الأكراد… أصدقاء الجبال، المشتّتون، وحلم الدولة الذي تجهضه لعنة التاريخ والجغرافيا 4/1هذه حكاية "الأكراد"، وحكاية "كردستان"؛ الوطنُ الذي يأبى أن يستحيلَ دولةً!
“ليس للأكراد من صديق سوى الجبال”… هكذا يقول مثلٌ كردي، بعدما تنصل منهم التاريخ وخذلتهم جغرافية وهبوا لها حياتهم…
منذ وُجد الأكراد لم يهنؤوا؛ دائما ما كانوا على رُكح صراعات كبرى لما لـ”كردستان” من موقع جيواستراتيجي، ابتداءً من الحروب اليونانية-الفارسية، مرورا بالسلجوقية-البيزنطية، وصولا للصراع العثماني-الصفوي…
وبعدما اعتقدوا أنهم سينعمون بالهناء أخيرا، خذلتهم معاهدة سايكس بيكو، فطاردوا منذ ذاك حلم إنشاء دولتهم، ومنذ ذاك… لا يحصدون سوى السراب!
فما هي حكاية “الأكراد” إذن؟ ذاك ما نفرد له هذا الملف.
كَرَدَ، أبعد، طرد وهجّر. والكارد من أسماء السيف لأنه يبعد الرأس عن الجسم. أما الأكراد فهم المبعدون عن أرضهم لأسباب سياسية أو اجتماعية أو دينية.
هكذا يحاول الباحث محمد بهجت قبيسي[1] أن يفسر أصل كلمة “كرد”، معززا رأيه بـ”لسان العرب” حيث: كردهم يكردهم كردا؛ أي ساقهم وطردهم ودفعهم.
وبينما يؤكد قبيسي أن الكردي تعني أيضا الشجاع الجسور والغيور، تذهب الباحثة حنان أخميس[2] إلى أن أصل الكلمة فارسي، حيث كرد تعني البطل أو الشجاع، والذئب كذلك.
أما كلمة “كردستان”، فتجميع لمقطعين؛ “كرد” وتشير إلى الأكراد، و”ستان” التي تعني الأرض أو البلاد أو الوطن.
اقرأ أيضا: الطائفية في لبنان… من الجذور إلى المأساة 5/1
“كردستان” هذه، مصطلح يشير به الأكراد إلى منطقة جغرافية كبيرة تمتد ذات اليمين وذات الشِّمال، ذات الشَّمال وذات الجنوب… في عدة دول!
يمثل الأكراد اليوم حوالي 20 بالمائة من سكان تركيا، وأقل من 10 بالمائة من سكان إيران، وبين 15 و20 بالمائة من سكان العراق، و15 بالمائة من سكان سوريا.
وفي حين يذهب الباحث كولشان صغلام[3] إلى أنه استعمل أول مرة من قبل الآشوريين في العصور القديمة، يُرجع الباحث خالد عقلان[4] ظهوره إلى القرن الـ12م.
ظهر، بحسبه، كاصطلاح جغرافي إداري ذي دلالة قومية وديمغرافية على عهد السلطان سنجار السلجوقي.
اقرأ أيضا: حركة الحشاشين…أخطر حركة ثورية عرفها التاريخ الإسلامي؟ 4/1
كان ذلك حين فصل السلطان هذا، القسم الغربي من إقليم الجبال، وجعله ولاية تحت حكم قريبه سليمان شاه، أطلق عليها اسم “كردستان”. وقد كان جاريا العمل باسم “كردستان” في الوثائق والمراسلات الرسمية العثمانية.
مؤسس الجمهورية التركية نفسه، مصطفى كمال أتاتورك، كان أثناء خدمته في المناطق الكردية يشير إلى أنه في كردستان.
جذورٌ “غامضةٌ” عُرضة للتزييف…
يعود الكثير من المؤرخين بجذور الأكراد إلى العرق الآري. الأكراد بالنسبة لهم، أحفاد شعوب سكنت جبال زاجروس وطوروس، وما حاذاها من مناطق، وذلك منذ 3 آلاف سنة قبل الميلاد.
في كتابه “خلاصة تاريخ الكرد وكردستان”، يذهب المؤرخ الكردي محمد أمين زكي إلى أن أصول الكرد تشكلت من طبقتين؛ الأولى سكنت الجبال تلك منذ البدء، والثانية شعوب هندو-أوروبية، كالميديين والكاردوخيين، أتت لاحقا واستقرت في المنطقة.
التاريخ القديم للأكراد يثير الكثير من الغموض، ذلك أنهم لم يعرفوا عبر التاريخ كقوم يتمتعون بخصائص محددة، إلا بعد اعتناقهم الإسلام.
اندماج هذه الشعوب ببعضها البعض، يقول محمد أمين زكي، شكل لنا هؤلاء الذين يعرفون اليوم بـ”الأكراد”.
