آخر انتفاضة مسلحة بالمغرب: معركة أملاكو ومقتل محمود بنونة (5/12)الجزء الخامس
اندلعت المعركة في مولاي بوعزة وأدت خيانة حدو أومهرير إلى محاصرة القوات العمومية للمنزل الذي كان يختبيء فيه محمود بنونة فدخلوا في معركة دامت أكثر من خمس ساعات، تفاصيلها نقدمها في هذا الجزء
توقفنا في الجزء الرابع من هذا الملف، عند إطلاق شرارة الانتفاضة الأولى، وتطورات الوضع على الأرض.
نواصل في هذا الجزء حكاية الانتفاضة المسلحة، من معركة أملاكو التي سقط فيها محمود بنونة قتيلا.
خيانة من الداخل
أرسل محمود بنونة رجلي الاتصال من أجل إحضار الأسلحة، التي كانت المجموعة قد وضعتها في أحد المخابيء السرية.
كان أحد المبعوثين هو حدو أومهرير، الذي سبق أن أثارت زيارته احتجاجات عدد من عناصر المجموعة.
لم يتجه حدو أومهرير للبحث عن الأسلحة، كما كلفه بنونة، بل ذهب في اتجاه مكتب مساعد قائد السلطة بأملاكو، واعترف أمامه بأن المجموعة أرسلته لقتله، كما دله على مكان تواجدها في منزل المقدم عدي أوشان.
بمجرد ما اجتاز المقدم عتبة الباب، حاصرته القوات الأمنية، وانقضت عليه لتعتقله فورا، فيما أطلقت زوجته صرخة استغاثة، كانت كافية لتنبيه بنونة والعنصرين اللذين معه، فهرعوا إلى أسلحتهم، واتخذوا وضعا دفاعيا… بعدما أيقنوا من تعرضهم للخيانة.
اتصل مساعد قائد السلطة بالقائد الممتاز لكلميمة، طالبا منه تدخل فرقة مسلحة. نظرا لعدم توفرها، فقد اتصل هذا الأخير بعامل قصر السوق، الذي أرسل فرقة من القوات المساعدة، كانت تتواجد بالريش في حالة استنفار بسبب هجوم مولاي بوعزة.
اقرأ أيضا: هذه حكاية فرج فودة… رائد الجيل الثاني للفكر التنويري في مصر
حصار المنزل وبداية المعركة
مع بداية الساعات الأولى من يوم الخامس من مارس، كانت القوات الأمنية، المكونة من وحدات من القوات المساعدة والدرك، في طريقها إلى المكان الذي يتواجد فيه محمود بنونة، وعلى رأسها الملازم أوعرجي، الذي كان من بين قدماء جيش الاستعمار.
لم يكن بنونة ومن معه ينوون غدرا، فالمكان الذي يقيمون فيه في ملكية مقدم المنطقة، وملاصق لمنزله. هذا الأخير كان يغط في النوم عندما طوقت القوات الأمنية المكان، قبل أن يوقظه وقع خطوات قرب منزله، اعتقد أنها لرجلي الاتصال اللذين ذهبا لإحضار الأسلحة.
بمجرد ما اجتاز المقدم عتبة الباب، حاصرته القوات الأمنية، وانقضت عليه لتعتقله فورا، فيما أطلقت زوجته صرخة استغاثة، كانت كافية لتنبيه بنونة والعنصرين اللذين معه، فهرعوا إلى أسلحتهم، واتخذوا وضعا دفاعيا… بعدما أيقنوا من تعرضهم للخيانة.
حاول الملازم أوعرجي تجنب المواجهة المسلحة، حيث كلف مستشارا في الجماعة، كان مقاوما سابقا، بالتفاوض مع بنونة ومن معه ليستسلموا. ما إن بدأ المستشار في الكلام لإقناعهم بذلك، حتى رفع محمود بندقيته صوبه ووجه له جملة واحدة:
– لديك عشر ثوان لتخرج من هنا إن كنت تريد البقاء حيا.
ما إن ابتعد المفاوض حتى اشتعلت نيران المواجهة بين الطرفين…
سارعت مجموعة بنونة إلى إطلاق النار صوب القوات الأمنية التي تراجعت للوراء. لكن الملازم أوعرجي أمر رجاله برد إطلاق النار، فعم المكان صوت الرصاص، وغدا لا شيء يمزق سكون ليل المنطقة، سوى صوت البنادق والرشاشات، حيث تمكنت مجموعة بنونة من إصابة جندي إصابة مباشرة أسقطته في قناة للري، فيما أصيب فريكس -رفيق بنونة- في قدمه. في نفس الوقت، أمر محمود زوجة المقدم بإضرام النار في حقيبة بها مبالغ مالية، ومجموعة من الوثائق.
كانت أعداد القوات الأمنية تتناقص، بسبب موقع مجموعة بنونة وقدراتهم الدفاعية، والتنسيق فيما بينهم. بالرغم من إحداثهم لثغرة في الحصار المضروب حولهم من طرف القوات المساعدة، فقد اهتموا بالرد على نيران المهاجمين وإحراق الوثائق، ولم يقوموا بالهرب صوب الجبال.
وصلت طائرة عمودية لمؤازرة القوات الأمنية. اختلط إطلاق نيران الكلاشينكوف بالقنابل وبقصف الطائرة المروحية. بحسب ما رواه فريكس قبل إعدامه لعدي شان، فقد تمركز محمود بنونة وسليمان العلوي خارج المنزل، إذ تموقع بنونة خلف بئر، فيما تموضع سليمان في خندق صغير، بينما وفر لهما فريكس المصاب، التغطية اللازمة من خلف نافذة داخل المنزل.
