ابراهيم إغلان: سيدة المباراة…
إن تداعيات مشاهدة سيدة حكمة، وهي تركض خلف الكرة واللاعبين، مُطَبقة قوانين اللعبة، ربما أفضل من زملائها الذكور، لا يمكن بأي حال تجاهلها رمزيا.
كان هذا المشهد مفرحا، يبعث بعض الأمل للذين يتخوفون مما آلت إليه أفكار ومواقف العديد من شبابنا الذين رهنوا تفكيرهم لشيوخ الفتنة
حدث رياضي شهده المغرب يوم السبت 14 ماي 2022، وهو نهاية كأس العرش بين فريقي المغرب التطواني والجيش الملكي بالملعب الكبير لأغادير.
الذين تابعوا هذه المباراة، لاحظوا أن التحكيم أسند، ولأول مرة في تاريخ المغرب ومنطقة الشرق الأوسط-شمال إفريقيا، إلى سيدة حكمة، هي بشرى كربوبي، بمساعدة سيدة حَكَمة أخرى، هي فتيحة الجرمومي.
إلى هنا، الأمر واضح. لكن، أن يمر هكذا حدث بدون أن يثير انتباه العامة والخاصة، فتلكم مسألة تحتاج إلى وقفة تأملية.
إن تعيين سيدة لتحكيم مباراة من هذا المستوى، هو فعل جدير بقراءة عميقة؛ تفترض منا بعض الاستنتاجات التي لابد من طرحها:
أولا: اختيار حكم بصيغة المؤنث لقيادة مباراة نهاية كأس العرش في كرة القدم، هو اختيار شجاع وصادم وحكيم من قبل الجامعة الملكية لكرة القدم. شجاع، بحكم أن المجال الرياضي ببلادنا، وخاصة كرة القدم، مجال ذكوري بامتياز: تدبيرا وتدريبا وجمهورا وإعلاما…
وصادم، لأن العقليات المحافظة لا زالت مهيمنة على الفضاء العمومي، وينعكس ذلك على مستوى التواصل الاجتماعي. بل سيكون فعلا صادما حتى بالنسبة للرياضيين والمتتبعين أنفسهم.
وحكيم، بسبب المتابعة الجماهيرية لهذا الحدث، داخل المغرب وخارجه. إنه درس بليغ في معنى المناصفة داخل مجتمع لا زال غير مقتنع، أو على الأقل بعض من فئاته، بحضور المرأة في هكذا أحداث رياضية كبرى.
ثانيا: شجاعة بشرى كربوبي في تدبير لقاء رياضي بين فريقين عريقين، بجمهوريهما المعروفين بقدرتهما الهائلة على التشجيع، وبحضور آلاف المشجعين وانتقالهم الى مدينة أغادير، يدل على أن المرأة المغربية قادرة على اختراق مجال صعب، يحتاج فيه الانسان، ليس للكفاءة وحدها، بل يتطلب مسؤولية مضاعفة، فيها قدر من الحزم واتخاذ القرار المناسب والاجتهاد في مواقف معينة.
ثالثا: غياب أو إهمال أو عدم الاكتراث بهذا الحضور النسوي داخل رقعة الملعب أمام الملايين من المشاهدين، داخل الملعب وخارجه، حيث نلاحظ ذلك سواء على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي أو على المستوى الإعلامي، بما فيه الاعلام الرياضي. بينما كان الأجدر أن يستثمر هذا الحضور النسوي لتغيير العقليات والذهنيات التي ما فتأت تنظر الى المرأة برؤية ظلامية، حيث المرأة “مكانها الطبيعي هو البيت وتربية الأبناء”، حسب تصور البعض.
رابعا: إن تداعيات مشاهدة سيدة حكمة، وهي تركض خلف الكرة واللاعبين، مطبقة قوانين اللعبة، ربما أفضل من زملائها الذكور، لا يمكن بأي حال تجاهلها رمزيا. كان هذا المشهد مفرحا، يبعث بعض الأمل للذين يتخوفون مما آلت إليه أفكار ومواقف العديد من شبابنا الذين رهنوا تفكيرهم لشيوخ الفتنة. ونحن نذكر فقط، قبل أيام قليلة، اللغط الذي صاحب مسلسلا مغربيا….
بعد هذه الاستنتاجات، شكرا للجامعة الملكية لكرة القدم على حسن اختيارها وصوابها وجرأتها، فمجال كرة القدم، اللعبة الأكثر شعبية في العالم، ليس بالسهولة التي قد يتصورها البعض. أن يمر هذا الملمح الحضاري الجميل مرور الكرام، بوعي أو بدونه، بقصد أو غيره، بالنسبة لي، يثير أكثر من استفهام: سياسيا وثقافيا واجتماعيا ورياضيا.
كان على الهيئات السياسية وفعاليات المجتمع المدني أن تعبر عن دعمها لهذا الاجراء الرياضي، المتمثل في حضور سيدة لقيادة نهاية كأس العرش، لما لهذا الحدث من رمزية مزدوجة، من جهة؛ إنه كأس الملك، ومن جهة أخرى؛ أن من يحمل شارة الحكم مواطنة مغربية. كان على الإعلاميين الوقوف إزاء هذا الحدث التاريخي، واستخلاص الرسائل الواضحة من ورائه. وكان أخيرا على دعاة المناصفة وأيضا الحقوقيات والحقوقيين المدافعين على حقوق المرأة استثمار هذه اللحظة المنفلتة من الزمن المغربي، علها تكون بداية مطالب جديدة للمرأة المغربية، وما أكثرها…
أما أنا، فسأذكر بهذه اللحظة، كلما اشتد الضيق بنسائنا، وكلما روج شيوخ الفتنة الأفكار القادمة من زمن بعيد. كرة القدم، لما لها من حضور شعبي في الملاعب والأزقة والمقاهي والبيوت، قد تساهم على الأقل في تقديم صورة جميلة عن المرأة المغربية التي تختزل عادة خارج الوطن في نمطية مبتذلة.
أتمنى أن تنهج الجامعة الملكية لكرة القدم هذا الاختيار، وأن تفسح للمشهد العام فرصة نماذج رائعة على غرار بشرى كربوبي وأخواتها. أما من تعامل مع هذا القرار بسخرية تارة؛ وبتهكم تارة أخرى، بل بنسيان مقصود، فعليه السلام.
هذه حكاية من حكايات نساء مغربيات، قدرهن الحضور والمسؤولية والكفاءة والعطاء. مباراة نهاية كأس العرش الأخيرة، ستظل في الذاكرة، على أمل أن تتوالى مثل هذه الحكايات المضيئة في حياتنا المليئة بالمفارقات النفسية والاجتماعية: سلوكا ومواقف وحالات.
مقالات قد تهمك:
- MDJS تدخل على خطّ مبادرة “تاجة سبور” لدعم ممارسة الفتيات للرياضة
- حين كان ماكيافيلي لاعبا ودافنشي مشجعا! كرة القدم… لعبة الرعاع والمجرمين! 1/2
- ارتبط العنف بتاريخها… هكذا أشعلت كرة القدم حروبا مدمرة 2/2
- عبد الكريم جويطي يكتب: “مجنون الكرة”… الظلمي الذي رأى ما لا يراه الآخرون
- ملاعب كرة القدم… الملاذ الجديد للاحتجاج السياسي والاجتماعي في المغرب (1/2)
- عبد الكريم جويطي يكتب لمرايانا: مجنون الكرة… دموع ميسي