على أبواب ثورة لم يشهد العالم مثلها منذ الثورة الصناعية… الذكاء الاصطناعي: مدعاة للتفاؤل بالمستقبل أم للارتعاب منه؟ - Marayana - مرايانا
×
×

على أبواب ثورة لم يشهد العالم مثلها منذ الثورة الصناعية… الذكاء الاصطناعي: مدعاة للتفاؤل بالمستقبل أم للارتعاب منه؟

لم يعد الأمر يحتاج إلى خيال خصب… إن هي إلا بداية عصر، سنتفاعل فيه في جل حياتنا اليومية مع روبوتات، كما لو كانوا بشرا مثلنا… حين سنتصل بخدمة مبيعات مثلا.

منذ الآن، بدأ الذكاء الاصطناعي يغزو حياتنا. لا يبدأ الأمر بحديثنا مع روبوتات في خدمة المبيعات، ولا ينتهي عند انتشار السيارات ذاتية القيادة حولنا…

بالنسبة للبعض، تدعو هذه الثورة التي تطرق باب العالم إلى التفاؤل بمستقبل باهر ينتظر البشرية، بينما بالنسبة لبعض آخر، يثير تطور الذكاء الاصطناعي رعبا يصل إلى الاعتقاد باقتراب فناء البشرية…

فما هو الذكاء الاصطناعي؟ وهل هو مدعاة للتفاؤل بالمستقبل أم للارتعاب منه؟ ذاك ما نتابعه في هذا الملف.

الذكاء الاصطناعي، ببساطة، ذكاء تبديه آلات على نحو يحاكي القدرات الذهنية للبشر…

يمكن لهذه الآلات، مثلا، أن تتعلم وتستنتج وتبدي رد فعل على وضع لم تبرمج عليه سابقا!

كيف؟ من خلال “التعلم العميق”…

إذا كان هذا يبدو بالنسبة لك مرعبا، أو على الأقل مقلقا، فأنت في صف ستيفن هوكينغ، بيل غيتس، وإلون ماسك…

هذه الآلات طُورّت بشبكات عصبية صناعية، تحاكي في طريقة عملها الدماغ البشري، بحيث تصير قادرة على التعلم وتطوير نفسها، ذاتيا، دون تدخل من الإنسان.

وارد جدا، بالمناسبة، ألا تكون قد سمعت بذلك سابقا… عام 2017، من أصل 1500 من كبار قادة الأعمال في الولايات المتحدة، فقط 17 بالمائة، قالوا إن دراية سابقة كانت لهم بالذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضا: كوثر بوبكار، من أبرز الباحثين في ميدان النانوتيكنولوجيا في العالم: المغرب لا يخلو من الكفاءات، ولكنها محبطة لبطء وثيرة التغيير

في الواقع، هناك 3 أنواع من الذكاء الاصطناعي:

  • الضعيف، ويركز على مهمة واحدة، ويفتقد للقدرة على التأقلم والتعلم الذاتي؛
  • القوي، ويحاول محاكاة دماغ الإنسان، والقيام بمعظم المهام التي يقوم بها؛
  • الخارق، ويفوق العقول البشرية في كل المجالات، بما فيها الإبداع العلمي والمهارات الاجتماعية… على أن بعض العلماء يشكك في إمكانية بلوغ هذا المستوى.

إذا كان هذا يبدو بالنسبة لك مرعبا، أو على الأقل مقلقا، فأنت في صف ستيفن هوكينغ، بيل غيتس، وإلون ماسك…

سبق لعالم الفيزياء، ستيفن هوكينغ، أن صرح بأن تطوير ذكاء اصطناعي كامل، قد يمهد لفناء الجنس البشري، محذرا من قدرة الآلات على إعادة تصميم نفسها ذاتيا.

مؤسس مايكروسوفت، بيل غيتس، سبق له أيضا أن صرح بأنه في معسكر من يشعرون بالقلق حيال الذكاء الخارق، معبرا عن أمله في أن تظل الروبوتات غبية إلى حد ما.

من جهته، سبق للمخترع إلون ماسك أن اعتبر الذكاء الاصطناعي بأنه من أعظم المخاطر التي تهدد الوجود البشري، واصفا تطوير الآلات الذكية بـ”استحضار الشيطان”!

في إحدى المسابقات عام 2015، استطاع بوت يدعى Eugene Goostman أن يوهم أكثر من نصف متابعيه من البشر، بأنهم كانوا يدردشون مع إنسان، لا مع بوت صناعي.

غير أن البعض يستبعد إمكانية أن يؤثر الذكاء الاصطناعي في الحياة الإنسانية، على نحو يتسبب بمخاطر على الجنس البشري.

يوشوا بينغيو، أستاذ علم الحاسوب بجامعة مونتريال، مثلا، يرى أن الذكاء الاصطناعي يحتاج لسنوات عديدة من التطور البطيء والتدريجي، قبل أن يبلغ المدى الذي قد نخشى منه، ذلك أنه يستند في تطوره إلى علوم وأفكار ما زالت فتية.

اقرأ أيضا: إدمان التكنولوجيا الرقمية: صناعة تستعبدنا ولها مخاطر أم أن المخاطر مجرد ادعاء؟

بعبارة أخرى، لن يصير العالم مثل فيلم خيال علمي بين عشية وضحاها!

لكن، في إحدى المسابقات عام 2015، استطاع بوت[1] يدعى Eugene Goostman أن يوهم أكثر من نصف متابعيه من البشر، بأنهم كانوا يدردشون مع إنسان، لا مع بوت صناعي…

لم يعد الأمر يحتاج إلى خيال خصب… إن هي إلا بداية عصر، سنتفاعل فيه في جل حياتنا اليومية مع روبوتات، كما لو كانوا بشرا مثلنا… حين سنتصل بخدمة مبيعات مثلا.

حاليا، يمكن، وفق تقرير أعدته شركة Mckinsey، استبدال 45 بالمائة من المهام التي يقوم بها الإنسان في الولايات المتحدة، باستخدام تقنيات متوفرة في السوق.

بعض الخبراء يظن أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستصبح أكثر شيوعا وفائدة بحلول عام 2030، على نحو سيؤدي إلى تحسين الاقتصاد وجودة الحياة.

إذا تحدثنا عن جودة الحياة، فقد نذكر، وفق المحللين، لائحة طويلة من أوجه تغير العالم الذي سيحدثه الذكاء الاصطناعي. لا يبتدئ الأمر بأن تصبح جميع المركبات ذاتية القيادة وأكثر أمانا، أو الحصول على روبوتات خدم، يعتنون بالأطفال مثلا، ولا ينتهي عند قدرة الذكاء الاصطناعي على منحك العلاج المناسب للجينوم الوراثي الخاص بك.

اقرأ أيضا: حسين الوادعي: نحن متخلفون ولسنا مختلفين…

حاليا، يمكن، وفق تقرير أعدته شركة Mckinsey، استبدال 45 بالمائة من المهام التي يقوم بها الإنسان في الولايات المتحدة، باستخدام تقنيات متوفرة في السوق.

وفي تحول يبدو أن العالم لم يشهد مثله منذ الثورة الصناعية… ادعت إحدى الدراسات أن 800 مليون وظيفة ستختفي في ظل بروز الأتمتة[2] Automation بحلول عام 2030.

دراسة أخرى تتوقع أن يجري، مستقبلا، استبدال حوالي 83 بالمئة من الحرف ذات الأجور التي لا تتجاوز 20 دولارا في الساعة.

لكن السؤال الذي يظل قائما، ماذا لو تحول الذكاء الاصطناعي ليقف ضد الإنسان؟

النظام الاقتصادي في العالم، يعتمد على التعويض مقابل المساهمة، ويُقيّم غالبا بـ”الأجر بالساعة”… العائدات مستقبلا ستذهب إلى عدد أقل من الناس، ما يعني أن فجوة ستتسع بين العمال وأصحاب الشركات، ما يطرح سؤال هيكلة اقتصاد عادل في المرحلة التي تحمل منذ الآن اسم “ما بعد العمل” Post-labor economy.

إلا أن آخرين يرون أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى خلق وظائف جديدة، مع حدوث تغير في سوق العمل ونوع الوظائف المطلوبة… يذهب هؤلاء إلى تقدير أن الذكاء الاصطناعي، سيضيف إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2030، أزيد من 15 تريليون دولار.

اقرأ أيضا: هل تُعجّل جائحة كورونا بالقضاء على الفجوة الرقمية في العالم؟

الأمر يبدو مثيرا لدول كثيرة؛ فقد كشفت الصين، مثلا، عن خطة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي خصصت لها 22 مليار دولار.

كذلك سبق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن صرح بأن بلاده ينبغي أن تشغل موقعا رياديا في بحوث الذكاء الاصطناعي، وأقر خطة لتحقيق ذلك خصص لها 1.5 مليار يورو.

الحضارة مستقبلا ستكون مختلفة تماما، وسيكون لهذه الثورة تأثير جوهري فيها، لكن الأهم، ليس حجم الذكاء الاصطناعي الذي ستكون عليه، إنما القيم التي سترتكز عليها.

إجمالا، دول عديدة تمضي حثيثا نحو ذلك: الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية، سنغافورة، اليابان، إستونيا، كندا، ألمانيا، أمثلة من بين أخرى.

لكن السؤال الذي يظل قائما، ماذا لو تحول الذكاء الاصطناعي ليقف ضد الإنسان؟

حين نتحدث عن آلة، فلا معنى للحديث عما إذا كانت تحمل داخلها نية خير أو شر… فقد لا تفهم السياق الكامل للمطلوب منها.

اقرأ أيضا: بتقنية 5G… صيني يجري أول عملية جراحية دماغية عن بعد في العالم

مثلا، قد يحدث أن تبرمج آلة وتطور نفسها على ذكاء القضاء على مرض ما، لكنها عوض أن تقضي على ذلك المرض، ربما تقضي على كل إنسان في العالم… ستكون قد قضت على المرض أيضا، أليس كذلك؟

أيا يكن، المؤكد أن الحضارة مستقبلا ستكون مختلفة تماما، وسيكون لهذه الثورة تأثير جوهري فيها، لكن الأهم، ليس حجم الذكاء الاصطناعي الذي ستكون عليه، إنما القيم التي سترتكز عليها.


[1]  برنامج/تطبيق آلي يتم تشغيله بواسطة الأنترنت.
[2]  مصطلح مستحدث تم تعريبه، ويعني التشغيل الآلي، أي أن تعمل الآلة ذاتية دون تدخل بشري.
تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *