مكانة المرأة العربية قبل الإسلام: كهانة النساء وحكاية سجاح بنت الحارث التميمية 3/3 - Marayana - مرايانا
×
×

مكانة المرأة العربية قبل الإسلام: كهانة النساء وحكاية سجاح بنت الحارث التميمية 3/3

المرأة العربية قبل الإسلام كانت تتبوأ مكانة هامة في التنظيم الاجتماعي…
الشاهد على ذلك، عدد من المؤشرات الدالة والرمزيات الواضحة، كتأنيث الآلهة، وكذلك تقلد المرأة لوظيفة الكهانة وأخيرا من خلال النموذج الأبرز لرئاسة المرأة الدينية والسياسية، والمتمثل في شخصية سجاح بنت الحارث التميمية.

عبد الهادي دهراوي

تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، كيف حاولت مؤسسة الفقه الإسلامي، بناء تأويل إيديولوجي يكرس تلك الصورة الناقصة للمرأة…

في الجزء الثاني، عملنا على تقديم بعض من سيرة المكانة المتميزة للنساء عند عرب ما قبل الإسلام. مكانة، وصلت حد عبادة آلهة إناث.

في هذا الجزء الثالث والأخير، نتوقف عند أثر أساسي يؤكد المكانة المتميزة للمرأة العربية قبل الإسلام، وهو كهانة النساء، كما نقتفي بعضا من سيرة سجاح، متنبية العرب التي … اتبعها كثير من الرجال.

من المعلوم أن نافذتنا الأساسية على أخبار المجتمع العربي قبل الإسلام، هي ما جاء في القرآن والتفاسير وكتب التراث عامة. أما الآثار المادية عن تلك المرحلة، فهي قليلة جدا إن لم نقل منعدمة.  لذلك، فإننا مضطرون للاعتماد كليا على تلك المصادر التراثية رغم أنها لا تعدو أن تكون مرويات لا دليل عليها.

اقرأ أيضا: شغب ناعم… قصة جارية حكمت الدولة العباسية 1/2

في بحثنا عن النساء الكاهنات عند العرب، وجدنا أن الكتب والمرويات الإسلامية أوردت عددا منهن، كالكاهنة الغيطلة بنت مالك بن الحارث، وهي كاهنة بني سهم، وفاطمة بنت النعمان النجارية، وطريفة بنت الخير الحميرية زوجة الملك الحميري عمرو بن مالك أو كاهنته فقط على اختلاف الروايات.

كما ذكر سيد القمني الكاهنة الزبراء، المنسوب لها سجعا شبيها بلغة القرآن الكريم، وقد جاء فيه: “واللوح الخافق، والليل الغاسق، والصباح الشارق، والنجم الطارق…”[1].

ولا شك أن كهانة النساء، هي دليل على أن المرأة العربية قبل الإسلام، قد لعبت أدوارا مرموقة داخل النظام الاجتماعي العربي، نظرا لمكانة الكهانة الرفيعة في الاعتقاد العربي قبل الإسلام، وقد ورد في بعض النصوص اللحيانية كلمة “أفكلت”، وهي تعني “كاهنة”[2]، والكاهنة لغويا تعني من تقضي بالغيب وتدعي معرفة الأسرار.

مارست الكاهنات دور الوساطة الدينية بين الآلهة وعموم الناس، كن أيضا يستشرن في أمور الحياة، وكن يرجزن كلامهن بالسجع، وكانت لهن بالتالي، مكانة متميزة عند العرب نظرا لذلك.

تعددت إذن كاهنات العرب ما قبل الإسلام، بل وأكثر من ذلك، لنا في حكاية سجاح، دليل آخر على مكانة النساء، غير تلك التي قدمها التأويل الإيديولوجي لصورة المرأة…

سجاح بنت الحارث بن سويد التميمية، هي أول امرأة “ادعت” النبوة، حسب ما جاء في كتاب الأوائل لابن هلال العسكري.  تقول كتب الأخبار بأنها ظهرت بعد وفاة النبي، ولكنها تكهنت في قومها قبل ادعاء النبوة[3]، اتبعها رجال من قومها يذكر منهم الواقدي غيلان بن فرشة، والحارث بن الأهتم، وجماعة من بني تميم[4]، كما يذكر العسقلاني أن عطارد بن حاجب بن زرارة كان أحد أتباعها[5]، ويذكر الدينوري في المعارف أن عطارد بن حاجب أنشد يفتخر بسجاح قائلا:

“أمست نبيتنا أنثى نطيف بها \ وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا”

 لعل من المثير للاهتمام ما ورد عند ابن الأثير من أن الهذيل بن عمران التغلبي، وقد كان نصرانيا، قد آمن بدعوتها، كما يمكن تتبع جغرافية امتداد دعوتها من خلال ما جاء عند ابن الأثير من أصول وانتماءات بعض أتباعها، فعقة بن هلال في النمر، وزياد بن فلان في إياد، والسليل بن قيس في شيبان (ابن الأثير، الكامل في التاريخ، أحداث سنة 11)، ويذكر أبو الفداء في المختصر، أن قبيلتي تغلب وربيعة كانتا من أتباعها، وهي قبائل تدين في أغلبها بالنصرانية، مما يبين قدرتها الكبيرة على التأثير في أهل الكتاب.

اقرأ أيضا: شغب ناعم، الجارية التي حكمت دولة العباسيين وعينت جارية… قاضية القضاة 2/2

وقد ذكر لنا المؤرخون القدامى عددا ممن تولوا أمر الآذان لها، مما يبين أن المؤذن وظيفة لم تكن مخصوصة بالمسلمين، ونذكر من بين مؤذنيها، شبت بن ربعي حسب كتاب الاشتقاق لابن دريد (ص223). كما أورد الواقدي في كتاب الردة (ص170) أن المؤذن كان يقول: “أشهد أن سجاح نبية الله”، ونجد عند اليعقوبي ذكرا للأشعث بن قيس كمؤذن لسجاح (تاريخ اليعقوبي،ج 2/87).

على سبيل الختم:

تبين لنا من خلال الأمثلة المقتضبة التي سقناها، بأن المرأة العربية قبل الإسلام كانت تتبوأ مكانة هامة في التنظيم الاجتماعي، وذلك من خلال عدد من المؤشرات الدالة والرمزيات الواضحة، كتأنيث الآلهة، وكذلك من خلال تبوئها لوظيفة الكهانة وأخيرا من خلال النموذج الأبرز لرئاسة المرأة الدينية والسياسية، والمتمثل في شخصية سجاح بنت الحارث التميمية.

يبقى أن نشير إلى أن المؤسسة الدينية العباسية قد حاولت التقليل من أهمية الدور الذي لعبته المرأة العربية قبل الإسلام وتشويهه، فيذكرون أشياء نجزم أنها محاولات للنيل من أدوار المرأة، كالقول بأن فاطمة بنت النعمان النجارية، كان لها تابع من الجن كانت تزني معه وكان يملي عليها أقوالها وأفعالها.

اقرأ أيضا: النبوة والمسألة السياسية… حين وجد العرب في ادعاء النبوة سبيلا لسياسة الناس! 3/1

من اللافت للنظر أننا لم نعثر على تعاليم دين سجاح، ولم نجد إلا القليل من سجع منسوب لها متفرقا في بطون كتب التراث، ونجد أن أبا الفداء يقول بأنها أسلمت وحسن إسلامها وماتت في البصرة، كما نجد أن ابن الأثير يقول بأنها ماتت عند أخوالها التغالبة وانقطع ذكرها… ولا أعتقد شخصيا بأن امرأة مثلها ينقطع ذكرها بجرة قلم.

 

[1] سيد القمني، “العرب قبل الإسلام”،  وأبو علي القالي، “الأمالي”، ج1/ص126.
[2] جواد علي، “أديان العرب قبل الإسلام”، ص111
[3] المسعودي، مروج الذهب ، ج2/ص311
[4] كتاب الردة، الواقدي، ص170
[5] ابن حجر، الإصابة، ج8 ص641

 

لقراءة الجزء الأول: مكانة المرأة العربية قبل الإسلام من خلال مظاهر التأنيث عند العرب الوثنيين 1/3
 لقراءة الجزء الثاني: مكانة المرأة العربية قبل الإسلام: الآلهة الإناث ورمزية تقديس الأنثى عند العرب 2/3
 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *