهات ضريبية تخدم بشكل دقيق النّموذج التّنموي”.

هناك من يذهب إلى أنّ الإصلاح الجبائي ينبغي أن يعيد النظر في إعفاء الفلاحين الكبار، ومراجعة الضرائب على الأرباح؛ وذلك لكون العائدات الضريبية التي تجنيها الدولة من الأرباح، لا تسهم في تمويل الميزانية.

مع التأكيد على أنّ الضرائب التي تمسّ الاستهلاكات عبر الضّريبة غير المُباشرة والضّريبة على القيمة المضافة، هي التي تسهم في تمويل الميزانية، كما رأينا في الجزء الأول من الملف.

كما على الدولة أن تتجه لفرض ضريبة على الإرث والمظاهر الخارجية للثراء، مثل السيارات الفخمة، واليخوت، والشاليهات، واللوحات الفاخرة وغيرها… كل هذا يجعل من العدالة الضريبية مرادفاً للإصلاح الجبائي، بحيث تكون المساهمة في التّمويل متساوية مع نسبة الدخل.

لكن… هناك سؤال عريض تطرحه مرايانا في نهاية هذا الملف: من يدفع الضرائب في المغرب؟

الإجابة جدّ بسيطة: الجزء الأكبر يدفعه المواطن/المستهلك، ثمّ الأجير الذي هو أيضاً مُستهلك، فحفنةٌ من الشركات والمؤسسات العمومية… وضمن هذا الثّلاثي، تنهارُ العَدالة الضّريبية!

فهل هذا التّشريع الجديد سيكُون عقبةً بالنّسبة لحرفيي التحايل والتّهرب الضريبي؟ وهل ستكون ثمّة عقوبات حقيقية وصارمة ومشدّدة تستهدف المخالفين؟ وهل سيكون ضمانة فعلية لإقرار العدالة… الضّريبية في البلد؟

لننتظر… حتى نرى!

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *