الشرق الأوسط وشمال إفريقيا… قَبولٌ بالتحديث ونأيٌ عن الحداثة! - Marayana - مرايانا
×
×

الشرق الأوسط وشمال إفريقيا… قَبولٌ بالتحديث ونأيٌ عن الحداثة!

تشهد المنطقة التي تُعرف بالعربية تحولات جذرية على المستوى العمراني والتكنولوجي، خاصة في شبه الجزيرة العربية، بعد اكتشاف النفط…
تحولات كبيرة، رافقتها عمليات تحديثٌ، ما زال الكثيرون يعتقدون أنه… حداثة!

يرى عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين، أنه صار أسهل اليوم الفصل بين الحداثة والتحديث.

في الماضي، كان الاعتقاد السائد أن الدول الأكثر حداثة هي أكثرها أخذا بوسائل التحديث.

أما اليوم، فقد أصبح من الممكن لبلدان غير حداثية، أن تكون أكثر تحديثا من البلدان الأكثر تقدما في الحداثة.

لكن… ما الحداثة وما التحديث؟

عند البحث عن تعريف لمفهوم الحداثة، عادة ما يرتكز المفكرون على فكرتين أساسيتين: الثورة ضد التقليد ومركزية العقل.

فالحداثة نسقٌ من الانقطاعات التاريخية عن المراحل السابقة التي هيمنت فيها التقاليد والعقائد ذات الطابع الشمولي.

الحداثة رفضٌ للجمود والانغلاق، وقَبولٌ بالانفتاح والتفاعل من الثقافات الإنسانية…

التحديث ليس أكثر من مجرد جلبٍ للتقنية والاختراعات الحديثة وتوظيفها في الحياة الاجتماعية… دون أن تُحدث أي تغيير عقلي أو ذهني للإنسان من الكون والعالم.

الحداثةُ موقفٌ عقليّ تجاه مسألة المعرفة، وإزاء المناهج التي يستخدمها العقل للتوصل إلى معرفة ملموسة.

… والفصل بين الحداثة والتحديث، مدخلٌ منهجي لتعريف الحداثة بصورة علمية.

التحديث، في النهاية، ليس أكثر من مجرد جلبٍ للتقنية والاختراعات الحديثة وتوظيفها في الحياة الاجتماعية… دون أن تُحدث أي تغيير عقلي أو ذهني للإنسان من الكون والعالم.

التيارات الأصولية، مثلا، هي أيضا تستخدم التقنيات الحديثة، لكن دون أن تأخذ بالروح العلمية أو الفلسفية للتقنية (التقانة كما يسميها آخرون).

معنى ذلك… أن ما نعرفه من تطور في البنيات التحتية ومستويات الإنتاج والاستهلاك، لا يشكل سوى صورة لعملية التحديث.

التحديث قشورُ حداثة، وقد يكون حالة من الاستيراد المنظم لبعض مظاهرها مثل: السيارات، الطائرات، ثقافة الاستهلاك… إلخ.

الحداثة رفضٌ للجمود والانغلاق، وقَبولٌ بالانفتاح والتفاعل من الثقافات الإنسانية…

بعبارة أخرى؛ التحديث مادي نلمسه على الأرض، بينما الحداثة فكريةٌ… ويجدر بهذه أن تسبق الأولى!

في التجربة “العربية”؛ أو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عملية التحديث تأخذ، وفق البعض، طابع المحاكاة الجوفاء لمظاهر المدنية في الغرب…

أي أن هذه المظاهر لا تنم في المنطقة عن حالة حداثية تنبثق من صميم المجتمع وتتكون في رحمه الحضاري.

محمد أركون

في كتابه “الإسلام والحداثة”، يعطي المفكر الجزائري محمد أركون أمثلة عن ذلك من الخليج العربي ومن بلاده الجزائر، التي انخرطت منذ صبيحة الاستقلال في التحديث عن طريق استيراد المصانع والخبرات.

بالنسبة له، هذه ليست بحداثة. الحداثة كانت ممكنة فقط عن طريق بناء مختبرات في مجالات الفيزياء، الكيمياء والرياضيات.

ذات الموقف نشهده في بلدان الخليج العربي، التي تستورد مظاهر الحداثة المادية، حيث تكمن روح ديكارت، أديسون، غاليليو وغيرهم… هذه الروح العلمية هي التي تمثل جوهر الحداثة.