ظل إطلاق النار متواصلا لمدة خمس ساعات، أيقن خلالها أوعرجي أن رجاله سيتعرضون لمجزرة على يد مجموعة بنونة، إذ لم تنفع محاولته في الالتفاف على المجموعة من الخلف، أو محاولة تفريقهم. لأجل ذلك، قرر الاقتصاد في الجهد، وإيقاف إطلاق النار في انتظار قدوم قوات إضافية من الدرك والقوات المساعدة.
اقرأ أيضا: في ذكرى وفاته: مالك بن نبي… “فقيه الحضارة”
استغل محمود بنونة وسليمان وفريكس الاستراحة للعودة للمنزل، واتجه بنونة صوب زوجة المقدم مخاطبا إياها:
– “نحن سوف نموت. لكن أنت يجب أن تعيشي لأبنائك. خذي طفليك واخرجي، لن يحدث لك شيء”.
وجدت المرأة صعوبة في فهم كلام بنونة، فترجم لها سليمان العلوي كلامه، لتحمل المرأة أبناءها وتتقدم صوب الباب، ليأخدها جندي شاب إلى الملازم أوعرجي، الذي سألها عن عدد العناصر بالداخل، حيث أخبرته زوجة المقدم أنها رأت منهم ثلاثة أفراد.
الجولة الثانية من النيران
عاد إطلاق النار من جديد، لكنه كان أكثر عنفا هذه المرة، ما دفع بقائد القوات المساعدة إلى إرسال طائرات مروحية إلى أملاكو، لمؤازرة قوات أوعرجي الذي كان من بين الجرحى، إضافة لأربعة عشر جريحا آخرا، وخمس قتلى، حسب بعض الروايات، وقتيل واحد، في روايات أخرى.
وصلت طائرة عمودية لمؤازرة القوات الأمنية. اختلط إطلاق نيران الكلاشينكوف بالقنابل وبقصف الطائرة المروحية. بحسب ما رواه فريكس قبل إعدامه لعدي شان، فقد تمركز محمود بنونة وسليمان العلوي خارج المنزل، إذ تموقع بنونة خلف بئر، فيما تموضع سليمان في خندق صغير، بينما وفر لهما فريكس المصاب، التغطية اللازمة من خلف نافذة داخل المنزل.
استمر إطلاق النيران أكثر من ساعة، كانت ضراوتها تزداد تدريجيا، قبل أن تصيب رصاصة قاتلة محمود، لترديه صريعا.
سارع سليمان العلوي نحو محمود بنونة وقام بجره إلى داخل المنزل، فيما قام فريكس بالتغطية عليهما؛ لكن ذلك لم يمنع من أن تصيب عدة رصاصات سلميان العلوي. رغم شدة نزيف هذا الأخير ورغم الرصاصات التي تملأ جسده، إلا أنه أكمل سحب جثة محمود صوب المنزل.
تمكن سليمان من الدخول للمنزل رفقة جثة بنونة. قاوم سليمان عدة دقائق… قبل أن يسقط جثة هامدة إلى جانب جثة محمود، وعلى مرأى من فريكس وبعد خطوات منه. ظل هذا الأخير يقاوم قوات الملازم أوعرجي، إلى أن نفذت ذخيرته، وتم القبض عليه.
شاع خبر موت محمود بنونة ووصل إلى المجموعات المقاتلة والمتمركزة في شتى المناطق، ما أربك كل خططهم، وانطلقت سلسلة من المطاردات دامت لحوالي ستة أشهر، نبدأ في تقصي أبرز محطاتها في الجزء المقبل.
تنويه:
اعتمد في إنجاز حلقات هذا الملف على المصادر التالية:
– كتاب “الثورة الموؤودة” لمحمد لومة.
– كتاب “أبطال بلا مجد” للمهدي بنونة (نجل محمود بنونة).
– كتاب “ثورة لم تكتمل” لمحمد التوزاني
– التقارير المرفوعة لقيادة التنظيم السري من طرف الناجين من الاعتقال
o تقرير سي إبراهيم
o تقرير القاضي
o تقرير النجار
– العدد رقم 3 من جريدة الاختيار الثوري، مارس 1976
– العدد رقم 14 من جريدة الاختيار الثوري، مارس 1977.
– لقاءات شفوية مع كل من:
o محمد التوزاني
o بعض أهالي المختطفين والمعتقلين من مجموعة مولاي بوعزة والتنظيم السري المحلي بخنيفرة
لقراءة الجزء الأول: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين فيها: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة بالمغرب (1/12)
لقراءة الجزء الثاني: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين فيها: في الطريق إلى انتفاضة 1973. خلافات رفاق السلاح (2/12)
لقراءة الجزء الثالث: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين في انتفاضة 1973: الطريق إلى السلاح (3/12)
لقراءة الجزء الرابع: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين في انتفاضة 1973: أولى الرصاصات (4/12)
لقراءة الجزء السادس: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: معركة السونتات (6/12)
لقراءة الجزء السابع: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: الخيانة (7/12)
لقراءة الجزء الثامن: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: تشتت قيادة الخارج (8/12)
لقراءة الجزء التاسع: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: معارك تنغير (9/12)
لقراءة الجزء العاشر: رحلة بني ملال: خيبة أمل ونجاة (10/12)
لقراءة الجزء الحادي عشر: قيادة الخارج: تندوف، البوليساريو… التيه الكبير 11\12
لقراءة الجزء الثاني عشر: في ذكرى تنفيذ عقوبة الإعدام في حق بعض المشاركين فيها: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: المحاكمة والإعدام (12/12)