ست سنوات بعد حادث غراند بسام الإرهابي… الناجون الإيفواريون يسترجعون ذكريات ما عاشوه
غراند بسام، بلدة سياحية تقع جنوب شرقي ساحل العاج. في الثالث عشر من شهر مارس سنة 2016، شهدت المنطقة هجوما إرهابيا غير مسبوق تسبب في مقتل 14 مدنيا وعسكريين اثنين.
الحادث الذي تبناه تنظيم القاعدة، نفذه مجموعة من المسلحين الذين فتحوا النار بشكل مفاجئ على مرتادي المنتجع السياحي، بعدما اعتادوا القدوم للاستمتاع بجمالية المنطقة.
ست سنوات بعد الحادث، كان لنا لقاء مع ناجين من الهجوم الإرهابي الذين تحملوا تبعات نفسية واقتصادية مستمرة إلى الآن، لم تثنهم عن الاستمرار في العيش ومواصلة نشاطاتهم في المنطقة.
إبيريم روز: تفاؤل يتجاوز الألم
“لحظة أليمة”، بهذه العبارة استهلت إبيريم حديثها عن حادث إطلاق النار الذي عاشته عن قرب.
إبيريم روز، مديرة الفضاء الثقافي حيث بدأ الإرهابيون هجومهم، كانت مِن بين الأشخاص الذين عاينوا اللحظات الأولى لعملية إطلاق النار، ولا زالت تتذكر ما وقع بكثير من المرارة: “يوم الأحد في منتصف النهار، كنت هنا! فجأة لمحت شخصين يتقدمان إلى داخل الفضاء. أحدهما كان يقفز بشكل غريب ويحاول تثبيت سترته، وأخذ الآخر يفتح النار. كان هناك زوجان يقفان بالقرب منهما… استهدفوا الزوج بطلقة نارية ليسقط أرضا. حاولت زوجته الفرار، لكنهم أطلقوا عليها النار أيضا”. تغمض عينيها وتعتذر عن عدم القدرة على الاستمرار في وصف المشهد.
كانت إبيريم تعيش حياة مستقرة على المستوى المادي كما النفسي، قبل أن يقلب الحادث حياتها رأسا على عقب، إذ تؤكد أنها عانت من أوضاع نفسية صعبة، كما تراجعت السياحة حينها بشكل كبير في غراند بسام، ما انعكس على مداخيلها التي كانت تجنيها من توافد السياح على الفضاء الذي تديره.
بالرغم من التأثر البالغ الذي يظهر من خلال حديثها عن ما وقع، إلا أن إبيريم أبانت عن إصرار كبير عقب حادث غراند بسام، فعلى إثر الحال الذي آلت إليه المنطقة، بادرت السيدة الأربعينية إلى تأسيس جمعية للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لساكنة المنطقة: “لقد تضررنا كثيرا، أغلقنا متاجرنا ولا أحد كان يأتي إلى هنا، كنا عاجزين عن تسديد الضرائب.. ومن هنا أتت فكرة تأسيس الجمعية”.
تقول إبريم إن الخوف من تكرار مثل هذا الحادث لا يزال يلاحقها، لكنها مطمئنة إلى حد كبير بفضل التدابير الأمنية التي تم إرساؤها في المنطقة: ” غراند بسام آمن، الأوضاع مستقرة، وعناصر الشرطة متواجدين باستمرار لتعزيز الأمن في المنطقة”، تؤكد إبيريم روز.
لم تغفل إبيريم الإشادة بدور زوجها الذي ساعدها على تجاوز الصدمة، فقد أكدت أنه دائما ما كان يجد الكلمات المناسبة لتهدئتها والتقليل من خوفها: “إنه مرافق نفسي رائع”، تضيف الناجية من حادث غراند بسام الإرهابي.
لوك أنطوان : فقد صديقا وأنقذ آخرين
بالنسبة للوك أنطوان الذي نجى من حادث غراند بسام ببعض الندوب على مستوى ساقه اليمنى، ترتبط لديه ذكرى الحادث بفقدانه لصديقه الذي لقي حتفه إثر الطلقات النارية: “صديق طفولتي إيريك توفي هنا. كان يأتي في نهاية الأسبوع إلى الشاطئ لبيع السجائر. لا أستطيع تجاوز الأمر إلى الآن”، يحكي لوك أنطوان الذي بدا متأثرا.
ما يحز في نفس لوك أنطوان، شأنه شأن ساكنة المنطقة، أن منفذي الهجوم الإرهابي كانوا يقطنون بالقرب منهم، استقروا قبل شهرين بغراند بسام، وأصبحوا جيرانا لهم يصادفونهم ويتعاملون معهم بشكل يومي، ولم يشككوا قط في نواياهم.
بإصرار من أصدقائه، حكى لنا لوك أنطوان عن عمليات الإنقاذ التي بادر إليها لإجلاء المصابين بالرغم من أن الهجوم لم يكن قد انتهى بعد: “عند سقوط الضحايا المصابين أرضا، همت العناصر الإرهابية إلى التوجه نحو الشاطئ. حينها سارعت إلى حمل المصابين وإبعادهم قدر الإمكان عن مكان الحادث. وضعت البعض في سيارات، لكي يتم نقلهم إلى المستشفى”، يتابع لوك أنطوان سرد أطوار الحادث المباغت.
سيسي علي: جهود متواصلة لتنمية المنطقة
غير بعيد عن شاطئ غراند بسام، يقع مجمع الصناعة اليدوية حيث تحدثنا إلى سيسي علي الذي يعمل حِرفيا في المنطقة، وهو أيضا الكاتب العام للمعرض الدولي للصناعة اليدوية بغراند بسام: “كنا في وُرشنا منهمكين في أعمالنا، حين وصلتنا أخبار أن هناك هجوما إرهابيا نفذه “جهاديون” على بعد 50 مترا من المجمع. حل الهلع في أوساطنا وسارع الجميع إلى الاختباء في مكان آمن، خصوصا حينما بلغنا أن مطاردات الشرطة لا تزال مستمرة حينها”، يحكي سيسي علي.
يقول سيسي علي إن الحادث أثر بشكل كبير على سير العمل في المجمع: “أينما حل الإرهابيون، اختفى السياح”، يضيف الحرفي الذي عمل بشكل جاهد برفقة زملائه على خلق فرص وحلول تساهم في الترويج للمنطقة وجذب السياح من جديد.
“سنة 2019، أطلقنا المعرض الدولي للصناعة اليدوية، لكي نتمكن من عرض منتجاتنا وكسب زبناء جدد، وقد عرف السنة الماضية مشاركة 16 دولة”، يشرح لنا سيسي علي الذي بدا راضيا عن تعاون السلطات الإيفوارية في إنجاح المعرض، كما أكد أنه مطمئن بشأن الوضع الأمني للمنطقة التي باتت تعرف تواجدا مكثفا لرجال الأمن.
تفاؤل، حسرة، وأمل، كانت هذه أغلب الأحاسيس التي خيمت على حديث الناجين من الهجوم الإرهابي الذي استهدف بلدة غراند بسام. لا أحد منهم تجاوز المأساة التي عاشها آنذاك كليا. لكن، يبقى ما يوحدهم أيضا هو ذلك الإصرار في المضي إلى الأمام، وتلك الرغبة في أن تستعيد بلدتهم توهجها.
* أنجز هذا التقرير ضمن فعاليات برنامج تدريبي حول تعزيز دور الصحفيين في مجال محاصرة الخطاب المتطرف العنيف في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، الذي نظمه Equal Access International لفائدة صحفيي المنطقة بأبيدجان، ساحل العاج.