… ونحن بهذا المعنى، ننقل مظاهر هذه الروح لا روح العلم والمعرفة العلمية!

الذي يحدث في المنطقة صحيح أنه يوحي بتطورات مادية على المستوى العمراني والتكنولوجي… لكنها تظل مجهودات تحديثية، وليست عملا يروم إلى تأسيس الحداثة.

التحديث قشورُ حداثة، وقد يكون حالة من الاستيراد المنظم لبعض مظاهرها مثل: السيارات، الطائرات، ثقافة الاستهلاك… إلخ. بعبارة أخرى؛ التحديث مادي نلمسه على الأرض، بينما الحداثة فكريةٌ… ويجدر بهذه أن تسبق الأولى!

نحن لا نزال في فضاء عقلي يعود إلى القرون الوسطى، وهذا لوحده قد يعطينا فكرة عن وضعية المنطقة في علاقتها بالحداثة.

المجتمعات العربية الإسلامية تعرف، منذ زمن، مدًّا للفكر الأصولي… فكرٌ يحتفي بالموت مقابل الحياة، وحتى إن لم يكن بعضه متطرفا، إلا أنه يتميز بطابع الزهد في الدنيا التي يعتبرها جسرا إلى الآخرة التي تجسد الحياة الأبدية.

دول الخليج العربي مثالٌ جليّ عن الخلط بين التحديث والحداثة؛ إذ قليلا ما أدركت أن الحداثة تأتي أولا، ثم التحديث…

كما أسلفنا، التحولات المادية في المنطقة كانت شاملةً بعد اكتشاف النفط… لكنها كانت أكبر وأسرع من تلك الثقافية.

عائدات النفط، أدهى من ذلك، أسهمت في خلق ظاهرتي الدولة الريعية والحياة الاستهلاكية، وهما ظاهرتان تؤثران سلبا على أي مشروع نهضوي.

الذي يحدث في المنطقة صحيح أنه يوحي بتطورات مادية على المستوى العمراني والتكنولوجي… لكنها تظل مجهودات تحديثية، وليست عملا يروم إلى تأسيس الحداثة.

… هذا الخلط يجعل البعض يقبل بالتحديث (المادي) ويرفض الحداثة (الفكرية)؛ أي أنه يرفض العقلانية، الفردانية، الحرية، الديمقراطية، النزعة الوضعية… إلخ.

ما الذي يحول بيننا والحداثة إذن؟

يعتبر المفكر المغربي عبد الله العروي، أن الحداثة موجة كاسحة؛ قدر تاريخي لا راد له.

عبد الله العروي

لكن المشكلة، بحسبه، أنها تواجه في المنطقة عوائق عدة، أهمها الاختيار التقليدي الواعي بذاته وأهدافه… ذلك الاختيار الذي ينكر الحداثة ويدينها ويعتبرها نشازا ومُروقا وجهالة ينبغي على روادها إعلان التوبة والعودة إلى الجادة أو الطريق المستقيم.

هذا العائق، في نظر العروي، تكمن صعوبة التخلص منه في إعادة إنتاجه لذاته باستمرار دون أي مراجعة أو نقد ذاتي.

ثمة عوائق أخرى، منها ما يرتبط بالثقافة السياسية التقليدية القائمة على الولاء وطاعة أولي الأمر، وما يرتبط بالمؤسسة الاجتماعية التقليدية، التي تكبل الفرد وتحول بينه وبين التحرر من أَسْر البنيات التقليدية كالقبيلة والأسرة التقليدية والشرف…

المصادر:

  • عبد المالك خلف التميمي، أكاديمي كويتي، عن كتابه “الحداثة والتحديث في دول الخليج العربي منذ منتصف القرن العشرين”؛
  • علي وطفة، أكاديمي سوري، عن مقاله: “مقاربات في مفهومي الحداثة وما بعد الحداثة”؛
  • محمد البهيج، باحث مغربي، عن مقاله: “الحداثة والتحديث في الفكر المغربي المعاصر”؛
  • نزهة صادق، باحثة مغربية، عن مقالها: “المجتمع العربي وجدلية الحداثة والتحديث”؛
  • كمال عبد اللطيف، أكاديمي مغربي، عن مقاله: “الحداثة والتحديث؛ نحو تعقل حالة الإخفاق”.
تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *