الثورة الإيرانية: ثورة إسلامية أم ثورة… أمريكية؟هذا هو الوجه الآخر المحتمل لثورة الإسلاميين في إيران عام 1979...
43 عاما مرت على الثورة الإيرانية التي أطاحت بالنظام الملكي هناك مستبدلة إياه بجمهورية إسلامية. كان عرّاب هذه الثورة (إن صح التعبير) رجل اسمه روح الله الخميني، الذي سيصبح المرشد …
43 عاما مرت على الثورة الإيرانية التي أطاحت بالنظام الملكي هناك مستبدلة إياه بجمهورية إسلامية. كان عرّاب هذه الثورة (إن صح التعبير) رجل اسمه روح الله الخميني، الذي سيصبح المرشد الأعلى للشيعة فإيران.
إلى هنا، قد يبدو كل شيء “ورديا”. بل إن ذلك كان الواجهة التي نظرنا إليها على مدى أزيد من 35 عاما؛ فالثورة الإيرانية كانت -كما يمكن أن تكون أي ثورة-، ردا على حكم الشاه محمد رضا بهلوي، والظلم الاجتماعي والشعور بالتغريب وأيضا نفي روح الله الخميني.
الخميني الذي سيصير حاكما لإيران بعد ذلك، لم يفلت فرصة حينذاك ليسم الولايات المتحدة الأمريكية بكل التعابير اللاذعة، حد أن بلغ به الأمر وصفها بـ”الشيطان الأعظم”. كما أكد أنه لن يدخر جهدا، في محاربة الإمبريالية الأمريكية… كان عدوا لدودا! لكن…
عام 2016، في الذكرى الـ27 لوفاة الخميني، نشرت “بي بي سي فارسي” وثائق أماطت اللثام عنها وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، تفيد بأن الخميني كان على تعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ 1963، وبأن الرئيس جيمي كارتر هو الذي أوصله إلى سدة الحكم!
كيف ذلك؟ لغير ما ادعاه الخميني، وفق هذه الوثائق، نخصص هذا الملف.
اقرأ أيضا: هل تعرف أن إيران ليست بمهد للتشيع وأنها كانت تعتنق يوما ما المذهب السني؟ 2/1
عام 1963، عرض شاه إيران (الملك) محمد رضا بهلوي، على شعبه، مجموعة إصلاحات اقتصادية واجتماعية فيما عرف بـ”الثورة البيضاء”. بيد أن هذه الإجراءات الجديدة قوبلت باستهجان كبير من قبل الإسلاميين، الذين اعتبروا أنها تشكل خطرا على الإسلام، ذلك أنها ستتيح، مثلا، للمرأة التصويت في الانتخابات!
الخميني قطع وعدا للرئيس كارتر بأن “إيران لن تقطع النفط عن الغرب، كما أنها لن تصدر الثورة إلى دول المنطقة؛ كما أنها، أساسا، ستسعى إلى إقامة علاقات ودية مع الولايات المتحدة”.
في غضون ذلك، خرج الخميني على الشعب الإيراني بخطابات تفيد أن الشاه يجري علاقات سرية مع إسرائيل، كما وجه هجوما لاذعا إلى الرئيس الأمريكي…
سدد الخميني ثمن ذلك، اعتقالا، ثم في وقت لاحق، نفيا.
لكن الذي كشفت عنه مستندات أمريكية بعنوان “الإسلام في إيران”، هو أن الخميني، بينما كان في معتقله بطهران عام 1963، راسل الرئيس الأمريكي جون كينيدي في غفلة من أعين الـSAVAC (جهاز المخابرات الإيراني آنذاك)، للتعبير عن دعمه للمصالح الأمريكية في إيران.
ليست هناك أي معطيات تبين ما إذا كان كينيدي قد قرأ رسالة الخميني أم لا، فقد اغتيل بعد أسبوعين في تكساس. بيد أن المستندات تفيد أنه، قبيل ثورة 1979، أعاد الخميني تواصله مع الإدارة الأمريكية في شخص الرئيس جيمي كارتر.
الخميني قطع في رسالته وعدا للرئيس كارتر بأن إيران لن تقطع النفط عن الغرب، كما أنها لن تصدر الثورة إلى دول المنطقة؛ كما أنها، أساسا، ستسعى إلى إقامة علاقات ودية مع الولايات المتحدة.
وفق مستندات الـCIA، فإن القادة العسكريين الإيرانيين سيستمعون إلى الأمريكيين، في حين سيتتبع الشعب الإيراني ما يمليه عليهم الخميني.