بالمناسبة، يشير الباحث بهجت قبيسي إلى أن كتاب أمين زكي يحمل الكثير من المغالطات التاريخية، ذلك أنه، بجانب كونه أول من كتب عن الأكراد، كتب عن أبناء جلدته بتعصب وأخذ عنه الباقون دون تحقيق أو تمحيص.
اقرأ أيضا: الشُّعوبية: حين أشعرَ العربُ “المواليَّ” بالميز العرقي الذي نهى عنه القرآن والرسول! 2/1
أيا يكن، فالأصول القديمة للأكراد ثابتة، وهم من أقدم شعوب المنطقة، ليسوا بطارئين في تاريخها ولا وافدين في جغرافيتها.
ذلك أنه أتى على ذكرهم المؤرخون اليونانيون، بخاصة أثناء الحروب اليونانية الفارسية. المؤرخ اليوناني زينفون، مثلا، يشير إلى شعب وصفهم بالمحاربين الأشداء ساكني الجبال، وقد سماهم بـ”كاردوخ”.
قُسمت الدولة العثمانية بعد معاهدة سايكس بيكو وحازت الدول ما حازته، وحُرِم الأكراد من دولة مستقلة ووُزعوا على أربع دول هي: تركيا، إيران، العراق وسوريا.
المسعودي في كتابه “مروج الذهب” أيضا يأتي على ذكر هؤلاء، وإن كان، يزعم الباحث صلاح برواري[5]، يحمل مغالطات تاريخية عدة، مثل أن أصل الأكراد عربي.
من ثم، يؤكد الباحث كولشان صغلام أن التاريخ القديم للأكراد يثير الكثير من الغموض، ذلك أنهم لم يعرفوا عبر التاريخ كقوم يتمتعون بخصائص محددة، إلا بعد اعتناقهم الإسلام.
“وطن” مُشتتٌ بين أربع دول…
يعد الأكراد اليوم من أكبر القوميات التي لا توجد لها دولة مستقلة سياسيا.
بعد التوقيع على معاهدة سايكس بيكو بين فرنسا وإنجلترا، عام 1916م، قُسمت الدولة العثمانية، وحازت الدول ما حازته، وحُرِم الأكراد من دولة مستقلة ووُزعوا على أربع دول هي: تركيا، إيران، العراق وسوريا.
اقرأ أيضا: إيران اليوم: دولة شيعية تضطهد السّنة وتنتهك حقوقهم المدنية والسياسية 2/2
سنأتي على تفصيل ذلك في جزء لاحق، إلا أنه ثمة أيضا بالمناسبة أقليات كردية تعيش في مناطق أخرى مثل أرمينيا وأذربيجان ولبنان.
الأصول القديمة للأكراد ثابتة، وهم من أقدم شعوب المنطقة، ليسوا بطارئين في تاريخها ولا وافدين في جغرافيتها.
أما إن تحدثنا عن تعداد الأكراد في العالم، فالمصادر اختلفت في ذلك؛ منها ما يورد أنها تتراوح بين 25 و35 مليون… غير أن المرجح، أنهم يبلغون 38 مليون نسمة.
الأكراد يمثلون اليوم حوالي 20 بالمائة من سكان تركيا، وأقل من 10 بالمائة من سكان إيران، وبين 15 و20 بالمائة من سكان العراق، و15 بالمائة من سكان سوريا[6].
اقرأ أيضا: في الإخضاعِ بالذرائعِ والعناوينِ الكاذبة؟ وما حَك جلدُنا غير ظفرنا!
قياسا إلى تعداد سكان دول الشرق الأوسط، يَعُدّ كولشان شغلام الأكرادَ أقلية… لكنها أقلية كبيرة.
الدين الإسلامي هو دين الأغلبية الكردية. معظم هؤلاء سُنّة يتبعون المذهب الشافعي. ومثلهم مثل الشعوب الأخرى، منهم من يدين بالمسيحية واليهودية. وثمة منهم من يعتنق ديانات أخرى كالأيزيدية واليارسانية[7].
في الجزء الثاني نتابع بعضا من أهم محطات التاريخ الكردي؛ ذلك التاريخ الذي يبدو أنه أقسم رغم فصوله المتعددة بألا يتحقق حلم الأكراد يوما ما.
لقراءة الجزء الثاني: الأكراد… تعدّدت فصول التاريخ والنتيجة واحدة: “وطنٌ مشتّت”! 4/2
لقراءة الجزء الثالث: الأكراد… بعد سايكس بيكو: تاريخ من القمع والاضطهاد والنضال على أمل الاستقلال 4/3
لقراءة الجزء الرابع والأخير: الأكراد… بين الحلول الواقعية والشعور القومي: لماذا تستحيل إقامة دولة كردستان؟ 4/4