إيران كونترا: صفقة سلاح أمريكي لإيران… دور إسرائيل ووساطة خاشقجي 2/2
ضمت طاولة اجتماع باريسي، جورج بوش الأب، نائب ريغان آنذاك، ورئيس الوزراء الإيراني أبو الحسن بني صدر، بحضور مندوب عن الموساد الإسرائيلي “آري بن ميناش”، ليتم الاتفاق على تزويد طهران بأسلحة متطورة.
تقرر حينها توزيع الشحنة إلى دفعات، وأسندت مهمة التكلف بالشحنة الأولى إلى تاجر الأسلحة السعودي “خاشقجي”، الذي أشرف، رفقة مندوب الموساد، على نقل تلك الأسلحة… من إسرائيل إلى إيران.
تابعنا في الجزء الأول، خلفيات المشهد الذي… تجمعت تفاصيله، لتعلن عن واحدة من أكبر فضائح البيت الأبيض.
في هذا الجزء، الثاني والأخير، نواصل اقتفاء حكاية “إيران جيت” أو “إيران كونترا”، من خلال النبش في صفقة الأسلحة بين أمريكا وإيران، دور إسرائيل و”خاشقجي” فيها… وخروج الحكاية من السر إلى العلن.
بداية المفاوضات
كانت إدارة الرئيس الأمريكي تبحث عن منفذ لتمويل حركة كونترا خارج قيود الكونغرس، وتحرير الرهائن الأمريكيين. في ذات الوقت، كانت إيران تبحث عن شراء أسلحة تواجه بها العراق.
يروي ماكفرلين، مستشار ريغان للأمن القومي آنذاك، وأحد المتورطين في القضية، كيف أنه اتصل بنبيه بري وأعلن عن رفض أمريكا لمطالب هذا الأخير. في نفس الوقت، اتجه صوب التصعيد بالتهديد بقصف ميناء بيروت، وهو ما دفع عددا من القيادات إلى الضغط على بري.
تم الاتفاق على توزيع الشحنة إلى دفعات، وأسندت مهمة التكلف بالشحنة الأولى، إلى تاجر السلاح السعودي “عدنان خاشقجي”، الذي أشرف، رفقة مندوب الموساد، على نقل تلك الأسلحة من إسرائيل إلى إيران.
كان الأمر أشبه بدائرة مغلقة… بالموازاة مع ذلك، وجد الرئيس حافظ الأسد المناسبة مواتية، للعب دور في هذه الأزمة، حيث أكد للسفير الأميركي في دمشق، رغبته في المساعدة، مقابل إفراج الإسرائيليين عن المسجونين العرب لديهم.
بحسب ماكفرلين، فإنه بعد سلسلة من المحادثات الحساسة والصعبة، تم التوصل إلى صيغة حل، إذ أكدت الإدارة الامريكية، بشكل خاص وغير رسمي، للطرف السوري واللبناني، بأن إسرائيل ستفرج عن دفعة من السجناء العرب قريبا.
في خضم هذه المفاوضات، سيحدث تطور مهم: اتصال هاتفي من رئيس البرلمان الإيراني هاشمي رفسنجاني بالرئيس السوري حافظ الأسد، حيث يخبره الأول أن إيران، ترغب في أن يتم الإفراج عن رهائن الطائرة، مضيفا أن طهران تجري اتصالات في هذا الاتجاه مع جهات لبنانية.
لقاء على طاولة باريسية يجمع إيران بأمريكا… بحضور إسرائيلي ووساطة خاشقجي
لم يكن التدخل الإيراني بدون ثمن، فبينما كانت منابر الجمعة تهتز خلف الخميني، بالدعاء بالموت لأمريكا وإسرائيل، والإدارة الامريكية تشيطن إيران وتمنع بيع أي أسلحة لها، كما أشرنا لذلك في الجزء الأول، كانت سلسلة من المفاوضات تنعقد بين الطرفين، توجت باجتماع باريس.
ضمت طاولة هذا الاجتماع، جورج بوش الأب، الذي كان آنذاك نائبا لريغان، في مقابلة رئيس الوزراء الإيراني أبو الحسن بني صدر، بحضور مندوب عن الموساد الإسرائيلي “آري بن ميناش”، حيث نص الاتفاق السري بين الطرفين… على تزويد طهران بأسلحة متطورة، تشمل ثلاثة آلاف صاروخ من طراز “تاو” TOW مضاد للدروع وصواريخ “هوك” أرض جو HAWK مضادة للطائرات، وقطع غيار طائرات “فانتوم”.
إقرأ أيضا: في الذكرى الـ40 للثورة الإيرانية: ثورة إسلامية أم ثورة… أمريكية؟
… في المقابل، يجري إطلاق سراح مواطنين أميركيين، كانوا محتجزين في لبنان، وتضخ إيران ثمن شحنة الأسلحة في حساب مصرفي سري في سويسرا.
تم الاتفاق على توزيع الشحنة إلى دفعات، وأسندت مهمة التكلف بالشحنة الأولى، إلى تاجر السلاح السعودي “عدنان خاشقجي”، الذي أشرف، رفقة مندوب الموساد، على نقل تلك الأسلحة من إسرائيل إلى إيران.