اقرأ أيضا: هل يسطو خامنئي على شيعة العراق؟ ولاية الفقيه أم الدولة المدنية؟
هكذا، سيكون لكارتر حينذاك أن يستغل نفوذه على العكسر لتسهيل الانقلاب، بينما سيعمل الخميني على استقرار إيران، ليكون الحاصل: حماية المصالح الأمريكية وأيضا الشعب الإيراني.
الخميني أضاف يومها يَعِد كارتر: “سترون أنه ليس لدينا عداء خاص ضد الأمريكيين، وسيثبت لكم أن الجمهورية الإسلامية القائمة على الفلسفة والقوانين الإسلامية لم تكن شيئا غير حكومة محبة للإنسانية وداعمة لمبدأ السلام والهدوء لكل البشرية”.
لماذا استجدى الخميني دعم الولايات المتحدة، بينما كان يحظى بحضور مهيب وبأنصار كثيرين؟ ليضمن ألا ينقلب عليه الجيش يوما ما… تقول الوثائق.
الواقع أن كارتر كان ممتعضا من الاضطرابات التي يعاني منها ويواجهها نظام حكم الشاه محمد رضا بهلوي، داخليا وخارجيا في المنطقة؛ ثم ما لبثت الولايات المتحدة أن مارست ضغوطا كبيرة عليه قصد إيصاله إلى طريق مسدود حتى يجبر على التنازل عن الحكم.
في مطلع عام 1979، توصل الرئيس كارتر، تقول مستندات الـCIA، ببرقية عاجلة من سفيره في إيران، ويليام ساليوان، وقد كانت المظاهرات قد اندلعت حينذاك، يخبره فيها أن الشاه الإيراني حدد خيارين ليمضي فيهما، إما تسليم الأمور لرئيس الوزراء شابور بختيار أو إصدار الأمر إلى الجيش بقمع أنصار الخميني.
اقرأ أيضا: حركة الحشاشين…أخطر حركة ثورية عرفها التاريخ الإسلامي؟ 4/1
“اللحظة التاريخية”، إذن، حانت وفق السفير الأمريكي. هكذا، اجتمع الرئيس كارتر مع كبار مساعديه لبحث طريقة لإجبار الشاه على مغادرة إيران، فكان أن تقرر أنه “يجب تشجيع الشاه على الرحيل من دون أن يعرف أن أمريكا وراء ذلك”.
هذا القرار جاء لأن كارتر كان متوجسا من إمكانية مآل السلطة إلى الجيش. لكن، كان أن استقال الجنرال غلام علي أويسي في 4 يناير\كانون الثاني 1979، فزال بذلك القلق الأمريكي. أوعز كارتر حينها إلى الشاه بألا يتردد في تسليم الأمور إلى رئيس الوزراء ومغادرة إيران حتى لا ينقسم الجيش.
في غضون ذلك، كانت الإدارة الأمريكية قد توصلت إلى إجماع بالتعاون مع الخميني، ودخلت معه في مفاوضات مباشرة في منفاه لإعلان نظام ولاية الفقيه في إيران. يومها، قال رئيس جهاز المخابرات في الخارجية الأمريكية، فيليب إستودارد، وفق ما تورده الوثائق التي كشفت عنها “بي بي سي فارسي”:
“بعيد عن الإنصاف أن نعتقد بأن الخميني رمز للفصل بين الجنسين وأنه معاد لحقوق المرأة. الخميني غير مهتم بالسياسة الخارجية ولا يهمه كثيرا بيع النفط لإسرائيل”.
اقرأ أيضا: صراع “ولاية الفقيه”: هل يسطو خامنئي على شيعة العراق؟ خلاف ديني أم صراع سياسي؟
السؤال الآن، لماذا استجدى الخميني دعم الولايات المتحدة، بينما كان يحظى بحضور مهيب وبأنصار كثيرين؟ ليضمن ألا ينقلب عليه الجيش يوما ما… تقول الوثائق.
وفق مستندات الـCIA، إذن، الخميني كان يقول علنا “الموت للشيطان الأعظم”، فيما “يعبده” سرا ويستجدي بركاته… صحيح أن هذه المستندات عصفت بالرأي العام الإيراني وقت الكشف عنها بين مصدق ومكذب؛ لكن إذا ما صحت رواية “بي بي سي فارسي” هذه، فإن تاريخا آخر للثورة الإيرانية سيكون حاليا قيد إعادة الكتابة!