روح الله زم… هذه قصّة الصحافي “الشيعيّ” الذي أعدمته إيران!
يُقال إنّ والده سمّاه بروح الله تيمّنا بالخميني زعيم الثورة الإيرانية. لكنّ لا الاسم ذو “الحمولة الكبيرة”، ولا تديّن عائلته الشديد حالاَ دون أن يكون معارضاً للنظام الإيرانيّ التقليدي وسلطوِيته.
إنّه روح الله زم، الصحافي الإيراني والمعارض، الذي كلفته معارضته للنظام أن يُحاكم بـ 13 تهمة؛ من بينها التحريض على إثارة حرب أهلية وتأجيج الاحتجاجات التي شهدتها إيران بين عامي 2017 و2018، و“نشر الفساد في الأرض” والتجسس لصالح جهات أجنبية.
هذه “التّهم” أدّت إلى… تنفيذ الإعدام شنقاً في حقّه، في 12 دجنبر\كانون الأول 2020.
تفاصيل الاختطاف…
تمكّن الحرس الثوريّ الإيراني من استدراج روح الله زم إلى العراق في أكتوبر 2019. هناك بالضبط، حدث اختطافه والذهاب به نحو طهران. حينها، أعلنت إيران عن “الاختطاف” رسميًّا في الإعلام، وقيل إنّ ظهور زم وقتها على شاشات التلفزيون والاعتراف بجرائمه المفترضة، كان بالقوة والإكراه.
تناقلت وسائل إعلام دولية، بما فيها الواشنطن بوست والنيويورك تايمز والبي بي سي أنّ الاختطاف والإعدام الذي تلاهُ جاءَا على إثر ترأس زم لقناة أمد نيوز، التي حظيت بمتابعة أكثر من مليون شخص على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن يوقفها تطبيق المراسلات (تيليغرام) عام 2018 بعد أن وجهت إليها إيران الاتهام بإطلاق دعوات للعنف خلال المظاهرات الاحتجاجية.
لعب موقع آمد نيوز دوراً محوريّا في قدح شعلة الانتفاضات الشعبية التي اندلعت في إيران خلال نهاية 2017 وبداية 2018، وكانت الأخبار التي ينشرها الموقع تساهمُ في استمرار هذه الاحتجاجات؛ ذلك أنّ بثّ مقاطع فيديو للمتظاهرين أدى إلى تناسل المزيد من المعطيات التي كانت الدولة الإيرانية تسعى إلى محاصرتها لحظتئذٍ.
“آمد نيوز” نشر “وثائق حول ما وصفَه بالفساد المستشري في أوساط كبار المسؤولين القضائيين والسياسيين والأمنيين في إيران، من بينها وثائق عن فساد صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية السابق، ووثائق عن قضية التحرش الجنسي بالأطفال من قبل سعيد طوسي، قارئ القرآن المقرب من أسرة آية الله خامنئي“، تقول صحيفة البي بي سي.
لكن… عندما سقط زم بين يدي النظام الإيراني، ظلّ النقاش مطروحاً بخصوص هذه “المصيدة”، إذ لم يتقبّل معارضون خطوة إقدام روح الله زم على زيارة العراق، التي يعتبرها كثيرون بمثابة “الساحة الخلفية لقوات الأمن والاستخبارات الإيرانية”.
على أيّ، ليسَت هناك معلومات دقيقة بخصوص الاعتقال أو الاختطاف، لكن التخمينات وما دفع به معارضون آخرون تذهب في منحى أنّ العملية جرت في مطار بغداد.
بحسب موقع البي بي سي، فقد أعلن الحرس الثوري الإيراني حينها أنه استخدم “أساليب استخباراتية حديثة وتكتيكات مبتكرة” مكّنته من “خداع” أجهزة أمن وجهات أجنبية والوصول إلى الصحفي روح الله زم، المعروف على نطاق واسع لدى الإيرانيين، وأكثر الشخصيات المثيرة للجدل منذ أكثر من عشر سنوات.
يضيفُ الموقع أنّ الحرس الثوري تباهى في ذلك الحين بعملية استدراجه المعقدة من فرنسا إلى العراق واصفاً المعارض بأنه “أحد الشخصيات الرئيسية في شبكة العدو الإعلامية والحرب النّفسية”.
كان روح الله زم قبلها معتقلاً، وقضى في السجن ثلاثة شهور أثناء ما سمي باحتجاجات الموجة الخضراء الإصلاحية، وذلك كان على إثر الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2009، بحيثُ شارك زم في حملة المرشح الإصلاحي مهدي كروبي.
في 2011، حصل زم على اللجوء السياسي بفرنسا، بعد أن كان مقيماً في ماليزيا ثم تركيا لفترة قصيرة. وأثناء تواجده بفرنسا ازدادت حدّة معارضته للنظام السلطوي في إيران، وأصبح منذ ذلك الحين من أكثر المغضوب عليهم من طرف السلطة الحاكمة في بلاد فارس.
الذهاب إلى بغداد؟
بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فقد جاء في تعليق رضا معيني، رئيس مكتب “مراسلون بلا حدود” المعني بإيران وأفغانستان، أن روح الله زم تم استدراجه للقيام برحلة إلى العراق، حيث كان يأمل أن يجتمع مع آية الله العظمى علي السيستاني، رجل دين شيعي عراقي مؤثر له علاقات وثيقة مع إيران ومنافس لخامنئي، وذلك من أجل مناقشة تمويل مشروع زم الإعلامي الذي يسعى خلق قناة تلفزيونية.
ورد في صحيفة البي بي سي أنّه، في 8 أكتوبر من عام 2019، توجه زم إلى السفارة العراقية مع صديقه مزيار في باريس. وصلا إليها وهي وشيكة على إغلاق أبوابها أمام المرتفقين.
إلا أن “دبلوماسياً في السّفارة استقبلهما وأصدر له تأشيرة السفر إلى العراق في غضون نصف ساعة فقط، في الوقت الذي يستغرق ذلك أسابيع في الأحوال العادية”، تضيفُ الجريدة.
تناقلت وسائل الإعلام أيضًا أنّ تذكرة السّفر إلى العراق توصّل بها روح الله عن طريق البريد الالكتروني، من طرف من كانوا يتواصلون معه قائلين إنهم من مكتب السيستاني.
زملاء زم رددوا بعد ذلك أنّ الأشخاص الذين ربطوا معه التواصل، قدمتهم إليه زميلته شيرين نجفي، وأخبروه عن رغبة آية الله السيستاني في لقائه لمناقشة إمكانية المساعدة في توفير 30 مليون دولار، لإنشاء محطة تلفزيونية.
شيرين نجفي هذه، المقيمة بتركيا وقتها، علّقت بأن الموضوع لا يتعلق بالسيستاني، لكنها أيضاً تشير إلى “المقربين منه”.
استشعرت زوجة روح الله الخطر في هذه الرحلة واعترضت؛ لكنّ المعلُومات المتوفّرة تشِير إلى إصرَاره على السّفر، الذي تمّ في 19 أكتوبر 2020.
إلى حدود الآن، ليسَت هناك أية معطيات دقيقة بخصوص علاقة السيستاني باستدراج روح الله إلى العراق. هناك كذلك مزاعم، غير مؤكدة، بكون شيرين نجفي ضليعة في الموضوع ومتعاونة مع الحرس الثوري الإيراني.
شيرين قالت في برنامج وثائقي أعدته بي بي سي أنها آثرت الذهاب إلى العراق بنفسها إيثاراً لسلامة روح الله زم، غير أنّ حضوره شخصياً كان مطلوباً.
ماذا… بعد إعدامه؟
بعد مرور سنة على تنفيذ حكم الإعدام في حق روح الله زم، عادت القضيّة إلى الواجهة حين خرج ضابط إيراني اسمه أكبر خوش كوجك، في مقابلة مع موقع إخباري إيراني، يقول إنّ “جهاز الأمن الفرنسي (DGSE) كان يسعى للإفراج عن ضابط أمن فرنسي كان بين صفوف تنظيم داعش، وتم أسره من قبل مسلحين على صلة بإيران يقاتلون في سوريا”.
أكثر من ذلك، قال أكبر خوش كوجك، إنّ “الحكومة الفرنسية اتصلت بطهران للإفراج عن ضابطها الأمني من المليشيات الإيرانية، حيث تم الترتيب للإفراج عن الضابط مقابل التعاون في اعتقال روح الله زم”.
لم ترُق هذه الخرجة لفرنسا، وعبّرت سريعاً عن شجبها لمثل هذه التّصريحات، نافيةً أي تنسيق مع السلطات الإيرانية لاختِطاف رُوح الله أو إجراء أيّ عملية تبادل بين البلدين. كما صرّح دبلوماسي فرنسي أنّ ما ذكره المسؤول في جهاز الاستخبارات الإيراني، هو تعبير عن مزاعم لا أساس لها من الصحة.
قبل ذلك، كانت فرنسا قد ندّدت، عبر بيان صادر عن وزارة خارجيتها، بإعدام روح الله زم، ووصفته بأنه “عمل همجيّ وغير مقبُول يقوّض حُرية التعبير وحرية الصحافة في إيران”.
كما اعتبرت منظمة العفو الدولية أن هذا الإعدام يشكّل “صفعة مميتة لحرية التعبير في إيران ويظهر مدى الأساليب الوحشية التي تتعبها السلطات الإيرانية لبث الخوف وردع المعارضة”.
أمّا ميشيل باشليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، فقد عقّبت بأنّ هناك “مخاوف جدية من أن اعتقال زم خارج الأراضي الإيرانية يمكن أن يرقى إلى درجة الاختطاف؛ وأن نقله لاحقاً إلى إيران بغاية محاكمته يمكن أن يكون انتهك ضمانات الإجراءات القانونية الجاري بها العمل”.
يعلّق الصحافيّ اللبنانيّ رامي الأمين قائلا: إن حكم الإعدام هذا يُبرز أنيابه على شكل ابتسامة: إذا قلت إن النظام الإيراني إرهابي، ستعدم، لإثبات أن النّظام الإيراني غير إرهابيّ.
إن ما يخشاه العالم اليوم هو استسهال إعدام الصحافيين المعارضين “للأنظمة المتخلفة”، فبعد جمال خاشقجي في السعودية يكون روح الله زم، ربما، نموذجاً لمعاينة الاستبداد في… إيران!
مقالات قد تثير اهتمامك:
- إيران كونترا: حكاية عشق ممنوع بين الخميني وريغان. 1\2
- إنهم يغتالون الصحافيين: نماذج متعددة عبر العالم
- من مصر، سارة أحمد فؤاد تكتب: المرأة الناشطة… جسد مستباح 2\2
- هل تعرف أن إيران ليست بمهد للتشيع وأنها كانت تعتنق يوما ما المذهب السني؟ 2/1
- الثورة الإيرانية: ثورة إسلامية أم ثورة… أمريكية؟
- علي شريعتي… المفكر الثائر
- سناء العاجي: بين إيطام وإيران، حين يصير الحجاب إيديولوجية فاشية