من تل أبيب إلى طهران
في 20 غشت 1985، ستنطلق شحنة سلاح على متن طائرة DC-8 من تل أبيب صوب طهران، في صفقة كان وسيطها عدنان خاشقجي،-عم جمال خاشقجي-.
ضمت الشحنة 96 صاروخاً من نوع “تاو”، تلتها شحنة أخرى إضافية تضمنت 408 من نفس الصواريخ، بتاريخ 14 شتنبر من نفس العام، وفي نونبر 1985، تم شحن 18 صاروخاً من البرتغال وإسرائيل، تلاها 62 صاروخاً آخر من إسرائيل. ويومي 17 و27 فبراير 1986 تم إرسال 18 صاروخا مضادا للطائرات من طراز “هوك” تبعها ألف صاروخ “تاو”. كما تسلمت طهران 508 صاروخ “تاو” وقطع غيار لصواريخ هوك في 24 ماي 1986، بينما تسلمت 500 صاروخ “تاو” يوم 28 أكتوبر من نفس السنة.
لم يكن التدخل الإيراني بدون ثمن، فبينما كانت منابر الجمعة تهتز خلف الخميني، بالدعاء بالموت لأمريكا وإسرائيل، والإدارة الامريكية تشيطن إيران وتمنع بيع أي أسلحة لها، كانت سلسلة من المفاوضات تنعقد بين الطرفين، توجت باجتماع باريس.
بتاريخ 4 أبريل 1986، تم الشروع في تحويل الأموال المتحصل عليها من صفقة السلاح مع طهران إلى حساب قوات الكونترا، إذ قامت إدارة الرئيس الأمريكي ريغان بضخ هذه الأموال في حسابات سرية في سويسرا، واستعملت بعضها في تمويل مقاتلي الكونترا في نيكاراغوا. الفضيحة.
أنباء الفضيحة تنتشر من لبنان
لم تستمر شحنات السلاح بالوصول، بعدما انكشفت الصفقة، إذ تمكنت صحيفة الشراع اللبنانية من الوصول إلى الخبر، ونشرت أول خبر عن الفضيحة في نونبر 1986، تبعتها قناة “bbc” التي نشرت تقريرا مطولا من عدة أجزاء، تناولت فيه أخبار الصفقة؛ وهو ما رج الرأي العام الأمريكي، وتعالت الأصوات المنتقدة للعملية.
تحت الضغوط الكبيرة، أعلن الرئيس الأمريكي ريغان في 26 نونبر 1986، عن تأسيس لجنة رئاسية للقيام بمراجعة خاصة في الفضيحة، عرفت باسم “لجنة تاور”. كما أكد المدّعي العام أدوين ميز، في مؤتمر صحفي في نفس اليوم، أن إسرائيل لعبت دور المحرّض والمشجّع في القضية، وهو ما نفاه إسحاق شامير، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك.
ريغان: جاني أم بريء
في 6 يناير 1987، تم الإعلان عن تشكيل لجان خاصة في مجلسي الشيوخ والنواب، للتحقيق في الصفقة، بما فيه الدور الذي لعبته إسرائيل فيها، وعلاقتها بثوار الكونترا. فيما حملت نتائج تحقيق لجنة عضو مجلس الشيوخ السابق جون تاور، التي صدرت في 26 فبراير، مسؤولية ما حصل لمستشاري الرئيس ريغان، حيث خلصت إلى أن الرئيس لم يكن في الغالب على علم بنشاطات مجلس الأمن القومي.
إقرأ أيضا: من الولايات المتحدة الأمريكية، عمر بوم يكتب: مستقبل الديانة اليهودية في نسختها المغربية
لكن، في 18 من نونبر 1987، ستصدر نتائج لجان التحقيق التي شكلها مجلس الشيوخ والنواب. بعد اطلاعها على مفكرة الملاحظات اليومية الخاصة بالرئيس، والتي أظهرت علمه بالقضية، خلصت إلى أن الرئيس ريغان تقاعس في تنفيذ واجبه الدستوري، بـ “الحرص على تنفيذ القوانين بكل إخلاص”، محملة إياه “المسؤولية الكبرى” واتهمت إدارته بممارسة التكتم والخداع وازدراء القانون.
يوم 11 مارس 1988، سيعترف مستشار الأمن القومي السابق، ماكفارلين، بكونه مذنبا في أربع تهم تتعلق بإخفائه عن الكونغرس، معلومات حول جهود الإدارة لمساعدة الكونترا؛ فيما وجهت اللجنة لنائب مستشار الأمن القومي، أوليفر نورث، تسع تهم، أدين في ثلاث منها هي “الكذب على الكونغرس وتدمير وثيقة رسمية وقبول إكرامية غير قانونية”، وذلك بتاريخ 16 مارس 1988.
انتهت فصول قضية إيران-كونترا، لكنها كشفت النقاب على أن المتحول هو الأساس في السياسة… وأنه لا عدو دائم، كما لا صديق دائم. وحدها المصالح هي البوصلة.
لقراءة الجزء الأول: إيران كونترا: حكاية عشق ممنوع بين الخميني وريغان. 1\2